لأيام الحصاد في" ريف حلب الشمالي" طقوس اجتماعية قديمة يمارسها الفلاحون والفلاحات ضمن أجواء تراثية تسودها حلقات الرقص والغناء وروح التشارك والمساعدة، وإقامة مباريات تقليدية في الحقول.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 حزيران 2016، المزارع "حسن عمر" من "عفرين" فقال: «مازال الكثيرون من المزارعين يقومون بعمليات حصد محاصيلهم من القمح والشعير وغيرها يدوياً، وذلك باستعمال المناجل بمختلف أنواعها، وما زالت تلعب دوراً أساسياً في عمليات الحصاد.

لأهل "حلب" أمثال شعبية قالوها حول "المنجل"، ومنها: (في أيار اسحب منجلك وغار، وأيار هات منجلك واندار)، كما يسمون الفترة التي تسبق الحصاد "زمان غصة المنجل"، أما موسم الحصاد فيسمونه "عصة المنجل"؛ حيث ينهمك المزارعون بالعمل

لنبدأ من المنجل، لهذه الآلة حضور كبير في الطقوس الاجتماعية التي يمارسها السكان أيام الحصاد؛ فهي تستعمل منذ القدم في إقامة المباريات الجماعية في الحقول بين العمال المعروفين بقوتهم البدنية وسرعتهم في الحصاد، هذه المباريات تبدأ من الفجر وحتى طلوع الشمس وسط تشجيع الحضور وهم يؤدون الأغاني الفلكلورية الخاصة بالحصاد وتصفيق وزغاريد النساء.

المزارع حسن عمر

في الوقت الذي يحدده الحكام يتوقف المتبارون ويكون الفائز الذي حصد أكبر مساحة من الأرض، أما الخاسرون فيشترون كمية متفق عليها من الحلاوة كـ"المشبك" والكعك وغيرهما، فيتناولها الجميع بفرح وسط تعليقات الفائز وسخريته من الخاسرين.

بعدها تقوم النسوة بإعداد أكلة "الكشكة" الخاصة بمناسبة الحصاد، وتتكون من القمح المغلى واللحم وتقدم لجميع العمال ضمن أجواء اجتماعية رائعة بعد الانتهاء من العمل».

المزارع كمال حمو

ويتابع: «من التقاليد الاجتماعية الشائعة والمرتبطة بالحصاد أيضاً وجود أشخاص معروفين بحرفيتهم وقوتهم في حصاد مساحات كبيرة من القمح والشعير في كل منطقة، ولكل واحد منهم منجله الخاص به الذي لا يعطيه أو يعيره لأحد مهما كانت الأسباب، ويعدّ هذا المنجل مضرباً للمثل عند عامة الناس؛ فيقولون عنه: (منجلك صاير متل منجل فلان).

يستعمله صاحبه عادةً في المباريات الاجتماعية التي تقام خلال عمليات الحصاد كما يتحدى به الآخرين، هذا المنجل له تسمية خاصة هي "الكف" ويبرز بأوصاف متميزة، فهو مؤلف من قطعتين: الأولى: منجل عادي لكن بحجم كبير يمسكه صاحبه بيده اليمنى، والثاني مصنوع من جلد الماعز والخيزران يلبسه الشخص في يده اليسرى ليساعده في عملية الحصاد بسرعة وحماية يده من الأشواك وخاصة "شوكة الفأر" القاسية، والجدير بالذكر، أنه يجب توفر تناغم موسيقي منتظم بين "المنجل" و"الكف" في يدي الشخص خلال العمل».

نقل "الحصيد" إلى البيدر

وأضاف: «خلال موسم الحصاد الذي يستمر بين شهري أيار وحزيران يسود التعاون والتشارك في العمل بين المزارعين؛ فعندما ينتهي أحد المزارعين من حصاد محصوله مبكراً يتشارك مع أقرانه وجيرانه في مساعدة المزارعين المتأخرين في حصد محاصيلهم؛ فينهون له العمل في وقت قصير، وفي نهايته تقوم النسوة بالتشارك في إعداد أكلة "الكشكة" ليتم تناولها من قبل جميع المزارعين المتعاونين في إنجاز العمل، وهناك الكثير من القصص في الريف قام خلالها المزارعون مجتمعين بحصاد محصول أحد المزارعين من دون علمه، وفي الصباح التالي تفاجأ بأن محصوله محصود بالكامل ومن دون أي مقابل».

وختم: «بعد نقل "الحصيد" إلى البيادر يبقى قسم من السنابل المتناثرة والمبعثرة في الحقول؛ خاصة إن كان الحصاد ليلياً فيأتي أشخاص لالتقاط تلك السنابل وجمعها ودرسها لتأمين مؤونتهم من القمح، ويسمى الشخص الذي يقوم بهذا العمل في "ريف حلب" "اللاقوط"، وفي "عفرين" "باشاقجي"».

المزارع "كمال حمو" تحدث عن أهم التقاليد التي تسود موسم الحصاد، وقال: «من أهم التقاليد الاجتماعية بالحصاد يوم الطحن؛ حيث يجتمع الرجال والنساء حول أحجار الرحى البازلتية من الصباح وحتى ساعة متأخرة من الليل، وعند حلول المساء تبدأ سهرات الغناء وسرد الحكايات الشعبية والملاحم التي تتضمن قصص الحب والغرام والبطولات.

ولهذه الأيام جمالية خاصة لأن العمل يكون جماعياً؛ فمنهم من يسكب القمح بين حجارة الرحى، وآخر يقوم بتدويرها، أما النسوة فيقمن بجمع الطحين وتعبئته في أكياس، أما البقية منهم فيؤدون الأغاني والرقصات».

وختم: «لأهل "حلب" أمثال شعبية قالوها حول "المنجل"، ومنها: (في أيار اسحب منجلك وغار، وأيار هات منجلك واندار)، كما يسمون الفترة التي تسبق الحصاد "زمان غصة المنجل"، أما موسم الحصاد فيسمونه "عصة المنجل"؛ حيث ينهمك المزارعون بالعمل».

أخيراً، يقول الباحث التراثي الدكتور "محمد عبدو علي" حول هذه التقاليد الاجتماعية: «باختصار هناك نوعان من العادات والتقاليد الاجتماعية التي ما زالت تلعب دوراً مهماً في حياة الناس وخاصة الريفيون منهم، عادات مترادفة مع التخلف وهي تحد عملية التطور والتقدم لدى الإنسان، مثل عادات المعالجة بـ"الحجاب والطلاسم"، وغيرهما. هذه العادات علينا محاربتها وتحرير الناس من تأثيراتها.

أما النوع الثاني من هذه التقاليد، فهو العادات التي تسهم في تطوير الروح الجماعية والمحبة وتشجع على التشارك في العمل، هذه التقاليد لها تأثيرات إيجابية في حياة الناس؛ لذا علينا ترسيخها وتعزيزها بما يخدم عملية التلاحم الاجتماعي ونشر ثقافة المحبة بين أفراد المجتمع».