مهرجان "مساحات شرقية" ليس فقط فرصة لحضور الحفلات الموسيقية الحيّة فحسب، بل أيضاً ملتقى للحوار في "الموسيقا الشرقية" اجتمع به عدد من الخبراء والباحثين الموسيقيين في سورية وخارجها.

ولعل عنوان "الموسيقا الشرقية" وخصائصها كان محطَ نقاش طويل بدأهُ الأستاذ "فواز باقر" الباحث المختص في هندسة السُلَم الموسيقي الشرقي والذي أشار بدايةً إلى أن الخلط بين التراث والمعاصرة أو الموسيقا السلّميّة والمقاميّة «هو خلط مميت لأن الموسيقا في منطقتنا منذ قيامها يوجد فيها المقاميّة والسلمية، والغرب أيضاً لديه ذلك، الموسيقا السلمية يعني أن تتعامل مع الموسيقا كسلّم من سبع علامات والمقامية يعني أن تتعامل معها كمجموعة من الجُمل الموسيقية المتجانسة كمقامات "نهوند، وكورد، وبيات"، إذا قلنا إن الموسيقا الغربية سلمية والشرقية مقامية نضيّع على أنفسنا الكثير».

التسميات غالباً ما تكون لجلب الانتباه لقضية معينة لكن ليست هي القضية بحد ذاتها

ويضيف الأستاذ "باقر": «الموسيقا ليس لها أرض أو تسمية هناك الجيد والرديء فقط، والجملة اللحنية تتدفق بلا حواجز لكن عندما يفكر الملحن بالشرقي والغربي فإنه يضع عليها موانع، الموسيقا تتطور بطفراتها».

الأستاذ "فواز باقر"

وفيما يتعلق بالارتجال والتأليف قال: «لا يوجد موسيقا في العالم مرتجلة تماماً أو مكتوبة تماماً، وإذا أردنا أن نقول إن هناك موسيقا سورية فهي مجموع ما ينجزه الموسيقيون السوريون في أي مكان في العالم».

الباحث الموسيقي الأستاذ "نوري اسكندر" يرى أن الموسيقا العربية لها خصائص وميزات: «هي المسافات والأرباع في الموسيقية النغميّة تسمى بالكومات وهي واضحة بموسيقانا المحلية أكثر من الغربية»، ويضيف الأستاذ "اسكندر": «الموسيقا المُطلقة كلمة عامة قناعتي أن الموسيقا لها أجناس نظرية وعملية، مثلاً موسيقانا تتميز بالمقامات، كالبيات والصبا، قد تتقاسم مع موسيقا إيرانية وتركية لكنها تتميز عنهم، وأثناء العزف إيجاد لغة فيها حوارية تشبه لغة الناس في المنطقة».

الأستاذ "نوري اسكندر"

ويعتقد الأستاذ "اسكندر" أن الموسيقا المحلية لا تعني موسيقا الدولة الواحدة الجزئية: «لأن دائرة دول فلسطين، والأردن، وسورية، ولبنان مثلا تؤلف وحدة اجتماعية وثقافية وجغرافية وحضارية بالتالي ستؤدي إلى موسيقا متشابهة».

يضيف: «الفن ليس شيئا مُعلقا بل يوجد تحتهُ جذور وتراكم وهو لا يأتي من الفراغ، فالمؤِلف عندما يكتب عملاً موسيقياً، يقوم بإعادة اكتشاف أمور جديدة مما سَمعهُ أو تذوقهُ والزمان والناس كفيلة بتقييم القطعة».

الأستاذ "كنان العظمة"

عازف الكلارنيت والمؤلف الموسيقي "كنان العظمة" اتفق مع رأي الأستاذ "باقر" فيما يتعلق بالتسميات الشرقية أو الغربية فهو يرى أن ليس لها معنى «التسميات غالباً ما تكون لجلب الانتباه لقضية معينة لكن ليست هي القضية بحد ذاتها».

ويسأل: «هل لو عزفت الموسيقا التي أؤلفها بالصين أتحول لموسيقي غربي لمجرد أن سورية تقع غرب "الصين"؟».

لكنه يرى أن هناك خصائص مشتركة بكل موسيقا تأتي من إقليم معين.

ويضيف: «إذا كان جمهورنا السوري غير مُطلع على أعمال غربية بحتة فهذا لا يعني أنه لن يتواصل معها، ولا أعتقد أنه يجب أن نضع موسيقا مقامية حتى يتم هذا التواصل، إن تكرار الاستماع للأعمال المعقدة يعطيها قيمة حقيقة».

ويعتقد "العظمة" شروطاً ثلاثة يجب أن تتوافر في أي عمل موسيقي ليتم التواصل الحقيقي مع الجمهور هذه الشروط هي: «الصدق والفكر وأن يكون الموسيقي مؤمن بما يقدم».

وفيما يتعلق بالتأليف والارتجال قال: «هناك من يعتقد أن الارتجال والتأليف على طرفي نقيض، برأيي أن أفضل أنواع الارتجال هي التي تُبنى على أُسس تأليفية موسيقية وأحسن الأعمال الكلاسيكية ما يدخل للناس بعفوية حتى إنهم ينسون أن المؤلف بقي سنة كاملة في تأليفها».

عازف الكمان والمؤلف الموسيقي "مياس اليماني" يرى أن الفترة الزمنية التي تؤلف بها كل قطعة تحدد شيئاً من خصاصها: «مثلاً في فترة معينة من الزمن ببعض المدن السورية هناك ايقاعات ومقامات مشتركة أكثر من سواها بينما في الخمسين سنة الأخيرة بدأت تتغير هذه الإيقاعات والمقامات، لابد لنا جميعا أن نحترم التطور حتى لو كان هناك كَسر للمفاهيم، لأننا نحن أيضاً سنكسر المفاهيم لكن بطريقة آخرى تختلف عن طريقة أسلافنا في الموسيقا وبما أن كل مؤلف يأتي من بيئة مختلفة ولديه طريقة مختلفة في التفكير يؤدي ذلك إلى التنوع وهذا التنوع هو ما يقيم الحركة الموسيقية».

ويؤكد "اليماني" أنه حتى التجارب التي تعيش سنة واحدة أو أقل قد تؤثر وتفيد: «يجب أن نحترم أي تجربة قد يكون لها أثر»، وفيما يتعلق بعلاقة المؤلف بالمؤدي يقول: «المؤدي يُكمل القطعة من خلال أدائه الجيد ويشارك المؤلف بإخراج القطعة، هناك من يناصر فكرة أن المؤلف يشرف على تأدية القطعة بحذافيرها، أنا لست مع هذه المدرسة لكنها موجودة ويجب أن نحترمها».

عازف العود والمؤلف الموسيقي الأستاذ "قدري دلال" يرى أن للموسيقا السورية خصائص ويوضح قائلاً: «لكل فن خصوصية هذه الخصوصية بعد الدراسة تصبح خصائص، مثلاً البناء في سورية له خصوصيات تميزه عن سواه في بلدان أخرى ثم أصبحت هذه الخصوصيات صفات، وكذلك في الكثير من الفنون، اللغة العربية أيضا ككل اللغات لها خصائص أصبحت خصوصيات لغتنا تتميز بكونها فيها موسيقا، والحروف لها ذبذبات تشبه الذبذبات الموسيقية، ولها رتم وإيقاع، ثم حين تصبح أدباً وشعراً تُصبح لها إيقاعات أخرى هي العروض والتفعيلات لذلك لا نستطيع أن نقول إن موسيقانا ليس لها خصوصية».

الصحفي المختص بالموسيقا "أحمد بوبس" يقول إن الموسيقيين العالميين أوجدوا مصطلح "الموسيقا القومية" كمصطح بين الموسيقا المحلية والعالمية، «هناك موسيقيون لحنوا بالقوالب والنُظم الموسيقية المعروفة لكن بهويتهم الشخصية أضافوا إليها شيئا من روحهم وتراثهم، سُموا موسيقيين قوميين».

ويضيف: «الذين عملوا بالموسيقا الكلاسيكية حاولوا فرض تقاليد سماع هذه الموسيقا على الموسيقا العربية فيما يتعلق بمنع التصفيق مثلاً حتى نهاية القطعة، لكن عاداتنا في الاستماع تختلف عنهم نحن في المقاطع المُغناة نقول "الله" و"يا سلام"، والمطرب يطلب ذلك بداخله من الجمهور، حتى عندما يقسّم "سليم سروة" على القانون مثلا فإنه يطلب تفاعل الجمهور عند كل نقلة كي يشعر بقيمة ما يعزفه».