في "المدرسة الحلوية" بمدينة "حلب" يوجد محراب خشبي جميل يتميز بزخارفه البديعة ونقوشه الرائعة وكتاباته القديمة، يُعرف بأسماء عديدة وذلك بحسب المؤرخين والدارسين فهو محراب "نور الدين زنكي" -محراب "ابن العديم" -المحراب الخشبي –"محراب الحلوية"، ويُعد هذا المحراب قبلة للسيّاح والدارسين من مختلف المناطق سواء من داخل "سورية" أو من خارجه.

ولمعرفة المزيد حول هذا المحراب الفريد من نوعه التقى موقع eAleppo بالدكتورة المهندسة "لمياء الجاسر" الباحثة في الشؤون الآثارية والمعمارية والتي قالت: «يرتفع إيوان "المدرسة الحلوية" عن الباحة بدرجة واحدة وهو صغير الحجم في جداره الشمالي باب مسدود وفي جداره الجنوبي محراب خشبي بديع منقوش بزخارف نجمية وكتابات، وقد ترك لنا "هرتسفلد"(1) تحليلاً لأجزائه وأشكال نجمياته وصورة له قبل أن تطاله يد العبث، كُتب على محيطه بخط نسخي أيوبي ما يدل على أنه أنشأ أيام الملك الناصر "صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد" سنة 1245م».

محراب جامع الحلوية شيّده "نور الدين زنكي" خلال القرن الثاني عشر للميلاد ويعد آية بديعة من الزخرفة العربية والكتابة محفورة بخط "ابن العديم" مؤرخ "حلب" الشهير صاحب كتاب /بغية الطلب وزبدة الحلب/

وأضافت: «البعض ينسبه إلى العهد الزنكي ويعتقد أنّه رمم في العهد الأيوبي وذلك بسبب التشابه الكبير بينه وبين المحراب الزنكي في الجامع الصغير في "قلعة حلب" والذي نقل إلى فرنسا أيام الاحتلال الفرنسي وتوجد صورة له عند "هرتسفلد"، ولكني أرى أنّ هذا المحراب يعود إلى العهد الأيوبي لأنه لم يرد ذكره عند "ابن جبير" الذي زار "حلب" في أوائل العصر الأيوبي ووصف "المدرسة الحلوية"».

محراب الحلوية -من تصوير هرتسفلد 1908

أما الأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ "حلب" المعاصر فيقول: «محراب "نور الدين" بالمدرسة الحلوية هو كنز من كنوز الفن الإسلامي ويوجد في الجدار الجنوبي لإيوان "المدرسة الحلوية" وهو محراب جميل مصنوع من الخشب المحفور مع نقوش مرصّعة بخشب الأبنوس والعاج والصدف، ويحمل عدة نقوش مؤرّخة من العام 643 هجرية و1245م كما يوجد عليه شريط كتابي يحيط بجهاته الثلاث وهو من النوع النسخي الأيوبي وبأحرف متوسطة وأصلية».

وحول تلك الكتابات المحيطة بالمحراب يقول "مبيض": «من اليمين << بسم الله الرحمن الرحيم جُدّد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك العادل المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين رافع العدل في العالمين قاهر الكفرة والملحدين أبي المظفر يوسف بن محمد بن ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلى رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين في سنة ثلاث وأربعين وستمائة>>».

زخارف ونقوش بديعة على المحراب

ويختم "مبيض" حديثه: «محراب جامع الحلوية شيّده "نور الدين زنكي" خلال القرن الثاني عشر للميلاد ويعد آية بديعة من الزخرفة العربية والكتابة محفورة بخط "ابن العديم" مؤرخ "حلب" الشهير صاحب كتاب /بغية الطلب وزبدة الحلب/».

أما الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" فيقول عن المحراب الذي يسميه محراب "ابن العديم": «داخل "المدرسة الحلوية" هناك إيوان شمال الكنيسة وفي جداره الجنوبي يوجد محراب خشبي رائع بديع الزخرفة يعود إلى أيام "نور الدين" وقد تم تجديده أيام آخر الملوك الأيوبيين وهو "يوسف الثاني ابن محمد العزيز" سنة 643 هجرية و1245 ميلادية كما تبين الكتابة النسخية الموجودة على إطار المحراب المستطيل الشكل والمكتوبة على أضلاعه الثلاثة الأيمن والعلوي والأيسر ضمن شريط عرضه 17 سم وبطول 4 أمتار و15 سم من الطرفين الأيمن والأيسر و3 أمتار و54 سم من الطرف العلوي».

كتابة بخط المؤرخ الحلبي ابن العديم

ويضيف "حجار": «في أسفل الشريط العلوي ووسط شريط من النقوش كُتب اسم الصانع الفنان بسطر واحد طوله 70 سم وعرضه 7 سم وذلك بالخط النسخي ونصه:<< صنعة أبي الحسين ابن محمد الحراني رحمه الله>>، بينما ذُكر في داخل تجويف المحراب أسفل نصف الكرة العلوية ووسط شريط منقوش اسم النجار الصانع ضمن سطرين بأبعاد 20 سم و7 سم ونصه:<< نجارة العبد الفقير إلى رحمة ربه عبد الله بن أحمد النجار>>ن وهناك آيات قرآنية كريمة مكتوبة على يمين ويسار المثلثين الذين يعلوان القبة وعلى أطراف لوحي المحراب».

وأخيراً يقول: «في أعلى الإيوان الذي يوجد بداخله المحراب الخشبي هناك كتابة تدل على ترميم "المدرسة الحلوية" زمن السلطان العثماني "محمد الرابع ابن إبراهيم" 1058 -1099 هجرية أيام والي "حلب" "أبو النور محمد باشا"».

(1)–"أرنست هرتسفلد": 1879 -1948م معماري وعالم آثار ألماني.