يعتبر مسرح الهواة جزءاً مكملاً للمسرح، ومن خلاله يستطيع المتلقي الإبحار نحو عالم واقعي مأخوذ من صميم حياته الاجتماعية التي يعيشها، ومن هذا المنطلق اعتلى طلبة الاتحاد الوطني في "سورية" مسرح مديرية الثقافة بـ "حلب"، وقدم العرض المسرحي الهادف "طفل زائد عن الحاجة"، مساء 14/3/2011.

بدأت القصة بزوجين يعانيان من تردي الحياة الاجتماعية حينما شعرت المرأة بمخاض ولادة طفل جديد قادم إلى الحياة، وحمل العرض منظور الشباب ليجعل من تفكيرهم أداة للبحث عن حلول فكرية للعديد من العادات الاجتماعية الخاطئة وليكون هذا المولود طريقاً للخروج من العادات السيئة كانت قد تراكمت عبر العديد من الأجيال.

وهذا يرجع أيضاً إلى تصنيف درجة ثقافة الجمهور الذي يوجه إليه النص المسرحي، وطبيعة الحياة الاجتماعية التي يعيشها

وفاجأ مخرج العمل الحضور حينما قام الممثل "فراس زرقا" بحركات إيمائية توحي للمتلقي بمخاض فجر جديد ينشأ عنه ولادة أمل، فمخرج العمل شبه الطفل بالأمل الذي يولد تحت ظروف قاهرة مما يشكل للأبوين بصيص أمل يتمسكان به للخروج بواقع أفضل من خلال خيوط رسمها القدر لهم.

الطبيب "محمد رشّو"

ومن آراء الحضور التقى موقع eAleppo "محمد رشّو" طبيب أسنان ليعكس ومن وجهة نظره أهمية مسرح الهواة بـ "حلب" فيقول: «يعمل على تحفيز الشباب ودفعهم لحضور المسارح، ويشكل البديل الفعلي عن المسرح التقليدي للتخلص من تكرار التبعية التي اتخذها المسرح في العديد من قضاياه المطروحة التي اتسمت بالطابع الكلاسيكي».

وأضاف: «فمسرح الهواة يتوقع منه الخروج بأفكار وأطروحات جديدة تلائم أفكار الشباب وقضاياهم المعاصرة ويمكن أن يشكل أيضاً طريقا جديدا يستطيع المتلقي إيجاد بوابة لعرض الرؤى الجديدة وبنموذج حضاري ملائم للواقع الذي نعيشه».

الخيّاط "عمر دباغ"

لكن وبرأيي "رشّو" أن الممثل الهاوي يتمتع بالعديد من الطاقات الكامنة وحول هذا يقول: «لأنه يشكل النواة الرئيسية لبزوغ فجر مسرح جديد وعليه يقع عاتق النهوض بالمسرح التقليدي، لكونه يعمل على طرح رأياه من خلال واقع عاش فيه وتأثر بمجرياته ومنه يمكن أن يعمل على تصحيح بعض الانحرافات في السلوك الاجتماعي الذي أثر في مجريات الحياة العامة».

ومع أن مسرح الهواة يشكل مخاض فجر جديد على ساحته فإنه يستلزم تضافر العديد من الجهود ليبرز بفن بديل عن المسرح التقليدي وحول هذا قال "رشو": «وبعيداً عن الشعارات فإن استمرارية التدفق تشكل له حياة جديدة ومفتوحة لكل فرق المسرح، لكن العامل الأهم بهذه الناحية هو تأمين الدعم المادي وتأهيل الكوادر المسرحية وشحنها بالوسائل الإعلانية لإعطاء الجيل المسرحي حقه في النهوض من مسرحه المتردي».

مخرج العمل "نبيل سايس"

طموحات جيل الشباب انطلقت لكن ما يترتب على الأسرة مهام عديدة تلقى على عاتق رب الأسرة غرس المسرح وأهميته لدى أولاده منذ الصغر وحول ذلك قال الخياط "عمر دباغ": «مسؤولية الأب لا تنحصر داخل البيت وإنما يجب أن يخط لأولاده طريقاً ثقافياً يشعرهم من خلاله بأن هناك حاجة أدبية تقام على خشبة مسرح تعرض قضاياهم وتطرح همومهم ويمكن أن تكون حلاً في بعض الأوقات شرط إتباع المنهج العقلاني الصحيح وعدم الانجرار نحو الانفعالات العاطفية».

مضيفاً: «وبرأيي فإن المسرح يشكل للطفل ولليافع عالما آخر بعيداً عن عالم التلفزيون الافتراضي من خلال مراقبته للممثلين فيشعر حينها بأهمية الموضوع الذي يتابعه والذي قد تعجز عنه الأسرة لبعض الأحيان في إيصاله لأولادها لكون المسرح ينطوي على تجربة تفاعلية تقع بين الواقع والمشاهد».

وختم قائلاً: «وما يترتب على دور رب الأسرة تفحص المحتوى المناسب للعرض المسرحي من خلال حضوره أول العرض ليحدد فيما إن كان ولده يدخل ضمن الفئة العمرية المناسبة، وبرأيي فإن أفضل المشاهد للشخص دون سن الخامسة عشرة هو العرض الفكاهي وان كان أكثر من ذلك فيجب أن يكون ضمن محتوى تعليمي».

وعن رأي مخرج العمل "نبيل سايس" وسبب اختياره لهذا الموضوع قال: «يمكن تشبيه الأمل بولادة طفل حينما يأتي القدر به خلسة دون أن يشعر به الأبوان، وأحياناً فإن الأمل يولد في أسوأ الظروف».

لكن ومن ضمن معالجته للأمل فقد ظهرت بعض اللقطات أن الأسرة قد عزمت على القضاء عليه وحول ذلك أجاب "سايس": نتيجة الخوف من المستقبل، فعندما تفكر الأسرة بالمستقبل تظهر لها تخيلات تعكس مجرى الواقع ومن هنا يمكن أن ينشأ لديها هاجس للقضاء على ذلك الأمل ظناً منها أنه سوف يأخذها إلى عالم أسوء من العالم الذي تعيش فيه فتعمد إلى رفضه أو مقاومته في بعض الأحيان.

لكن في النهاية صورت الأمل على انه حالة فيزيولوجية قائمة وسوف يكون له وجود بين العالم الاجتماعي الذي نعيشه وفي كل لحظة يولد أمل جديد يمكن أن يحمل بين طياته مستقبلا أفضل للجميع».

لكن هل الجمهور في "حلب" قد اعتاد على مثل هذا النوع من المسرح أجاب عنها الممثل "فراس زرقا" قائلاً: «في غالبه لا يفضل المسرح الفلسفي، لأنه ينطوي على محاكاة لعقله، وعموماً فإن للمسرح درجات يمكن أن ينقل جمهوره بها ومن بينها المسرح الفلسفي والفكاهي والمسرح الاجتماعي والتجاري، ولكي يتم الانتقال بينهم لابد ان يحقق كل مسرح درجة إشباع عند جمهوره».

وختم قائلاً: «وهذا يرجع أيضاً إلى تصنيف درجة ثقافة الجمهور الذي يوجه إليه النص المسرحي، وطبيعة الحياة الاجتماعية التي يعيشها».

يذكر أن العرض المسرحي من تأليف "عبد الفتاح رواس قلعجي" ومن إخراج "نبيل سايس"، ومن تمثيل "حسين غجر"، "نوران بريم"، "فراس زرقا" ويستمر لغاية يومين.