على الرغم من تقاعده من مهنة التعليم، إلا أنه لم ينهِ تعلّمه بعد، وبإصراره الكبير على تحقيق الأماني تخطى حدود الوطن طلباً للعلم، فكان النجاح حليفه الدائم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 أيار 2019، المدرّس والطّالب "حسين علي محمد" (67 عاماً) ليحدثنا عن مسيرته العلميّة التي بدأت منذُ سبعينات القرن الماضي ومازالت مستمرة حتى الآن، فحدثنا قائلاً: «في عام 1972 دخلتُ معهد إعداد المدرسين بالدفعة الأولى في محافظة "طرطوس"، شعبة "بانياس" لإعداد المدرّسين، التي أُحدثت بمكرمة من الرئيس "حافظ الأسد" لأبناء المناطق النّائية، بعد أن كان هذا المعهد مقتصراً فقط على محافظتي "حمص" و"إدلب"، وبدأت التّعليم في مدرسة القرية بعد التخرّج في المعهد، وفي الـ45 من عمري قررت أن أكمل حلمي في التحصيل العلمي، إلا أن التسجيل في الجامعات السوريّة كان يتطلب إعادة تقديم للشهادة الثّانوية، فقررت أن أسجل الأدب العربي في الجامعة اللبنانية في "بيروت"، وبالفعل سافرت إلى "لبنان" وبدأت رحلتي في بحور اللغة العربيّة، وبعد 5 سنوات تخرّجت في الجامعة اللبنانية، واستمريت في التّدريس حتى سنّ التّقاعد في عام 2011، وفي عام 2017 أردت إكمال ما بدأت وسجّلت في نظام التّعليم المفتوح في جامعة "تشرين" ضمن برنامج الدراسات القانونيّة، والآن أنا طالب في السّنة الثالثة».

لم تكن مسيرة "حسين محمد" سهلةً، فقد قضى أوقاتاً عصيبة في طفولته، ومع ذلك هو إنسان عصامي محب لعلمه ومتقن له، والكتاب هو الصديق الأقرب إليه، حيث إنه يقضي أوقاتاً كثيرة في قراءة الكتب المتنوعة، ولا يهتم بشؤون الآخرين يجعل من بيته وكتابه همّه الوحيد، وكان لهذا التصميم على النجاح نتائج باهرة، حيث استطاع تحقيق طموحاته بتحصيلٍ علمي تجاوز به كل أقرانه في المنطقة

أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل، بهذه الكلمات بدأ "حسين علي محمد" إجابته عند سؤالنا له عن سبب تأخره في طلب التحصيل العلمي والصعوبات التي واجهته، ليقول: «لم يكن تحقيق حلم والدي بالأمر السّهل، منذ الصّغر قالها لي مراراً وتكراراً: (يا "حسين" عليك بالعلم والتواضع)، وهذه الكلمات لم ولن تغب عن خاطري في يومٍ من الأيام، كان حلمه أن يراني مثقفاً ومتعلماً، لكن الوضع المادي السّيئ في ستينات القرن الماضي كانت أكبر العوائق أمام قدرتي على تحصيل العلم الذي كان يطمح به والدي، لقد كان يحمل لي عيدان الحطب مسافة 18كم عبر الجبال ليصل إلى قرية "العنازة" في قضاء "بانياس" ليؤمن التدفئة لي في الشّتاء القارس أثناء تعلمي في المرحلة الابتدائية، والآن بعد أن كبرت وأصبحت قدرتي المادية تساعدني نوعاً ما على ذلك، كان لا بدّ لي أن أردّ الجميل له، وسوف أستمر بالدراسة حتى آخر يومٍ في حياتي.

البطاقة الجامعية

لم يكن سفري الأسبوعي إلى "لبنان" لحضور المحاضرات وتقديم الامتحانات بالأمر السّهل، لكن كل شيء في سبيل العلم يهون، ومن طلب العُلا سهر الليالي، والآن في كلية الحقوق أسافر كل جمعة إلى "اللاذقية" لحضور محاضراتي، حيث أحضر 4 محاضرات فقط؛ لأن المواصلات الطرقية إلى قريتي "باب النور" في قضاء "القدموس" غير مؤمنة كثيراً، وأعاني في طريق عودتي من الجامعة، لكن كل هذا التعب وهذا الجهد لا شيء بالنسبة لي لأنه لكلٍ مجتهدٍ نصيب، ونصيبي في هذه الدنيا ومن هذا الجهد والتّعب تحصيلي العلمي الّذي يعادل كل غالٍ وثمين في هذه الحياة».

أما عن طموحه ورسالته التي يحبّ أن يوصلها إلى طلبة هذا الجيل، وهو واحدٌ منهم على الرغم من فارق العمر الكبير بينه وبين زملائه على مقعد الدراسة، فقال "حسين محمد": «العلم على العبد واجب والرزق على الله، ويجب طلب العلم من المهد إلى اللّحد، مقترناً بالأخلاق الحميدة لأن أحدهما يكمل الآخر، ويجب ألا تقتصر حياة الإنسان على طلب الماديات فقط، الشباب هو ربيع الإنسان، وعليه أن يعتني بربيعه ويزرع كل المحبة والخير ليجني منه في النهاية كل بذرةٍ صالحة وسمعةٍ طيبة.

ميهوب محمد

أما عن طموحي بعد الحصول على إجازة الحقوق، فأنا أريد أن أتابع ما بدأته، حتى الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق إن أمكنني ذلك وكتب الله لنا من العمر مديده.

العلم لا ينتهي، ومهما درسنا وتعلمنا لا نستطيع أن نجمع من العلم إلا قليله، وأنا كمؤمن بالعلم لكونه غذاء للروح قبل الجسد، أظن أنه من الواجب علينا أن نغذي روحنا، لنحلّق بعيداً في بحور أفكارنا ونرتقي بأنفسنا ووطننا».

كامل محمد

المدرّس "ميهوب محمد" صديق المدرّس "حسين علي محمد" حدثنا قليلاً عن طفولة صديقه: «لقد تربى "حسين محمد" ضمن بيئة فقيرة، تحب العلم وتسعى جاهدة لتحقيقه، ومن خلال المدة الزمنية الطويلة التي عشناها معاً أظن أنه مثال للإنسان المجد صاحب الإصرار الكبير، الذي يستطيع بالصبر تجاوز كل العقبات التي تعترضه، ولم يترك لأوقات الفراغ أن تكبر وتأخذ من حياته الكثير، وهو إنسان محبوب من كل محيطه، حيث كان مستثمراً لكل أوقاته بطريقة صحيحة، يتقن تعليم طلابه في المدرسة، ويربى أولاده الخمسة تربية حسنة، ويبدع في أعماله الزراعية، وفوق كل ذلك ينجح في دراسته العلمية».

وأضاف صديق دربه "كامل عمار محمد" عند لقائنا به: «لم تكن مسيرة "حسين محمد" سهلةً، فقد قضى أوقاتاً عصيبة في طفولته، ومع ذلك هو إنسان عصامي محب لعلمه ومتقن له، والكتاب هو الصديق الأقرب إليه، حيث إنه يقضي أوقاتاً كثيرة في قراءة الكتب المتنوعة، ولا يهتم بشؤون الآخرين يجعل من بيته وكتابه همّه الوحيد، وكان لهذا التصميم على النجاح نتائج باهرة، حيث استطاع تحقيق طموحاته بتحصيلٍ علمي تجاوز به كل أقرانه في المنطقة».

يذكر، أن المدرّس "حسين علي محمد" من مواليد "طرطوس"، عام 1951.