لعلها القبة الحجرية الحمراء الأشهر في دمشق، تتربع على قمة جبل "الجنك"، حيث اختلفت الأقوال حول سبب وجودها، فالبعض اعتبرها مرصداً فلكياً وآخرون ربطوا بينها وبين مثيلاتها المنتشرات في سفح قاسيون واللواتي خلدن ذكر بعض الأولياء الذين اختاروا دمشق سكناً لهم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25/11/2012 السيد "محمد الحبال" أحد سكان حي المهاجرين على سفح قاسيون والذي تحدث بالقول: «لا يمكن لأحد أن لا يعرف قبة السيار (وفي أضعف الأحوال لا بد له أن يكون شاهدها عشرات المرات على الأقل أثناء ارتياده لطريق قاسيون المتجه إلى الضواحي الشمالية الغربية لدمشق)، إنها القبة التي تتربع على قلوبنا قبل تربعها على أحد الجبال الملحقة بجبل قاسيون والذي يدعى جبل "الجنك".

يعتقد أن هذه القبة ترجع للقرن الثاني عشر أو الثالت عشر للميلاد، السادس أو السابع للهجرة دل على ذلك وجود بقايا لكتابات محفورة في داخل القبة وحول رقبتها

زرتها عشرات المرات، البعض يعتقد أن الوصول إليها صعب، بسبب موقعها الحساس، ولكنني وبعض أصدقائي تجرأنا قبل عشرة أعوام وصعدنا لزيارتها، ولم يعترض علينا أحد، وكان المظهر خلاباً ساحراً بل أكثر من ذلك، ولكن للأسف لم نستطع أن نصور المشهد من ذلك الجبل، ولم أعثر على صور من هذا الموقع لدمشق ولفيحائها».

مكان قبة السيار من دمشق

اختار المأمون قمة جبل "الجنك" لتكون أول مرصد فلكي عربي، وهنا يقول الباحث "عبد القادر ريحاوي": «كان للمراصد في عصر المأمون ومنها طبعاً مرصد جبل "الجنك" عدة سمات هامة لعل أهمها البرامج البحثية المحددة، كانت المهمة الكبرى لتلك المراصد الأولى إيجاد جداول فلكية مبنية على أرصاد حديثة للشمس والقمر فقط، ولكن فضلاً على كون البرامج المرسومة لها محدودة، فإنها كانت بدائية بعض الشيء من حيث الإدارة والتنظيم المالي، والواقع أن طبيعة العمل المحددة التي أنيطت بمرصدي المأمون في الشماسية وقاسيون قد جعلتهما لا يرقيان إلى مستويات المراصد المتكاملة التي عرفها العالم الإسلامي فيما بعد».

تقع "قبة السيار" على قمة جبل الجنك وهو الجزء الغربي من قاسيون المشرفة على خانق الربوة من الجنوب الى الشمال والى الخلف منها امتداد قاسيون؛ وإلى الشرق من هذه القبة يظن وجود بقايا لـ"دير مران القديم" الذي يعلو بستان الدواسة (*).

اختلف المؤرخون حول بناء قبة السيار فمنهم من ينسبها الى الأمير (سيار الشجاعي) نائب دمشق في العهد المملوكي رغم أن طرازها العمراني أيوبي، وهنا يقول المؤرخ "قتيبة الشهابي": «يعتقد أن هذه القبة ترجع للقرن الثاني عشر أو الثالت عشر للميلاد، السادس أو السابع للهجرة دل على ذلك وجود بقايا لكتابات محفورة في داخل القبة وحول رقبتها» (**).

ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأنها (قبة المرصد) التي نسبها ابن عساكر الى الخليفة العباسي (المأمون) الذي صير القبة موقداً يوقد في الليل كمنارة لعساكره؛ ولكن لا يوجد دليل علمي يدعم ما ذكر.

قبة السيار

وهناك حكايات شاعت في العهد المملوكي بأن القبة هي نقطة اجتماع اثنان من أهل الخطوة هما "سيار وبشار" كانا يتعبدان فيها، وعليه بنيت لهما قبتان هما قبة السيار فوق قاسيون وقبة بشار على "جبل المعازة" غربي المزة.

تطل قبة السيار على مدينة دمشق وغوطتها وعلى قاسيون الجبل وفي العمق البعيد جبل الشيخ، وهي مكان محبب قصدها كثير من الدمشقيين والسياح فضولاً أو للاستمتاع بمنظر دمشق الخلاب، ومع فتح شبكة الطرق الحديثة مر بالقرب منها الطريق الواصل بين حي المهاجرين وضاحية مشروع دمر؛ فأصبحت قريبة في متناول من يريد مشاهدتها وزيارتها عن قرب.

(*): ذكره مؤرخو دمشق كابن عساكر.

(**): المرجع: أحمد الأيبش، قتيبة شهابي، معالم دمشق التاريخية، منشورات وزارة الثقافة،1996، ص 434.