هام بها الشعراء وتغزل بجمالها المشاهير، فهي بنظرهم قلادة الزمرد الخضراء في عنق الشرق، فثمة أسطورة شعبية تقول: إن "الغوطة" كانت في الجنة، فطلب آدم إلى ربه أن ينزلها معه إلى الأرض.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 أيلول 2014، أستاذ اللغة العربية "محمد الحمود"، الذي قال: «ذكرت "غوطة دمشق" في كثير من الكتب والدراسات التاريخية، وتغزل بها الشعراء وتغنى بها المشاهير، فهي لوحة رسمت في ذهن من زارها وسمع عنها، لم تطأ قدم أحد من الكتاب أو الشعراء ترابها وغادرها دون أن يقول فيها شعراً أو يذكر محاسنها في كتاب، اشتهرت هذه المنطقة بالتربة الخصبة والهواء المعتدل، والسماء الصافية، فقد تغنّت "فيروز" من شعر "سعيد عقل"، فقالت:

من متنزهات الغوطة "السهم" وهو بأرض "الصالحية"، وقال البدري: هو درب ما بين دور وقصور وفاكهة وزهور ومياه تجري بهدير كالبحور، وفيه يقول "القيراطي": "دمشق بواديها رياض نواضر... بها ينجلي عن قلب ناظرها الهم على نفسه فليبك من ضاع عمره... وليس له فيها نصيب ولا سهم"

"ويحهُ ذاتَ تلاقينا على سُندس الغوطة والدنيا غروبُ... قال لي أشياءَ لا أعرفها كالعصافير تُنائي وتـؤوبُ"».

الباحث محمد كرد علي

ويقول "محمد كرد علي" في كتابه "غوطة دمشق": «اشتق اسم "الغوطة" من الغائط، ومعنى الغائط المطمئن من الأرض، وقال ابن الأعرابي: "الغوطة" مجمع النبات وورد اسم "الغوطة" بلفظ التثنية في الشعر القديم والحديث، قال "أبو المطاع بن حمدان":‏

"سقى الله أرض الغوطتين وأهلها‏... فلي بجنوب الغوطتين شجون‏"

الخضار في الغوطة

وممن ثنى الغوطة "أبو نواس":‏

يأممن أرض الغوطتين كأنما... لها عند أهل الغوطتين نذور‏

وثناها "ابن عنين" بقوله:

ولاحت قصور الغوطتين كأنها... سفائن في بحر يعب عبابه

وقال "ابن منير":

"سقاها وروى من النيربين... إلى الغيضتين وحمورية

إلى بيت لهيا إلى برزة... دلاح مكفكفة الأوعية".

ويضيف "كرد علي" بالقول: «ويظهر أن القدماء كانوا يقصدون بالغوطتين، الغوطة الغربية، والغوطة الشرقية، وقال بعضهم: الغوطتان الشمالية والجنوبية أو القبلية، وقيل إنه كان يطلق على الغوطة اسم "البريص"، وقد ورد في شعر "حسان بن ثابت" يمدح بني غسان بقول:

"لله در عصابة نادمتهم... يوماً "بجلق" في الزمان الأول

يسقون من ورد البريص عليهم... بردى يصفق بالرحيق السلسل"‏.

وقال "ياقوت الحموي": وهذا يدل على أن "البريص" اسم "الغوطة" بأجمعها ألا تراه نسب الأنهار إلى البريص. وقال: يسقون ماء "بردى" وهو نهر "دمشق" من ورد البريص.‏

ويروى أن أمير المؤمنين "المأمون" أقسم يوماً -وقد نظر إلى أشجار الغوطة ونباتها- أنها خير مغنىً على وجه الأرض وقال: "عجبت لمن يسكن غيرها، كيف ينعم هذا المنظر الأنيق الذي لم يخلق مثله».

ويبين الشاعر "محمد المضحي" بالقول: «في "الغوطة" عدة متنزهات، وكلها متشابهة كأنها متنزه واحد، هام بها الشعراء على اختلاف القرون وحنوا إليها حنو الحبيب على حبيبه، وتفرد صاحب "نزهة المشتاق" بذكر وادي البنفسج، قال: إنه من باب "دمشق" الغربي وطوله اثنا عشر ميلاً، وعرضه ثلاثة أميال، وكله مغروس بأجناس الثمار وتسقيه خمسة أنهار، ومن منتزهاتها "سطرا" و"مقرى"، وفيهما يقول "عبد الرحمن ابن خطيب داريا" وقد أحسن التورية:

"خليلي إن وافيتما الشام بكرة... وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا

قفا واقرأا عني كتاباً كتبته... بدمعي لكم مقرى ولا تنسيا سطرا".

ويؤخذ من بيت لـ"توفيق النحوي" أنه يخرج إليها من باب الفراديس:

"سقى الحيا أربعا تحيا النفوس بها... ما بين مقرا إلى باب الفراديس".

وقال ابن الساعاتي في "جوبر":

"يا حبذا نفحات جوبر بكرة... ما هن إلا المسك والكافور

والزهر منظوم على دوحاته... وعلى بساط رياضه منثور

ماهب ممدود الهواء لنا به... إلا ليزداد الهوى المقصور"».

ويتابع: «من متنزهات الغوطة "السهم" وهو بأرض "الصالحية"، وقال البدري: هو درب ما بين دور وقصور وفاكهة وزهور ومياه تجري بهدير كالبحور، وفيه يقول "القيراطي":

"دمشق بواديها رياض نواضر... بها ينجلي عن قلب ناظرها الهم

على نفسه فليبك من ضاع عمره... وليس له فيها نصيب ولا سهم"».

ويضيف: «لم يغب ذكر الأنهار التي تمر بالغوطة والمشتقة من بردى، والتي تعبر متنزهات للدمشقيين وبعض "الغوطيين" النازلين في جوارها، ولطالما تغزل الشعراء بها، ومنها ما قاله "ابن الخياط" في نهر ثورى:

"جرى النهر من شوق إلى حامل الثرى... وأجريت دمعاً شاقه المنزل القفر

فلو كنت يوم البين شاهد عبرتي... وعبرته لم تدر أيهما النهر

فيا نهر ثورى قد أثرت من الهوى... دفيناً أجنته الجوانح والصدر

فلو كان لي صبر كففت مدامعي... ولكن من يشتاق ليس له صبر"».