أهمّ ما يميّز "شارع البدوي" مقام "السيد البديوي" الذي سميّ المكان باسمه، حيث ما زالت الزيارات و"الحضرات" تقام به، وتشعل الشموع عند النوافذ في منظر بديع، يعطي زوار المكان الأمان، لكن للشارع قصصه وحكاياته من أيام العثمانيين إلى الآن.

يقول "أحمد الدباغ" القيّم على خدمة مقام "السيد البديوي": «إضافة إلى مقام "البدوي"، وُجد مقامان؛ مقام الشيخ "مسعود"، ومقام العالم "الفارابي". ومسجدا "النجارين"، و"الجرن الأسود"، الذي كان يقع في منطقة "البساتين"، حيث وضع جرن عند باب كل بستان، توضع فيه صدقات من خيراته المختلفة».

إضافة إلى مقام "البدوي"، وُجد مقامان؛ مقام الشيخ "مسعود"، ومقام العالم "الفارابي". ومسجدا "النجارين"، و"الجرن الأسود"، الذي كان يقع في منطقة "البساتين"، حيث وضع جرن عند باب كل بستان، توضع فيه صدقات من خيراته المختلفة

ويتابع: «كانت عادة وضع الأجران معروفة، حيث امتدت البساتين على طول الطرف اليميني للشارع قبل توسع الترب، التي سميت بالبرية لاتساعها، وبعدها عن وسط المدينة القديمة، وقديماً اتصل شارع "البدوي" بمحيط "دمشق" خارج السور، حيث البرية الخضراء؛ وهو ما أعطى الحيّ جمالية معينة.

خريطة الموقع

يمتد شارع "البدوي" من تقاطع "باب الجابية" و"الباب الصغير" خارج "دمشق القديمة" و"السويقة" إلى منطقة "الشاغور البراني"، وقد ذكر في يوميات المؤرخ "ابن كنان الصالحي" أنه سمي شارع "البدوي" نسبة إلى مقام الشيخ "البدوي" الذي يقع في منتصفه، ويعود وجود الشارع إلى الفترة الأيوبية، حيث ذكر وجود مكان الجرن الأسود.

وتأتي أهميته من اتصاله المباشر بالسوق المحيط به والغوطة، وقربه من الأفق الاقتصادي الذي يعرفه مزارعو "ريف دمشق"؛ وهو ما فعّل دور الوحدات الاقتصادية الصغيرة التي أدارت فيما بعد حركة اقتصادية متبادلة بين "دمشق" وريفها في رحلات شبه يومية».

مسجد من الحي

وقد جاء في كتاب "معجم دمشق التاريخي" «أن السوق عرف قديماً بتعدّد خاناته التي كانت مقصداً للتجار والأغراب الذين يبيتون فيها لإنهاء أعمالهم، والتي حوت طبقاتها السفلى إسطبلات للخيل، مازال بعضها موجوداً إلى يومنا هذا، ومن أهمها: "خان الطويل"، وخان "أبو حمو الشنواني" الذي يقع آخر الشارع، و"خان زغلولة".

وكانت لبيوت هذا الحي الجميلة فسحات سماوية تصل إليها من خلال دهاليز صغيرة لترى أشجار الليمون والنارنج وعريشة العنب والياسمين الأبيض الشامي، ومن أجمل بيوت الحي بيت "أبو أمين الحنبلي"، حيث يمر النهر عبره، ثم يعود بالخروج إلى البيوت المجاورة التي تطلّ على الشارع الرئيس مباشرة بأبواب خشبية جميلة تليها أقواس حجرية مزينة.

كما اشتهر الحي بغزارة مياهه ووجود قنوات مياه تمرّ ضمن قنوات داخل الجدران لتغذية البيوت، ونظراً إلى كثرة قنوات المياه، كان قسم منها يمر بغرف الأقبية، التي عرفت بالبراد نظراً إلى برودتها.

مع توسع "دمشق" بدأ شارع "البديوي" الانكماش، وخاصة بعد توسع المقابر التي تحيط به من جهتين، لكن ذلك لم يؤثر في فعاليته، بل بات التعامل فيه منصباً على واردات الأسواق الملاصقة له».

مدونة وطن "eSyria" كانت هناك بتاريخ 16 أيلول 2016، والتقت أحد قاطنيه وأبنائه "محمد توفيق درويش" الذي اصطحبنا بجولة داخل المكان، حيث شوهد عند المدخل الرئيس للحي جامع "العجمي" بمئذنته الجميلة، وهي تحفة فنية مثيرة للاهتمام، ومقابر "آل مردم بيك"، حيث تقبع تحت القبة الملكة "بلقيس"، وابنها "يحيى". وبالنظر إلى أول السوق تطل بقايا "خان الطويل" الذي لم يبق منه اليوم إلا لوحته التي تدل على وجوده قديماً. وقال: «عمل أجدادي منذ القدم في هذا المكان الذي كان يتميز بحركة تجارية واسعة وسريعة لوجود مصانع صغيرة لـ"سك المعادن، النجارة، والصباغة"، وفيما بعد اهتم بعضهم بالحفر على الأحجار أو تقطيعها لتستخدم في البيوت التي كانت أغلبها أملاكاً يهودية، حيث اشتهر المكان بوجود الطائفة اليهودية التي ساهمت في نشوء الحركة الفنية في "سورية"، حيث ارتاد هذا المكان مع المكان المجاور "زقاق البغرل" عدد لا بأس به من الفنانين الذي اشتهروا فيما بعد».

أما "راتب الشنواني" أحد سكان الحي ومن أعيانه المعروفين يقول: «وجد مقهى عند المنعطف ينتظر به من يود الاستمتاع بالمشاهدة أو المغامرة. وقد ساعد على إتقان هذه الحرفة وجود زقاق مجاور وهو زقاق "الزط"، حيث عرف سكانه بسمرة البشرة، وحبهم للرقص والعزف، واستغنائهم عن كل ما هو تقليدي، وقد اتخذوا حرفة الرقص كمورد للرزق، ورد ذكرهم في رسالة "كشف اللثام عن أحوال دمشق الشام"، لتعرف هذه الجالية باسم "الكرفاني"، وهي عبارة عثمانية معناها "دار الضيافة". كذلك اشتهر الحي بوجود مدرسة الحاجة "وهيبة" و"خجا" لتعليم الأولاد القراءة وبعض الحرف».

ويضيف: «في هذه البيئة وجدت عدة نقاط أمنية لحفظ الأمن، لكون منطقة "البدوي" معبراً لدخول الثوار في فترة الاحتلال الفرنسي، تنتشر على السطوح بعض القناصة، لقنص المناوئين، وما زال عدد من السكان يذكر "أبو فهد" الملقب "بيكو الطراد"، الذي قنصه أحد الجنود السنغال وقتئذ».

اليوم تعددت الحرف في شارع "البدوي" انتقالاً من التجارة إلى قطع الرخام والصناعة النحاسية والنراجيل وصناعة النشاء، والأهم صناعة خزائن المؤونة الخشبية التي اشتهر المكان منذ القدم بصناعتها (النمالي)، إضافة إلى أسرّة الأطفال الهزازة التي تعلق في السقوف، حيث يورد "عدنان جبريل" مختار "الشاغور" قائلاً: «فيه قهوة "النجارين"، وجامع "النجارين"، وفرن "النجارين" أيضاً، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على اتساع مهنة النجارة في الحي، مع انتشار صناعة أقراص "الزبل" كوقود للحمام أو وقود للطبخ في البيوت.

كذلك خدّم الحي بوجود مستشفى فرنسي صغير، ومواقف لنقل الوافدين والمغادرين، فيما بعد».