من المنطق أن نعدّ مهمة وضع مناهج تدريسية لإعداد أجيال من الطلاب مهمة صعبة، بل إنها من المهام الصعبة إلى حدّ الخطورة، ومن البديهي أن يكون القائمون على مثل تلك المهمات على قدر كبير من المسؤولية والكفاءة لاتخاذ قرارات على مستوى شعب بأكمله، ومن الطبيعي أيضأً أن تكون التجربة الأولى لمثل هذه المهمة تحمل بعض الهفوات والأخطاء، وتظهر السلبيات عند التطبيق الأول لهذه المناهج في مدارسنا. بالمقابل من الواجب على كل مواطن يشعر بمواطنته ومسؤوليته تجاه مجتمعه أن يشير إلى الخطأ ويساهم في إزالته، ويرى المناهج الجديدة الموجودة بين أيدي أبناء وطنه بعين الناقد والمصلح، ويطرح وجهة نظره الهادفة إلى الفعل الإيجابي بغية المشاركة في تصحيح الأخطاء في المستقبل، لكن من المفترض ألا يعدّ كل شخص أن من حقه أن ينتقد المناهج الجديدة طالما أن الجميع يوجهون أصابع الاتهام إلى القائمين عليها، من دون أن يكلف خاطره حتى بالاطلاع والتأكد بنفسه من تلك الاتهامات.

كل ما سبق ذكره منطقي وطبيعي ووراد، إلا أنه من غير الوارد ألا يجد المواطن إلا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رأيه في هذا الموضوع الشديد الحساسية لما له من أهمية على صعيد وطن بأكمله، لأن من حق أي مواطن أن يجد قناة بينه وبين مفاصل دولته للتعبير عن رأيه في قضايا مجتمعه، وخاصة التي تلامسه مباشرة، إلا أننا لم نجد أي قناة.

فكان الـ"الفيسبوك" السبيل الوحيد أمام أغلبية الشعب السوري الذي انهال قصفاً عشوائياً على المناهج الجديدة لتعليم المراحل الابتدائية في "سورية" والقائمين عليها، من دون رقيب أو حسيب، ولا ننكر أبداً أن هذا القصف أصاب في أماكن وأخطأ في أخرى، وبالعموم أحدث ضجة أثرت بأصحاب القرار.

وهنا يخطر في بالي سؤال: لماذا لم تُطرح قضية المناهج الجديدة رسمياً من قبل وزارة التربية للاستفتاء على مضمونها من قبل أبناء الشعب أو الاختصاصيين في مجال التربية والتعليم على أقل تقدير، وذلك من خلال رابط على موقع الوزارة لا يكلف القائمين عليها أكثر من وقت قليل من بعض الموظفين الذين لا عمل لديهم أساساً، لماذا لم تتم هذه المبادرة كي يشعر المواطن بأهمية رأيه، فلا يطرحه جزافاً أو يسرقه من غيره ممن سبقه إلى صفحات التواصل الاجتماعي الاجتماعي، أو يتبنى رأياً معيناً لمجرد أنه سمعه في مكان عام مصادفةً أو عمداً.

تجاوب وزارة التربية مع الملاحظات الجدية التي تم تداولها حول المناهج الجديدة خطوة جيدة وإن أتت متأخرة، إلا أن من يشتم ويطالب بمقاضاة القائمين على المناهج الجديدة، يبدو أنه هدفه ليس الإصلاح، وإنما غايته جمع "اللايكات" والتحليق في زوبعة "الفيسبوك" التي لا تكاد تعلو قليلاً حتى تبدأ أخرى بالتحرك، وكأن هذا الموقع الأزرق لا يحيا إلا بالزوابع الإلكترونية.