ليست المصادفة التي مكّنت "سالي الأخرس" من ممارسة موهبتها في فنّ التصوير الضوئي، بل العين الضوئية الجميلة والعاشقة للتفاصيل الصغيرة والزوايا الصحيحة. وهي التي شقت طريق الاحتراف بجدارة مع أول فرصة أتيحت لها؛ لتلقّب بمصوّرة المشاهير.

«الكاميرا كانت دفتر ذكرياتي وما زالت، هناك أشياء ولحظات جميلة أتمنى أن أوثقها لكن الوقت والزمن لا يسعفني دائماً، فهي صديقتي التي رافقتني من الطفولة ومخزن ذكرياتي الذي أحن إليه من وقت إلى آخر، وما زلت أحتفظ بالصور حتى الآن». هكذا تحدثت "سالي الأخرس" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 تشرين الأول 2017، عن رحلتها التي بدأت بعمر التاسعة مع الفن الضوئي، وقالت: «بدأت أظهر اهتماماً بفن التقاط الصورة بعمر التاسعة؛ من خلال كاميرا ديجيتال صغيرة كنا نقتنيها في منزلنا، وكنت أوثق اللحظات التي تشعرني بالدفء والسعادة، وخاصة الرسائل العفوية التي كانت تظهر على وجه والدتي الذي يشبه وجه الأرض الجميل، فكنت أقترب منها لألتقط تلك الأخاديد الصغيرة والابتسامة الجميلة. أتذكر أن أول لقطة خارجية كانت لـ"قلعة حلب"، ولم أكن أتنفس حينئذٍ خوفاً من هروب رؤيتي الداخلية للصورة، وحين رأتها عمتي أعجبت بموهبتي، وقالت إنها تشبه (الكرت) السياحي الذي يعلق على أبواب القلعة، وشجعتني على دراسة هذا الفن».

فنانة مبدعة، لديها أفكار جديدة وخلاقة بمجال عملها، وتمتلك عيناً ضوئية فنية؛ وهو ما يجعلها تلتقط صوراً مميزة وجميلة

وأضافت: «التصوير لم يكن موهبة، وعليّ أن أنميها أو أطورها، بل كان الضوء الجميل الذي يسطع في داخلي ويشعرني بالسعادة، وعلى الرغم من أنها آلة ميكانيكية، إلا أنها تنفث بي الروح، وألجأ إليها في لحظات فرحي وحزني. والتقاطي الصور للكثير من اللحظات التي عشتها وأنا صغيرة يمكن أن يكون بدافع التسلية أو الهواية، حيث كانت تعني لي شيئاً صغيراً، وأصبحت الآن تعني لي الكثير. وهذا الإحساس لا ندركه إلا عندما تجبرنا قلوبنا على العودة إلى ذكريات الماضي.

الفنان وفيق حبيب بعدسة سالي الأخرس

أفضل اللقطات العفوية التي تخرج من القلب؛ لأنها تدخل القلب بسرعة، وأحب أيضاً الصور التي تحمل مضموناً عميقاً، والمشغولة بطريقة صحيحة، لأنها تكون موجهة كالسهم وبسرعة الضوء تصيب الهدف».

وعن سبب طريقة تحول الهواية إلى مهنة، قالت: «تعلمت الاهتمام بالتفاصيل والإحساس بمواضع الجمال وإخفاء العيوب وانتقاء الزوايا الصحيحة من الصغر، وتوجهت إلى دراسة فن الديكور الذي يحتاج إلى حسّ فني وروح متجددة، وبتغيرات يمكن أن تكون بسيطة تستطيع أن تعطي انطباعاً جميلاً للعين الناظرة، كما تعمقت في مجال التصوير، حيث بدأت دراسته وقراءة كل ما يتعلق بهذا المجال بدافع الهواية أولاً، وبسبب الرغبة بالتعلم ثانياً، وعملت في مجال التصوير الصحفي لأشبع رغبتي بالحياة، من مبدأ أن رائحة القهوة تغزو المكان فتشعرك بالسعادة وإن لم ترتشفها. كنت ألتقط صوراً للحجر، للمكان، للإنسان، لأي شيء أراه جميلاً؛ لأنه عندما تتكامل عناصر الصورة الصحيحة مع اللحظة المناسبة والطريقة الصحيحة، تتحول لحظة التقاط الصورة إلى ذكرى. إحدى المصادفات قادتني ليطلع الفنان القدير "أيمن رضا" وعدد من الفنانين المشهورين على صوري، فشجعوني بعد أن آمنوا بموهبتي وسمحوا لي بالتقاط عدد من الصور الشخصية لهم، وهنا كانت بداية مشواري المهني، حيث تحولت الهواية إلى مهنة، وكنت مدركة أن عليّ أن أقدم أفضل ما عندي، لأن المنافسة بين المصورين كبيرة، وخاصة بموضوع التقاط الصور للمشاهير، اللقطة المناسبة والجميلة لا تتكرر، لكن بحرفيتك تقتنصها، ويمكن أن تنتظر كثيراً لتلتقطها مرة أخرى، وعليك أن تثق بعينك الداخلية؛ فهي ملهمتك أولاً وأخيراً، وهذا لا يشعر به إلا من يتمتع بالموهبة.

الفنان عبد المنعم عمايري بعدسة الأخرس

ومن مميزات المصور الناجح التواضع وتقبل النقد الإيجابي والسلبي، وأن يطور إمكانياته الفنية والتقنية، ويطلع على أدق التفاصيل بهذا الفن، ولا بد أن يكون متيقظاً وخياله واسعاً، والممارسة الدائمة لها دور كبير بتطوير مهاراته، وليصل إلى مرحلة الإبداع، لا بد أن يحب عمله ويعطيه لينجو من حفرة التكرار».

وعن التحضيرات لجلسات التصوير، تضيف: «هي عمل يأخذ وقتاً وجهداً، بدءاً من اختيارك للفكرة إلى الأمور التقنية والفنية المتعلقة بهذا المجال، ولا بد من أن تكون متجدداً، وتعمل على خلق أفكار جديدة بوجه دائم حتى لا تقع في حفرة الملل. التعامل مع الفنانين يضعك أمام مسؤولية كبيرة، فهو وراء الستارة الجماهيرية شخص عادي يفضل التقاط الصورة الأقرب إلى شخصيته والبعيدة كل البعد عن الأدوار التي يمثّلها، والفنان يبحث عن الصور الدافئة والجميلة التي تدخل إلى قلب جمهوره بسرعة، وتبقى معلقة بالذهن لأطول مدة ممكنة، وهذه مهمة صعبة؛ فمن الصعب التقاط صورة بأقل من ثانية وبلمح البصر من دون الإحساس بالشخص الآخر؛ لأنها ستكون أقرب إلى صور الهوية الشخصية، ولا بد أن ينشأ تفاهم بين المصور والفنان لينجح العمل ويبقى في أذهان الناس أطول مدة ممكنة، وهذا يحتاج أيضاً إلى جهد وتحضير على الأقل خلال التعارف الأول، فهو بذل الكثير من الجهد ليصل إلى قلوب الناس، وعليك أن تحافظ عليه وتضعه ضمن الإطار الأقرب إليه، وعندما يكون الشعور متبادلاً، فإن اللقطة الجميلة ستوثق، والعمل سيحمل قيمة فنية كبيرة. وبطبعي أحب الألوان لأنها تعطي قيمة مضاعفة للفنان؛ فالفرح شيء يتلقفه الناس ويرغبون به بطيب خاطر حتى لو كانوا يشعرون بالحزن».

الفنان اللبناني بعدسة سالي

الفنان "وفيق حبيب" أعطى رأيه بالعين الضوئية للمصورة "سالي الأخرس"، قائلاً: «تحضر لعملها بأسلوب متقن، ولديها المقدرة على تحديد نقاط الضعف وتداركها، وإظهار نقاط الجمال، وتملك حسّ الاختلاف والتميز، وصورها لا تتشابه؛ ولهذا لقبت بمصورة المشاهير».

هنّأ الفنان "عبد المنعم عمايري" الفنانة الضوئية "الأخرس" لقدرتها على التقاط صورة فنية؛ إذ قال: «أصبح لي من العمر أكثر من 25 سنة بمجال الفن، ولم يقنعني أحد بأنه قادر على التقاط صورة فنية أكثر من "سالي الأخرس"، فهي موهوبة وتحب عملها ومتجددة، وتمتلك لمسات فنية جميلة تزين بها موهبتها، وعملها لا يشبه عمل أحد».

الفنانة "رهام عزيز"، قالت: «فنانة مبدعة، لديها أفكار جديدة وخلاقة بمجال عملها، وتمتلك عيناً ضوئية فنية؛ وهو ما يجعلها تلتقط صوراً مميزة وجميلة».

يذكر أن "سالي الأخرس" من مواليد مدينة "حلب" عام 1993، حاصلة على عدة شهادات مختلفة بمجال التصوير الضوئي، كما أنها حصلت على درع "مونتير" عن أحد الأعمال الصحفية التي قامت بتصويرها.