"ياسر خضير" قاده حب الموسيقا الشرقية لتعلم آلية تصنيع آلتي العود والقانون فأبدع بإنتاج نماذج تعبر عن أصالة الصناعة الحلبية اليدوية لآلات الطرب الذي اشتهرت به مدينة "حلب" عبر عدة قرون.

وفي لقاء مع الفنان "ياسر خضير" أحد الشباب الذين اجتهدوا في إنتاج آلتي العود والقانون على مستوى عال من الجودة والحس المرهف بالفن حيث تحدث لموقع "مدونة وطن" "eSyria" عن بداية مشواره بتلك الصناعة قائلاً: «بدأت فكرة صناعة آلتي القانون والعود وأنا في عمر صغير جداً عندما اشتريت آلة القانون حيث قادني فضولي لأن أجرب تصنيع هذه الآلة وأنا بعمر 16 عاماً وللأسف التجربة فشلت، ولكنها كانت الحافز لأتجنب الوقوع بالأخطاء مستقبلاً.

استفدت من كوني عازفاً لآلة القانون بعملية التصنيع ما أعطاني ميزة كبير عن باقي ممتهني هذه الحرفة، فأهم ما يتميز به عملي هو الدقة ومعرفة متطلبات العازفين من كلا الآلتين ما يؤدي لتلافي الكثير من أخطاء التصنيع كذلك الأمر يعطي مجالاً لا محدود من تطوير هذه الصناعة

فقررت بعد فترة أن أتتلمذ على يد الأستاذ "محمد ظن"، حيث علمني صناعة القانون الذي يتطلب مهارة خاصة، واستمر في تدريبي على تلك الصناعة 3 سنوات، وفيما بعد أنشأت ورشة تصنيع خاصة بي في عام 1998، حيث تطورت إمكانياتي لأن أدخل صناعة آلة العود، فاستندت على خبرة الأستاذ "جميل قندلفت"، لأتعلم كيفية مراحل تصنيع آلة العود منه، ومن ثم استفدت من لمسات الأستاذ المهندس "ابراهيم سكر" الخبير بصناعة آلة العود أيضاً، فيما بعد تطورت في مجال الصناعة بإدخال التصديف لتجميل صناعة آلتي العود والقانون ولتضفي جمالاً فنياً لتلك الآلات بالشكل الخارجي».

مرحلة جمع هيكل آلة القانون

عن مراحل التصنيع التي تدخل بها آلتي القانون والعود قال "خضير": «تبدأ مراحل الصناعة بجلب الخشب المادة الخام لصناعة العود والقانون وتتركز مصادر الخشب على نوعين من الأخشاب الأول خشب الزان المستورد وخشب الجوز ويفضل استخدام خشب الزان المُخمر والمجفف على الطرق الحديثة ليعطينا قساوة وإضافةً لاستخدام خشب الجوز ليعطينا صوتاً لطيفاً ويمكن إضافة عدة أنواع من الأخشاب النادرة التي تضفي مزايا عديدة لصوت الآلة، بعدها ننتقل للمرحلة التالية بالصناعة وهي تفصيل هيكل الآلة حيث نجمع الأخشاب لصنع هيكل الوجه الأمامي والخلفي للآلة وبعدها تأتي مرحلة العمل على الشكل الخارجي بتنعيم الحواف ودهن مادة "الكماليكا" وهي تحمي الآلة من عوامل الرطوبة وتضفي بريقاً خاصاً للآلة، ثم نجلب الأوتار الخاصة الصناعية بالآلة والتي يكون مصدرها خارجياً وهي تتمتع بدقة خاصة ويكون عددها 78 وتراً تعطي 26 علامة موسيقية بآلة القانون».

يضيف: «يكون لكل آلة قياس معين من ناحية دقة الأوتار تليها مرحلة توازن الصوت للحصول على العلامة الموسيقية ثم نركب الماكينة النحاسية بالجانب الأيسر بالقانون والتي تعطي الأبعاد المناسبة بين الأوتار لتعطي المقامات الموسيقية المطلوبة بالعزف ويكون أبعاد القانون 98 سم بالنسبة لطول الساق الطويلة و30 سم للساق القصيرة و44 سم للجانب ويوجد اجتهادات عديدة بتغير القياسات لإعطاء رخامة صوتية خاصة، أما بالنسبة للمدة الزمنية التي أستغرقها بصناعة آلة القانون فهي تقارب الشهر».

المراحل الأخيرة بصناعة العود

يتابع: «أما بالنسبة للعود فنجمع الريش الخشبية لنشكل هيكل العود ويكون عدد الريش 15 أو 30 ريشة ونجمع بعدها الوجه الأمامي للعود الذي يحوي فتحة دائرية كبيرة وفتحتين دائريتين بقياس صغير حيث تكون هذه الفتحات مسؤولة عن إخراج التردد الصوتي للوسط الخارجي، ثم تأتي مرحلة تثبيت الأوتار التي عددها 6 أزواج على قطعة نسميها فرس الخشب الذي يحمل الأوتار والتي يتم تركيبها على وجه العود ويتم مدّ الأوتار إلى قطعة تدعى البنجق الذي يحوي قطعاً تسمى الملاوي عددها 12، تتموضع على الجانبين وظيفتها توازن الأوتار للحصول على التوازن الموسيقي المطلوب حيث يعطى كل قطعتين من الملاوي علامة موسيقية ويكون عمق العود الأعظمي من الداخل للخارج 16 سم وأبعاد العود 52 سم عرضاً و32 سم ارتفاعاً وهنالك عدة قياسات تعود لرغبة العازف الشخصية يمكن تصنيعها، إضافةً لأن إدخال التصديف بصناعة العود والقانون أعطى مزايا جديدة ومتنوعة للشكل الخارجي لكلا الآلتين حيث نستطيع تشكيل عدة رسومات عبر تجميع الأصداف ما يعطي امتزاجاً بين الفن الشرقي الصناعي والصوت الموسيقي الشرقي كذلك الأمر يجذب هواة اقتناء الآلات الفنية التراثية والعازفين، ويستغرق زمن صناعتي لآلة العود 15 يوماً».

بالانتقال لما كسبه "خضير" من التميز الذي يتمتع به لكونه عازفاً ومصنعاً لآلتي القانون والعود ذكر بالقول: «استفدت من كوني عازفاً لآلة القانون بعملية التصنيع ما أعطاني ميزة كبير عن باقي ممتهني هذه الحرفة، فأهم ما يتميز به عملي هو الدقة ومعرفة متطلبات العازفين من كلا الآلتين ما يؤدي لتلافي الكثير من أخطاء التصنيع كذلك الأمر يعطي مجالاً لا محدود من تطوير هذه الصناعة».

ياسر خضير مع الأستاذ محمد الظن

ختم "ياسر خضير" حواره معنا بالقول: «أوجه شكري لعائلتي التي كان لها الفضل بتشجيعي على المثابرة لأكون متميزاً بالناحية الفنية من العزف على آلة القانون وبالمرحلة المتقدمة عندما دخلت لعالم صناعة آلتي العود والقانون، كذلك لا أنسى فضل الأستاذ "عاطف خياطة" الذي درسني العزف على آلة القانون وأكن الكثير من العرفان للأستاذ "محمد ظن" الذي دعمني بكافة المعلومات عن خفايا تصنيع آلة القانون».

"محمد الظن" مصنع لآلة القانون وعازف منذ 20 عاماً وأحد الذين علموا "ياسر الخضير" مهنة صناعة آلة القانون تحدث بالقول: «إن الفنان "ياسر" إنسان مجتهد تميز بصناعة آلة القانون والعود فهو يملك اجتهادات شخصية تطور تلك الآلتين فنياً، وهو من الأوائل بالعزف على آلة القانون وهذا الخليط بين الفن بالعزف والصناعة يعطي نتيجة غاية بالنجاح.

وبالنسبة لواقع هذه الصناعة فهي من جهة مظلومة إعلامياً واقتصادياً وذلك بسبب التعرض لكثير من الصعوبات في إيجاد الأخشاب التي تدخل بالصناعة، ومن ناحية أخرى فنحنُ بحاجة لتقديم تسهيلات باستيراد متطلبات هذه الصناعة من قبل المعنيين لأن صناعتنا فنية أكثر من أن تكون تجارية حيث يتم بيع هذه الآلات بربح اقتصادي ضئيل عكس الدول المجاورة التي تبلغ أسعار هذه الآلات فيها أضعافاً مضاعفة عما ننتجه في "سورية"».

بدوره "أحمد حريري" أحد الذين يعملون مع الفنان "ياسر خضير" في مجال صناعة آلات العود قال: «أعمل بمجال صناعة آلة العود منذ 8 سنوات ورافقت "ياسر خضير" منذ عام بهذا المجال حيث أضاف لي لمسات فنية عديدة، ساهمت بتميز منتجاتنا حيث نتلقى طلبات عديدة لمنتجاتنا من السوق الداخلي والخارجي، إضافةً لأن "ياسر" عازف قديم استفاد من حسه المرهف بإنتاج الطلبات الخاصة التي تأتينا من العازفين سواء من الجانب الفني وبالرونق المذهل للشكل الخارجي الذي يزينه بالصدفيات».