"علي الناصر" رائد مجهول من رواد شعر التفعيلة في الوطن العربي بل لعله الرائد الأول، كتب في الطبيعة والجمال باقتدار حتى سماه العقاد "بودلير الشعر العربي".

يتحدث المؤرخ "محمد عامر مبيض" مؤرخ حلب المعروف عنه لمدونة وطن eSyria بتاريخ 7/4/2013 فيقول: «ولد الشاعر الطبيب "علي الناصر" في حلب سنة 1894 حيث كانت تقيم عشيرته هناك، درس الابتدائية والإعدادية في حماة، والثانوية في دمشق، ثم سافر إلى استانبول لدراسة الطب، وبعدها سافر إلى "باريس" للتخصص في الأمراض الجلدية / 1923 ـ 1924/.

غريزة بدوية في عقلية علمية، في روح مدنية، هو ذا علي الناصر الشاعر الطبيب

عاد إلى حلب، وزاول مهنته في وقت لم يكن فيه من الأطباء المتخصصين إلاَّ القلة النادرة، وكان "علي الناصر" فضلاً عن تفوقه في مهنته الطب وشهرته بها في حلب وغيرها من المدن السورية، أديباً شاعراً، يحب المطالعة والقراءة حباً ملك عليه نفسه، وذهب بجل وقته وجهده، وكان يحسن التركية والفرنسية والإنكليزية، وقد دفعه حبه للشاعر الفارسي «سعدي الشيرازي» إلى تعلم الفارسية ليقرأ بها شعره».

غلاف احد اعمال علي الناصر

نشر الشاعر "علي الناصر". قصائده الأولى في مجلة "الحديث" الحلبية منذ عام 1927، وما بعدها موقعاً إياها بلقب الطبيب الشاعر، إلى أن اشتهر وعُرف كشاعر على مستوى المدينة، ويعد ديوانه "الظمأ" 1928 الذي كتب مقدمته "أمين الريحاني" ثم في ديوان "سريال" الذي كتبه مع المرحوم الشاعر الحلبي الكبير "أورخان ميسر" وصدر عام 1945 بداية للمنحى التجديدي والحركة الشعرية الحديثة في الأدب العربي الحديث، وذلك قبل أن تظهر محاولات كل من "لويس عوض" في "بلوتولاند" 1938، و"نازك الملائكة" في "كوليرا" 1947، وقد استقلَّ علي الناصر بهذه الفرادة والريادة منذ صدور هذا الديوان على الرغم مما لقيه من تجاهل ونسيان أمداً طويلاً.

وقصائد ديوانه "الظمأ" كما يقول الدكتور "أحمد بسام ساعي" هي من النوع السوريالي وفيه ثار على الوزن والقافية وقد استخدم تفعيلات عديدة بأشكال مختلفة، مزدوجة ومنفردة من غير أن يتقيد بعدد معين منها في السطر الواحد، يقول في قصيدته ميسلون: «ميسلون، ميسلون/ أمل ضاع/ وجيش ظافر/ فتية من فرنسا/ تركوا الأهل عليهم فتيات قد لبسن الأسودا/ قطعوا البحر/ قطعوا البحر وفي أعماقهم لوعة/ والبعض عاف الولدا/ في سبيل المجد.. لا.. في سبيل الحق.. لا».

المؤرخ "عامر رشيد مبيض"

ولذلك يعدُّ الشاعر "علي الناصر" كما يرى "الريحاني" والدكتور "سامي الدهان" والدكتور "عبد السلام العجيلي" والأستاذ "محمود فاخوري" في طليعة الشعراء المعاصرين الذين ثاروا على الوزن والقافية، ودعوا إلى تحرير النظم من هذه القيود، وإرسال الكلام منبعثاً من الشعور، وموسيقا الجرس، قبل أن تعلو أصوات "نازك الملائكة، والسياب" وغيرهما، ومن مظاهر تجديده مزجه بين الشعر والنثر الفني في قالب فني واحد منسجم متماسك كما في قصيدته "الاحتراس" كما يؤكد ذلك المؤرخ "مبيض".

ويختم المؤرخ مبيض حديثه عن الشاعر فيقول: «إن الشاعر الناصر كان أسير ذاته وأحاسيسه وعالمه الخاص، وكان شعره وأدبه انعكاساً صادقاً لشخصيته المتفردة، ونفسه الغريبة الغامضة وحياته المضطربة، حباً جامحاً وعواطف ملتهبة ورؤى محلقة، ووجداناً مرهفاً.

حلب البهاء علي ناصر

ولعل نهايته المأساوية تلك كانت خاتمة لحياته الغريبة ونفسه الغامضة، فقد وجد صريعاً مضرجاً بدمائه في عيادته صباح يوم الثلاثاء /2 ـ حزيران ـ 1970/ فكان الحزن عظيماً على هذا الإنسان الطيب والطبيب الحاذق، والشاعر المفكر».

ويذكر الروائي والناقد "نذير جعفر" لموقعنا أعمالاً أخرى للشاعر الناصر فيقول: «علي الناصر كان شاعراً مجداً اشتغل كثيراً على نصه فجاء دافقاً مملوءاً بالحركة والتوثب والتوغل في عميق الذات الإنسانية، فمن ديوان الظمأ إلى ديوان سيريال حلب عام 1947 إلى آخر ما كتب "ديوان اثنان في واحد" يذكرنا الشاعر "علي الناصر" دائماً برغبته في كسر قيود البيت الشعري والانتقال به رغم تفعيلته إلى أعالي الروح».

كما كتب الشاعر بعض القصص القصيرة منها "البلدة المسحورة"، حلب عام 1935 و"دم الدموع"، حلب 1954 و"هذا أنا" عام 1961. ومن كتبه المخطوطة قصة الكون الثاني "الأغوار" وقصة "أيام".

قال عنه أمين الريحاني: «غريزة بدوية في عقلية علمية، في روح مدنية، هو ذا علي الناصر الشاعر الطبيب».

وقال عنه الدكتور "سامي الدهان": «فهو ممَّن تذوق الآداب الفرنسية، فعكف على دراستها وأحسَّ برقيِّها، فشعر بضرورة العمل، فكتب ونظم إرضاءً لنفسه لا للناس، وإرضاءً للأدب نفسه لا للأدباء».