منذ الأزل، كانت "حلب" تعجّ بالناس من كل الأجناس والدول، وهي ملتقى الطرق البرية بين "أوروبا" و"آسيا"، وكانت الفنادق غير معروفة نهائياً فيها، حتى بناها الأخوان "مظلوميان" عندما اكتشفا الأعداد الغفيرة من السياح الذين يؤمون المدينة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع المؤرخ لتاريخ "حلب" الاجتماعي "عبد الكريم بيبي" بتاريخ 1 تموز 2017، الذي تحدث عن قصة الأخوين الذين بنيا أول الفنادق في "حلب" وظروف تلك الأيام، حيث قال: «كل إنسان قطن شمال، وشمال شرق "حلب" في مدينة أو دولة وقرر الذهاب إلى الحج المقدس في "مكة" و"القدس" كان لا بد له من المرور بـ"حلب" والاستراحة فيها، وعندما ينتهي من مهمته في الحج، كان يعود ليستريح من عناء السفر الطويل.

كل إنسان قطن شمال، وشمال شرق "حلب" في مدينة أو دولة وقرر الذهاب إلى الحج المقدس في "مكة" و"القدس" كان لا بد له من المرور بـ"حلب" والاستراحة فيها، وعندما ينتهي من مهمته في الحج، كان يعود ليستريح من عناء السفر الطويل. ومنذ أكثر من مئتي سنة سكنت عائلة أرمينية عريقة من آل "مظلوميان" في حارة "الجلوم الصغرى" التي كان يسكنها كبار الناس من المسلمين والمسيحيين، وفي هذه الفترة كانت "حلب" تعجّ بالأجانب من تجار وصناعيين وحجاج وسياح، فقام الأخوان "أرمين" و"أونيك مظلوميان" بتحويل بناء قديم يتوضع أمام "خان القصابية"، إلى أول فندق في المنطقة أسموه "أرارات"، وبعد نحو عشرين عاماً من العمل، واكتشاف الفائدة الكبيرة من هذا الفندق، أنشأ "أرمين مظلوميان" عام 1902 فندقاً مستقلاً أسماه "حلب بالاس"، وأنشأ "أونيك" فندقاً آخراً أسماه "عزيزية بالاس"، وعندها بدأت الشركات الألمانية والإنكليزية تعمل على "سكة حديد بغداد" وإنشاء جسر "هره دره" عند "ميدان أكبس"، وكذلك "جسر جرابلس"، وبدأت "محطة بغداد" العمل، وصار القطار يسير من "بومباي" في "الهند" خطاً واحداً إلى "حلب"، ومنها إلى "باريس" مروراً بعدد من الدول الأوروبية

ومنذ أكثر من مئتي سنة سكنت عائلة أرمينية عريقة من آل "مظلوميان" في حارة "الجلوم الصغرى" التي كان يسكنها كبار الناس من المسلمين والمسيحيين، وفي هذه الفترة كانت "حلب" تعجّ بالأجانب من تجار وصناعيين وحجاج وسياح، فقام الأخوان "أرمين" و"أونيك مظلوميان" بتحويل بناء قديم يتوضع أمام "خان القصابية"، إلى أول فندق في المنطقة أسموه "أرارات"، وبعد نحو عشرين عاماً من العمل، واكتشاف الفائدة الكبيرة من هذا الفندق، أنشأ "أرمين مظلوميان" عام 1902 فندقاً مستقلاً أسماه "حلب بالاس"، وأنشأ "أونيك" فندقاً آخراً أسماه "عزيزية بالاس"، وعندها بدأت الشركات الألمانية والإنكليزية تعمل على "سكة حديد بغداد" وإنشاء جسر "هره دره" عند "ميدان أكبس"، وكذلك "جسر جرابلس"، وبدأت "محطة بغداد" العمل، وصار القطار يسير من "بومباي" في "الهند" خطاً واحداً إلى "حلب"، ومنها إلى "باريس" مروراً بعدد من الدول الأوروبية».

زعماء الاستقلال السوري على درج الفندق

ويتابع "بيبي" المستند إلى عشرات المراجع في شرح حالة المدينة في ذلك الوقت: «كانت "حلب" مصدر إلهام للعديد من الناس في العالم، فخبراء الموسيقا وعلماء الآثار وكتاب ومطربون ازدحمت بهم "حلب"، وفي ذلك الوقت كنت تسمع "حلاق إشبيلية"، و"عايدة"، و"أسواق فارس" لـ"روسيني"، و"فيردي" وكأنك في "لندن" أو "باريس".

وعندها قرّر الأخوان "مظلوميان" أن يكون في "حلب" فندق عالمي، جلبوا المهندس الأرمني الفرنسي الجنسية "كاسبار نافيليان" الذي أشرف بنفسه على اختيار المكان والتصميم والتنفيذ، وكان أقرب محل إلى فتحة "قناة حيلان" التي تروي المدينة بالماء العذب والموجودة في "باب الفرج"، وقد تمّ وضعها وسط "بستان غول آب"؛ أي "بستان ماء الورد"؛ وهو ما جعل هذا الأمر يدخل في ابتكار فريد من نوعه، فالفندق الجديد الذي حمل اسم "بارون" كان مختلفاً بسبب وجود الحمامات في أي غرفة، قبل أن تفكر كل "أوروبا" بهذا الأمر، وقد افتتح عام 1911 في الربيع بعد أن كانوا قد قرروا افتتاحه في فصل الشتاء، لكن في هذه العام حدث أمر عجيب، حيث بقي الثلج ينزل أربعين يوماً متواصلة، وما زالت هذه الأيام تدخل بتاريخ "حلب" وأهلها ومعروفة بـ(سنة الأربعين تلجة).

الملك فيصل على حصانه

وكان هناك شاب ألماني اسمه "بول" تسلّم إدارة الفندق، وصادف وجود حديقة أطفال بجانبه تشرف عليها راهبات، فوقع الشاب الألماني بحب واحدة منهن، وعندما وجد الطريق مسدوداً لكون الراهبة نذرت نفسها لله قام بالانتحار».

كاد الفندق أن يفقد رونقه بعد الحرب العالمية الأولى، حيث انتقل والي "حلب" "جمال باشا السفاح"، وتمّ تعيين الوالي "عاطف بيك" بدلاً منه، حيث اضطهد الأخوين "مظلوميان"، وقرر نفيهما إلى "الموصل"، غير أن الأخوين حصلا بقدرة عجيبة على أمر مغاير بالنفي إلى "زحلة"، حيث حاول "عاطف بيك" الاستيلاء على الفندق، فقام "فاخر بك الجابري" بإظهار حجة بيع الفندق وقرار المحكمة باسمه، وبعد سنتين أعفي "عاطف بك" من منصبه، وعاد الأخوان "مظلوميان" إلى "حلب"، وقام "فاخر بك الجابري" بالتنازل عن الحجة والبيع؛ لأن الموضوع كان اتفاقاً للمحافظة على ملكية الفندق من بطش السلطة العثمانية.

الناشط الاجتماعي عبد الكريم بيبي

وقد وثّق المؤرخ والكاتب "سعد زغلول الكواكبي" فصلاً مهماً عن الفندق باعتباره ذاكرة "حلب" الغنية بالمواقف التاريخية، في كتابه "ذكريات من ماضي حلب"، حيث قال بإيجاز: «تم إنشاء فندق "بارون" المؤلف من طابقين يحتويان 31 غرفة نوم بين عامي 1906 و1911، ثم قام الأخوان "مظلوميان" برفع الطابق الثالث عام 1942، وهو مؤلف من 17 غرفة مع حمام في كل منها.

وبسبب دور الفندق الوطني، فقد أعادت الدولة السورية تسميته بشارع "بارون" عام 1946. وكان الشارع قبل خمسينيات القرن الماضي الشارع الأكثر نظافة وترتيباً وغنى وحركة سياحية وتجارية.

أقام في الفندق الكثير من أسر العائلات الحاكمة في أوروبا إضافةً إلى الباشاوات وتجار الحرير والأثرياء. وكان من نزلاء الفندق أيضاً قادة جيوش الألمان والأتراك في الحرب العالمية الأولى، وجنرالات الحلفاء البريطانيين والفرنسيين في الحرب العالمية الثانية، والعديد من المشاهير والمفكرين والقادة، وغنى في قاعاته كبار المغنين.

ألقى الملك "فيصل" خطاب الاستقلال عن الدولة العثمانية من شرفة الفندق، وقد أقام فيه الرئيس "جمال عبد الناصر" عندما زار "حلب"، وكذلك الرئيس "حافظ الأسد" عندما كان وزيراً للدفاع.

ومن الذين أقاموا فيه أيضاً "لورنس العرب"، و"أغاثا كريستي"، وزوجها عالم الآثار "ماكس فالوين"، ورائدا الفضاء "يوري غاغارين"، و"فالنتينا تلشكوفا"، والعديد من رؤساء وزعماء العالم».