تعتبر "حلب" من أقدم المدن تاريخياً فقد عاصرت العديد من الحضارات الإنسانية وبقيت محتفظة بإرثها التاريخي الذي تميزه تلك الحجارة البازلتية المرصوفة في أزقتها.

موقع eAleppo زار "حي السفاحية" وهو أحد أحياء "حلب" في المدينة القديمة وعرض جانباً من تراثها العمراني. الباحث في الآثار الدكتور "محمود حريتاني" تحدث لنا عن تاريخ هذا الحي حيث قال: «تعتبر محلة السفاحية من المباني الأثرية والتاريخية والتي لا يزال معظمها قائماً سليماً رغم مرور أكثر من ستمئة عام على بناء بعضها، وأن هذه المحلة لعبت ولا تزال، دوراً أساسياً في حياة المدينة القديمة، اقتصادياً واجتماعياً، وأخيراً فإن هذه المحلة بعيدة حتى الآن عن تأثرها بالحداثة التي تغزو المدينة القديمة وأسواقها، فتشوهها، وتفقدها شخصيتها ونكهتها التاريخية».

تعتبر محلة السفاحية من المباني الأثرية والتاريخية والتي لا يزال معظمها قائماً سليماً رغم مرور أكثر من ستمئة عام على بناء بعضها، وأن هذه المحلة لعبت ولا تزال، دوراً أساسياً في حياة المدينة القديمة، اقتصادياً واجتماعياً، وأخيراً فإن هذه المحلة بعيدة حتى الآن عن تأثرها بالحداثة التي تغزو المدينة القديمة وأسواقها، فتشوهها، وتفقدها شخصيتها ونكهتها التاريخية

وأضاف "حريتاني" بقوله: «تعتبر محلة السفاحية من أقدم محلات حلب، فقد بنيت بعض أوابدها في الفترة الأيوبية في أوائل القرن السابع الهجري أي القرن الثالث عشر الميلادي، كما توسعت في الفترة المملوكية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلادي، وحين جاء الأتراك العثمانيون إلى حلب في عام 922 هـ 1516 م ازدهرت، وتكاملت، ووصلت إلى الحالة التي نراها عليها اليوم.

طريق إلى جنانة الفريق

بنيت السفاحية على إحدى التلال السبعة التي قامت عليها مدينة حلب مثل: "تلة القلعة" و"تلة الجبيلة" و"تلة السودا العقبة" وغيرها. وكانت التلة التي بنيت عليها محلة السفاحية تدعى "تلة عائشة" نسبة إلى "عائشة بنت صالح بن العباس" البارعة الجمال التي تزوج بها "موسى الهادي"، وكانت ميداناً في فترة دولة المماليك الجركسية يلعب مماليكهم بالرماح، وعرفت أيضاً بتلة الست فأنشئت عليها حمام الست أو حمام النحاسين، وكذلك خان النحاسين في قبالتها وفيه اليوم دائرة القنصلية الفرنسية حتى عام 2003م».

وذكرها المؤرخ "ابن الشحنة" في كتاب "الدرر المنتخب في تاريخ حلب" حينما درس بالمدرسة الظاهرية السلطانية وهي أمام قلعة حلب قائلاً: «بنيت المدرسة أيام الظاهر "غازي بن صلاح الدين" الأيوبي سنة 613 هـ ـ 1216 ، 1217 ، و"المدرسة الأتابكية" 618 هـ 1221 ، 1222 م التي هدمت خلال تدمير "هولاكو" لمدينة "حلب"، ودرس فيها المؤرخ "ابن العديم" سنة 660 هـ ـ 1261 م، ثم دثرت نهائياً، وحين أنشأ "أحمد بن صالح بن أحمد السفاح" المدرسة السفاحية على أنقاض معصرة للسيرج عام 828 هـ ـ 1424 ـ 1425م نسبت المحلة إليها، فدعيت بالسفاحية. وبقيت تحتفظ باسمها هذا حتى اليوم، وفي المحلة "حمام ميخان" الذي ذكره المؤرخ "ابن الشحنة" المتوفي سنة 890 هـ ـ 1485 م».

بوابة راغب آغا

وتابع المؤرخ "ابن الشحنة" قائلاً: «خلال الحكم العثماني فقد اهتم بها ولاة حلب الأتراك ـ فأنشأ فيها "خسرو باشا" مدرسته الخسروية عام 915 هـ ـ 1544 ، 1545 م، وحين عادت السلطانة "كوهر ملكشاه" بنت "عائشة" السلطانية حفيدة السلطان "بايزيد" وجده "أحمد دوقة كين باشا" والي حلب، من الديار المقدسة، وتوفيت هنا دفنت بجانب المدرسة السفاحية، ومازال قبرها موجوداً، ولكن بحالة سيئة ثم سيطر عليه أحد الأهالي وقطن عليه، ثم أنشأ الوالي المذكور في المحلة جامعة بجوار دال العدل وسمي بالعادلية عام 963 هـ ـ 1555 ، 1556م. وهو من أجمل جوامع حلب لا يزال قائماً بحالة جيدة.

وفي المحلة فضلاً عن ذلك جامع "تغزي بردي" الذي أنشى عام 769 هـ ـ 1393 ، 1394م وقد بناه "ابن طومان" المعروف بالموازيني، أما السبلان والقساطل والمدارارت فقد كانت كثيرة، اندثر أكثرها، وكذلك المدارس كالمدرسة الحدادية والمساجد كمسجد درب الأسفريس، ويطلق عليه المسجد العمري.

ويذكر بعض المؤرخين أن "ولي الله العارف إبراهيم بن أدهم" وضريحه في جبلة المعروف بضريح السلطان إبراهيم، قد نزله ويطلق عليه أحياناً اسم "مشد علي"، وأن الزوايا التي بنيت في المحلة قد دثرت أيضاً، وكان أشهرها زاوية "شيخ تراب" التي بنيت عام 1195 هـ ـ 1780،1781 م. أما الخانات والأسواق التي تحلق بالمحلة فكثيرة مثل "سوق القطن" و"سوق الحمام" و"خان الفرايين" و"خان العلبية" وسنتحدث عنها بالتفصيل فيما بعد. إن محلة السفاحية السكنية المجاورة للأسواق القديمة كانت مزدهرة، وقد سكنها العاملون في الأسواق بشكل خاص ومن مختلف الطوائف وعرفت فيها بعض العائلات العريقة مثل عائلة "راغب زادة" و"العادلي" وغيرهم».

أما المؤرخ "الطباخ" في كتابه "أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" ذكرها بالقول: «إن عمران المحلة التقليدي ونسيجه القديم لا يزال يحافظ على حالته الأولى منذ سبعمئة سنة حتى اليوم إن زلزال عام 1237 هـ ـ 1821،1822 م الكبير قد دمر عدداً من أبنية المحلة ولم يبق منها سوى اسمها إلا أنه أبقى على أهمها كخان الشونة والخسروية والعادلية وغيرها. وقد جددت المحلة، ورممت مبانيها التاريخية في عام 1300 هـ ـ 1882 ، 1883 م، كما وسع رأس الجادة على قدر الكفاية كما يقول المؤرخ الطباخ في عام 1318 هـ 1900، 1901 م».