يتوسط مدينة "دمشق"؛ ويحاذي سورها القديم، أنشئ في خمسينيات القرن الماضي ليكون أول سوق يتخصص بصناعة الحديد وإتقان العمل، إضافة إلى رخص السعر؛ وهو ما جعله مقصداً لأهالي "دمشق" والمحافظات الأخرى.

مدونة وطن "eSyria" تجولت في السوق بتاريخ 20 شباط 2016، حيث التقينا الحرفي "محمد صابر الدبس" أقدم حرفي مازال يمارس مهنة الحدادة منذ 68 عام؛ ليحدثنا عن بداية السوق والتغيرات التي طرأت عليه قائلاً: «أنا من مواليد "دمشق" 1938، ومنذ أن أكملت الثامنة من العمر، ذهبت إلى منطقة "عين ترما" لتعلم مهنة الحدادة، وبعد إتقانها أردت ممارستها هنا، لكن حتى أربعينيات القرن الماضي لم يكن هناك أي وجود لما يسمى سوق الحدادين؛ حيث كانت مهنة الحدادة تتم في سوق "النحاسين" الذي يعود إلى أكثر من مئتي عام».

أنا من مواليد "دمشق" 1938، ومنذ أن أكملت الثامنة من العمر، ذهبت إلى منطقة "عين ترما" لتعلم مهنة الحدادة، وبعد إتقانها أردت ممارستها هنا، لكن حتى أربعينيات القرن الماضي لم يكن هناك أي وجود لما يسمى سوق الحدادين؛ حيث كانت مهنة الحدادة تتم في سوق "النحاسين" الذي يعود إلى أكثر من مئتي عام

لبداية تكوّن السوق والتغيرات التي طرأت عليه حكاية تابع "الدبس" سردها قائلاً: «يعود تاريخ السوق إلى أكثر من ثمانين عاماً؛ حيث كان عبارة عن "خان" تملكه سيدة من بيت "العظم"، تتم به صناعة ونشر الحجر الذي يستخدم في بناء أقواس و"بحرات" البيوت الدمشقية القديمة، وكانت سكة "الترين" تمر بمحاذاته؛ وهو ما سهَّل وصول البضاعة؛ التي كانت تنقل على "الطنابر" والعربات؛ الوسيلة الوحيدة لإدخالها إلى السوق؛ حيث لم يكن هناك متسع لمرور السيارات بين أزقته الضيقة، وفي بداية خمسينيات القرن الماضي قام أحد التجار بهدم الخان وبناء بيوت طابقية، حيث كنت من الحرفيين الأوائل الذين فتحوا محلاً للعمل بمهنة الحدادة.

محمد صابر الدبس أقدم حرفي في السوق

كانت البداية بصناعة (درابزين الفيرندات) وأبواب الحديد، وكان العمل بمجمله يدوياً إلى أن دخلت الكهرباء مجال عملنا، فبدأتُ صناعة المدافئ التي ماتزال إلى اليوم تمثل الصناعة الأهم إلى جانب صناعة "الخزانات" و(قاظانات) الحمام».

ويضيف: «ما يميز السوق توسطه مدينة "دمشق" ومحاذاته لسورها القديم؛ كما يشرف على قلعتها من جهة الشمال، ويتصل مع "سوق الهال" من جهة الغرب، أما من جهة الجنوب فيشكل "سوق النحاسين" ممراً يوصله بكل من سوقي "المناخلية" و"الحميدية"، ويعد السوق الوحيد في مدينة "دمشق" الذي يتفرد بصناعة الحديد بكل أشكاله، حيث يصل عدد المحال إلى أكثر من مئة وخمسين محلاً؛ معظمها عبارة عن ورشات صغيرة تتم بها صناعة وتصليح بعض القطع الحديدية البسيطة، أما الصناعات الثقيلة فتتم خارج السوق في المدن الصناعية الكبرى كمدينة "عدرا" الصناعية».

منصور الحسين

يقصد السوق فئة محددة من الزبائن، وهم من ذوي الدخل المحدود؛ كما أكد "الدبس"، وأضاف: «زبائننا من أصحاب الدخل المحدود الذين يقصدون السوق إما بقصد الشراء أو التصليح، كما أن القطع المنتجة هنا تتصف بجودة عالية لكون معظم العاملين توارثوا المهنة من آبائهم؛ وهو ما أكسبهم تقنية وحرفية عالية، أسعارنا رخيصة إذا ما قارناها بأسعار المحال خارج السوق، ويتم البيع بالجملة والمفرق حيث يقصدنا أصحاب المحال والورشات خصوصاً من المنطقة الساحلية».

الموظف في القطاع العام "منصور الحسين" يقصد السوق باستمرار، حيث أوضح سبب وجوده في السوق بالقول: «أنا من سكان حي "برزة" وهي بعيدة نوعاً ما عن هنا، لكنني منذ أن بدأت تجهيز منزلي قصدت السوق للحصول على ما يلزمني من خزان، وحديد النوافذ، و"قاظان" الحمام، ومنذ ذلك الحين وأنا أشتري ما يلزمني منه؛ فأسعاره مقبولة إذا ما قورنت بالأسعار في الأسواق الأخرى، إضافة إلى الجودة العالية بالقطعة التي تعمر في المنزل، وفي بداية فصل الشتاء أقصد السوق لشراء المدفأة ومستلزماتها، إضافة إلى لحام وتصليح بعض القطع المنزلية».

الحرفي هاشم قنبر

"هاشم قنبر" صاحب محل حدادة يقول: «ورثت المحل من والدي منذ أربعين عاماً؛ حيث كان من الأوائل الذين عملوا بصناعة المدافئ، التي أكملت عملي بها، لكن بسبب التحول إلى (الشوفاجات ودفايات الكهرباء) قلَّ طلبها، فتحولت إلى صناعة الخزانات التي تعد الآن أهم صناعة إلى جانب لوازم المطاعم من وطاولات وكراسٍ، وبعض الأعمال التي تتعلق بالديكور ومظلات القرميد».

ويتابع: «كما هو معروف في ظل الأزمات يخف العمل في بعض المهن كما حصل في معظم الأسواق؛ لكن الوضع هنا مختلف، وأستطيع القول إن الطلب زاد كثيراً من قبل الراغبين بالعمل الذين اضطرتهم الظروف الراهنة لترك ورشاتهم؛ وخصوصاً ممن كانوا في الريف أو المحافظات التي تعاني من الأحداث الجارية، أو من المواطنين الذين يقصدوننا بغرض التصليح لعدم قدرتهم المادية على الشراء، كما تمكنا من فتح أبواب التصدير خصوصاً إلى "لبنان"؛ حيث نصدر لهم "التوربينات" الصناعية ولوازم المطاعم».

وعن العلاقة التي تسود بين تجار الحي تحدث "صباح الساعاتي" التاجر بمجال اللحام قائلاً: «أملك محلاً للحدادة منذ خمسين عاماً؛ حيث ورثته من والدي كمعظم أصحاب المحال الذين تجمعنا علاقة مودة وتعاون بإنجاز أعمالنا، فأنا أملك ملحمة يستطيع جاري أن يلحم ما يريد عندي، وبدوري أقوم بلف بعض القطع عند الآخر، كما أن أصحاب المحال يصممون على تناول وجبة الإفطار معاً قبل البدء بالعمل، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، كما نتشارك في الخروج بسيارين بين الحين والآخر للتخفيف من ضغط العمل».