الكتابة عنده حالة من الوحي التي تمليها عليه اليقظة النفسية، فأبدع بحروف كلماته التي حملت في طياتها هموم الواقع المعاش والوطن، لينشر عبر قصائده لغة الحب والسلام، إنه الشاعر "منذر الغباري".

والشعر هو فن لابد أن يحمل في طياته كلمات ذات مضمون عميق وهادف، والكلمة الحقة برأيه ستبقى هي الأساس الذي يبني الأديب أو الشاعر نفسه وقيمه، وطريقه للدخول في محافل التاريخ. هذا ما بدأ به الشاعر "منذر الغباري" كلامه لمدونة وطن "eSyria" عندما تواصلت معه بتاريخ 23 أيلول 2017، حيث قال عن تجربته الشعرية: «بدأت محاولاتي الأدبية بعمر مبكر من خلال بعض الخواطر التي كنت أخطها في حقول دفتري الخاص، ولم أكن أتوقع يوماً أن تصبح الكتابة شغفي وعشقي، وكانت ملهمتي قريتي "إبين" التي عشت فيها طفولتي، وهي الواقعة شمال مدينة "حلب"، ففيها أبصرت عيناي النور عام 1972، ودرست فيها مراحلي الدراسية لأنتقل بعدها إلى مدينة "حلب" لإتمام مشوار حياتي، وخلال هذه المرحلة بدأ انفتاحي على عالم الأدب والثقافة، وما زلت أتذكر كيف نظمت أول مقطع شعري موزون وأنا طالب في الأول الثانوي عندما درسنا علم العروض لأول مرة. أضف إلى أن المطالعة بالنسبة لي هي الهواية المثلى والقيمة الحقيقية للحياة، فقد أدركت من خلالها معنى الوجود، وكان لها دور كبير في تعلقي بالأدب، فقد كنت أقضي معظم وقتي بالمطالعات المتنوعة من كتب التاريخ والفلسفة والدين والأدب العربي والعالمي وكتب السياسة والاقتصاد، وقرأت للكثيرين من الكتاب العرب والعالميين، وتأثرت بالأدب الروسي بوجه عام من خلال رواده "أنطون تشيخوف"، و"تولستوي"، و"دوستويفسكي"، وغيرهم من الأدباء. أما بداياتي الحقيقية، فكانت مع بداية "الربيع العربي" الذي أطلقت عليه اسم "الخريف العربي الأجرد" الذي غزا أوطاننا، فهم أرادوا بلدنا من دون أزهار تعطر العقول الصاعدة بالعلم والثقافة، وكان لابد من الوقوف إلى جانب الجيل، وخصوصاً أن مجتمعاتنا تشهد الكثير من العادات والتقاليد البالية والسلبيات البائسة التي يجب علينا إلقاء الضوء عليها بهدف معالجتها، فهي مهمة كل إنسان واع للحياة، وكل حسب دوره في المجتمع».

من خلال متابعتي شاهدت أقلاماً كثيرة رائعة تستحق المتابعة والاهتمام من المؤسسات الثقافية والقراء، وأراها تسير في الاتجاه الصحيح بأدبها الموضوعي والإنساني العميق والهادف، وهناك أيضاً أقلام جيدة صاعدة ستكون لها قيمتها الحقيقية في الوقت المناسب، لكن بالمقابل هناك أقلام كثيرة جداً بلا حبر، وهابطة ومكررة، وبلا قيمة، ويعدّون أنفسهم أدباء وشعراء لمجرد طباعتهم مجموعة يطلقون عليها صفة "الشعرية"، فالشاعر أو الأديب لقبان ثقيلان في الميزان يجب ألا يستهان بهما في هذا الوسط الذي بات مريضاً بتكاثر الألقاب

وعن الأنواع الأدبية التي كتبها، قال: «الكتابة بالنسبة لي هي الحياة والخلود كما الوطن، فهي حديثي المقدس وكتابي المرتل، بها تتنفس روحي كما المطالعة والموسيقا التي أهواها وأعزفها في آلة "البزق" لأراهم معاً كتلة واحدة تسيطر على مشاعري وتكون لدي طاقة روحية خالصة هي مدخلي إلى عالم الجمال الحقيقي الذي أعيشه ما بين الروح وعوالمه، والجسد وحواسه، فالمفهوم وماهية الروح من الحواس المغلفة تكرسان حقيقة الإنسان، وتجعل النفس تدرك إنسانيتها. وفي الحقيقة، من خلال كتاباتي لم أعتمد نوعاً أدبياً واحداً، وإنما تنوعت أعمالي بأنواع الأدب وفنونه المتعددة ما بين القصائد الموزونة أو النثرية والقصة القصيرة والمقالة الأدبية وبعض الومضات التي حاولت أن أتطرق من خلالها إلى كل المواضيع التي أراها بحاجة إلى النبض لدى الإنسان، بأسلوب مختصر بعيد عن الحشو الفارغ لنخلق مجتمعاً واعياً لغته الحب والسلام، وننسج في الوطن أجمل الهدايا المطرزة بالقيم والأخلاق نقدمها للحياة النبيلة المرجوة».

الشاعر منذر الغباري

وعن رأيه في الأقلام الشابة التي تظهر على الساحة، أضاف: «من خلال متابعتي شاهدت أقلاماً كثيرة رائعة تستحق المتابعة والاهتمام من المؤسسات الثقافية والقراء، وأراها تسير في الاتجاه الصحيح بأدبها الموضوعي والإنساني العميق والهادف، وهناك أيضاً أقلام جيدة صاعدة ستكون لها قيمتها الحقيقية في الوقت المناسب، لكن بالمقابل هناك أقلام كثيرة جداً بلا حبر، وهابطة ومكررة، وبلا قيمة، ويعدّون أنفسهم أدباء وشعراء لمجرد طباعتهم مجموعة يطلقون عليها صفة "الشعرية"، فالشاعر أو الأديب لقبان ثقيلان في الميزان يجب ألا يستهان بهما في هذا الوسط الذي بات مريضاً بتكاثر الألقاب».

وأضاف عن مهمة النقد في هذا المجال: «النقد عالم جميل، وله أهمية كبيرة في الساحة الأدبية، فالأدب والنقد يمشيان جنباً إلى جنب، فهو بمنزلة التوأم بالنسبة للكتاب والشعراء، فلا بد لكل شاعر وكاتب من امتلاك الملكة النقدية، فالشاعر الحقيقي يجيد الدراسة والتحليل والمناقشة الأدبية والنقدية في أي نص إذا ما أراد الخوض في هذا الإطار، وكل ناقد هو كاتب وشاعر في الوقت نفسه، فهما عالمان متوحدان متكاملان، فوجود الإبداع الحقيقي لا يكتمل من دون وجود النقد ويبرز مستواه الحقيقي وجمالياته الخلاقة، ولكننا -يا للأسف- في الساحة الأدبية نرى مجاملات كثيرة من بعض الأساتذة النقاد، حيث يقيمون الجانب الإيجابي، ويهملون الجانب السلبي».

وعن دور الملتقيات الأدبية، أضاف: «للملتقيات الأدبية دور جميل في تفعيل الحراك الثقافي، لكنه بسيط جداً، وخصوصاً أن الإعلام غير مهتم ولا يكترث للشعراء والأدباء إلا في مناسبات معينة، مع أنني لا أهتم بالمشاركات الأدبية التي تقام في بعض المراكز الثقافية، ولا أعلم السبب الرئيس لعدم اكتراثي لهذا، ربما لأن مدينة "حلب" ليس فيها هذا التفاعل الجيد من قبل الدوائر الثقافية بسبب قلة الأدباء والشعراء بالنسبة لمدينة كبيرة كـ"حلب". أما بالنسبة للصفحات الأدبية الموجودة على صفحات التواصل الاجتماعي، فقد غلبت كل شاشات التلفزة وموجات الأثير، فقد أصبح لكل شاعر منبره الخاص به، حيث وجد طريقه في هذا العالم الافتراضي الذي أصبح واقعاً جميلاً تكرس فيه المعرفة على أرض الواقع».

الأدبية والناقدة "فاتن بابللي"، قالت عنه: «يعد الأديب "منذر الغباري" موسوعة من المعرفة، واسع الثقافة وعميق الرؤى، تنوعت كتاباته ما بين القصة والومضة والمقالة والشعر، وضمت في طياتها آلام الوطن وهموم الناس، وتعتمد مقالاته الأدبية على المنطق والعمق الفكري في طرح المشكلة ومناقشتها، وفي تناوله للقضايا الاجتماعية والتاريخية بأسلوب ينم عن غنى معرفي وثقافي، وله في الشعر أسلوب غني متنوع بين الشكل الكلاسيكي للشعر العمودي وشعر التفعيلة والقصيدة النثرية، والقصيدة لديه بالمجمل حالة إنسانية نفسية مكثفة، إضافة إلى جهوده المخلصة في تنشيط الحركة الأدبية والمشاركة بدراسات أدبية ناقدة للكثيرين من الأدباء السوريين والعرب من خلال نشاطات مجموعة "واحة الأدب السورية" التي ضمت بمساعيه أكبر الأسماء الأدبية المهمة».

يذكر أن للأديب "منذر الغباري" عدد من المنتجات الأدبية منها؛ مجموعة شعرية بعنوان "الجنار" ومجموعة قصصية بعنوان "لا تدعوني أموت".