تعدّ حارة "الصوفانية" من الحارات القديمة في منطقة "القصاع"، اشتهرت بحديقتها الغناء وبمحافظة سكانها على صبغتها الشعبية لها عبر مرور الأيام، ولمعرفة المزيد عن هذه الحارة الدمشقية القديمة كان لمدونة وطن "eSyria" زيارة بتاريخ 20 شباط 2015، لقاء مع عدد من الأشخاص في المنطقة، إذ كان اللقاء الأول مع أحد أبناء المنطقة "هشام هولا" وهو صانع أحذية؛ يقول: «أنا موجود في هذه الحارة من العام 1996، وما أعرفه أن تسمية "الصوفانية" هي محرفة عن "الصفوانية"؛ وهي قرية قديمة كانت في هذا الموقع وتعود لـ"عبد الله بن صفوان" في العهد الأموي، وتنقسم إلى ثلاث صوفانيات؛ الأولى وفيها المطحنة تمتد إلى جانب جامع "الثقفي"، الثانية فيها حالياً مدرسة "إيليا أبو ماضي"، الثالثة فيها سوق ومحال ولا سيما للأطعمة والمعجنات التي تشتهر بها "الصوفانية"، كما نلاحظ وجود بيت من الطراز المملوكي يعود لعائلة "لطفي" المهاجرة خارج "سورية"، البناء العمراني في هذه المنطقة لم يتبدل؛ لكن حدث تجديد بالحديقة فقط، تتميز المنطقة بعلاقاتها الاجتماعية بين جميع سكانها وهم من كل الأديان والطوائف كانوا ومازالوا يتشاركون بكافة الأعياد والمناسبات كـ"عيد الميلاد، رأس السنة، عيد الصليب"».

بدوره "أحمد نبيل" المشرف على مطحنة الصوفانية قال: «وجدت هذه المطحنة منذ أكثر من مئة عام، وتعود ملكيتها لأكثر من عائلة منها: "مردم بك، طحان، الجرداوي، كحالة"، كان الناس يأتون من كل مناطق الشام لطحن البرغل و"الفريكة"، حيث المطحنة كانت تعمل على ماء النهر الذي يجاورها، لكنها توقفت منذ ثلاثين عاماً، ولا يوجد من بقاياها شيءٌ الآن، ما يميز "الصوفانية" هي العلاقات الاجتماعية المتينة بين ناسها، إضافة إلى التعاون ومساعدة بعضهم بعضاً».

وجدت هذه المطحنة منذ أكثر من مئة عام، وتعود ملكيتها لأكثر من عائلة منها: "مردم بك، طحان، الجرداوي، كحالة"، كان الناس يأتون من كل مناطق الشام لطحن البرغل و"الفريكة"، حيث المطحنة كانت تعمل على ماء النهر الذي يجاورها، لكنها توقفت منذ ثلاثين عاماً، ولا يوجد من بقاياها شيءٌ الآن، ما يميز "الصوفانية" هي العلاقات الاجتماعية المتينة بين ناسها، إضافة إلى التعاون ومساعدة بعضهم بعضاً

"عبد العزيز قطان" صاحب محل لبيع القهوة قال: «أنا موجود في هذه المنطقة منذ الخمسينيات، أملك محلاً لبيع القهوة، وما أذكره عن "الصوفانية" الناس الطيبين الذين جمعهم الحب والتعاون والتآلف والتآخي، أيضاً لباس الناس كان مميزاً؛ فهو عبارة عن سروال وقمباز وطربوش أحمر مع اللفة باللون الذهبي، وما أذكره وجود "الترومواي" الذي كان آخر خط له عند جامع "الثقفي" حالياً في "باب توما"، وكان خطه إلى "العمارة، وبرج الروس، والزرابيلة، ثم المرجة" وبالعكس، وإلى جانب "الترومواي" كانت العربات التي يجرها الحنتور، وكان من الأشخاص المشهورين في المنطقة "أبو حسن الصوص" الذي كان يقدم الثلج المبشور في "زبدية" موضوعة بصحن ويضيف إليها "الليمونادة" وعشر حبات من اللوز وحبتين من الفستق الحلبي، استمر هذا الأمر حتى الستينيات، بينما كان شخص آخر يدعى "أبو رضا" يبيع كل "13" بيضة بليرة سورية واحدة، أما في عيد الفصح فكان يسلق البيض ويلونه ويكسره بأسنانه قبل أن يقدمه هدايا للناس في العيد».

عبد العزيز قطان

"دافيد مصريان" خياط، قال: «أنا من قاطني "الصوفانية" من ستين عاماً، وتحمل ذاكرتي عنها صوراً جميلة ولا سيما حديقة "الصوفانية" التي كانت تقام فيها الحفلات الفنية بمشاركة كبار الفنانين العرب؛ فـ"محمد عبد الوهاب" أحيا حفلتين فيها، إضافة إلى أنه كان يوجد "نادي العائلات" الذي كان يقام فيه حفلات شارك الفنان الراحل "وديع الصافي" بها؛ لكنه هدم والآن شيدت مكانه مدرسة "إيليا أبو ماضي"، وما أذكره أن مياه نهر بردى التي تمر من جانب الحديقة كانت ذات منسوب مرتفع، وكنا نسبح في النهر ونتمتع بجمال الطبيعة الغنية بالأشجار ولا سيما شجر الكينا، إضافة إلى وجود طائر البط الذي كان يطوف على ماء النهر، ما أود التأكيد عليه أن "الصوفانية" حارة شعبية كانت ومازالت محافظة على هذه الصفة رغم ارتيادها من قبل سكان جدد، ومن العائلات القديمة التي قطنتها: "سطانم، الزين، بيتنجانة، نصور"».

الباحث "محمد زهير ناجي" قال: «إلى الجهة الشمالية من سور "باب السلام" يوجد حي "الفرايين" و"مسجد الأقصاب"، ويمتد نهر بردى متسعاً لينحدر عند الشرق وعلى طرفيه الأشجار ليمتد أكثر من كيلو متر شمالي مقام "الشيخ رسلان"، في هذا المكان حوالي العام 1900 لم يكن العمران قد تقدم خارج السور ويعرف حالياً بحي "القصاع"؛ حيث أهل المنطقة الشمالية الشرقية من "دمشق القديمة" يخرجون من "باب توما وباب السلام" للنزهة في القسم الشرقي من المدينة القديمة التي يوجد فيها نهر بردى وفروعه، وهنا توجد محلة "الصوفانية" وأنا أعرفها جيداً، هي منتزه واسع من الأرض تحفه الأشجار من كل الجهات لم يقتصر على النزهات بحديقته، بل كان مكاناً للقاءات والاجتماعات الشعبية ونزهات الطلاب ولا سيما طلاب مكتب "عنبر"، ويقال إنهم قاموا عام 1908 بتمثيل عدة مسرحيات في تلك الحديقة، إضافة إلى زيارتنا نحن طلاب دار المعلمين في العام 1950 إلى الحديقة التي كنا ندخلها من الزواريب التي تمتد إليها من "باب توما"، ومع مرور الزمن دخل العمران لهذه المنطقة وتوسعت الحديقة وتم تجديدها وهي الآن مكاناً لقضاء الراحة والنزهات أيضاً، وما يميز هذا المكان أنه يقع بالقرب من مقام "الشيخ رسلان"، كما يوجد فيه بيت لعائلة "نصور" تمت فيه أعجوبة للسيدة "العذراء" على السيدة "ماري خرسا نصور"؛ يرتاده الكثيرون من داخل "سورية" وخارجها للتبرك، لذلك يمكننا القول إن "الصوفانية" جمعت بين الطبيعة الجميلة من أنهار وأشجار وأماكن دينية».

أحمد نبيل
منزل من الطراز المملوكي