شغف منذ طفولته بالفن وسعى إلى التعمق به أكاديمياً من أجل ترك بصمة تشكيلية تعبر عنه، يميل إلى التعبير عن طريق الرمز. اللوحة واقع استثنائي، وبرأيه تكون أجمل عندما تحمل معاني مهما كانت بسيطة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع التشكيلي "إلياس أيوب" في مكان إقامته في "روسيا" بتاريخ 11 تشرين الثاني 2017، فتحدث: «عشت طفولتي في حي شعبي، لم يكن لدي طموح في مجال الفن، لكن بعض النواحي الفنية أثارت اهتمامي فيما بعد، كالشعر الشعبي الزجلي وبحور الشعر العربي، دخلت كلية الفنون الجميلة، وهنا كانت البدايات الحقيقية للفن، أكثر ما كان يشدني للرسم بطفولتي هو التفاصيل المتموجة في الأشكال المرسومة، التي تأخذ في النهاية هيئة وجه أو أيقونة، قمت برسم صورة السيد المسيح الموجودة على أحد جدران منزل جدتي بقلم الرصاص ذات صيف كنت فيه كالعادة مع الوالدة وإخوتي في مدينة "زحلة" مسقط رأس أمي، يومها حصلت على بعض الثناء من الأقارب؛ إنه الشعور بلذة الإطراء على ما تفعله».

أكاديمياً أتابع الدكتوراه في معهد "سوريكوف" التابع للأكاديمية الروسية في "موسكو"، وأحضر لبعض النشاطات في "روسيا" وخارجها، ومنها معرض فردي عام 2018

ويتابع: «الشعور أمام اللوحة البيضاء يحتمل وجوهاً متعددة، أحياناً تتراءى بعض الصور أثناء مراحل التأسيس، وأحياناً تتكون الأشكال خلال طبقات العمل، لكن القماشة البيضاء تظل مجالاً واسعاً رحباً على الرغم من بساطته، فهو غير قابل للاحتلال بالكامل، لكن النتيجة أن كل هذا يبقى ذكرى بعد نهاية العمل الفني، وقلما أفكر باللوحة نفسها وأنظر إلى اللون الأبيض، اللوحة بالنسبة لي واقع استثنائي تعيش فيه وقائع أصغر، وتكون أجمل حين تحمل معاني ولو بسيطة. تأثرت أعمالي كثيراً برمزيات الحرب الجارية في "سورية"؛ فأنا أميل إلى التعبير عن طريق الرمز، أؤمن جداً بأن العمل الفني يحكي لغة خاصة، وأنه كلما ازداد عمر الفنان، كان تعبيره الفني أبلغ، وازدادت حكمته فيما يقدم من صور. أجد نفسي دائماً في حالة بحث مستمر عن نفسي وعما هو معبر في العالم الخارجي، وعوالم اللوحة ثنائية وحتى ثلاثية الأبعاد على الرغم من عدم انخراطي العميق في العمل الفراغي بسبب انشغالي بما يتراءى من نتائج ثنائية البعد. تأثرت بالكثيرين من الفنانين سواء عن قصد أو بغير قصد، فكنت أضع "غوستاف كليمت" مثلاً في إحدى المراحل كهدف ومعلم للبحث عن تفاصيل ملونة لكن بروح شرقية، وأحياناً "ماتيس"، والآن "شاغال بيكاسو". أما على صعيد الفن العربي، فهناك أسماء كبيرة وعديدة أعجب بها وأحترمها».

عودة الروح إلى المكان

وأضاف: «بمنظوري الخاص لا أعرف متى تنتهي اللوحة؛ فقد تنتهي مرات عديدة، نغمض أعيننا أنا واللوحة معاً، ونستيقظ معاً على حوارات جديدة بعد مدة قد تصل إلى بضعة أشهر أحياناً، وهذه العملية تقريباً تمنهج عملي في السنوات الخمس الأخيرة، أحياناً نتحاور بصرياً فقط، وأحياناً باستعمال الألوان أو العجائن والغراء، الورق المقصوص والمواد الأخرى هو فعلاً حوار. لوحتي تشبهني، أميز في خلدي دائماً بين لمسة الفرشاة النابعة عن إحساس باللحظة، وبين أخرى تأتي لتكملة الرؤية التي أفترضها كما يميز الشاعر بين مفرداته ويميل باللفظ والتعبير إلى مجموعة مفردات أكثر من غيرها، وهنا نأتي على ما أسميه الدافع الفني، فأنا لا أحب أن أكون أنانياً في التعبير عن حالاتي النفسية والشعورية فقط، إنما أشعر بمسؤوليتي تجاه ما يدور حولي، وما يحتاج إليه المجتمع، وما كان وما يجب أن يكون؛ لهذا أستخدم عقلي في صياغة المشهد المتمثل على قماشة الرسم، إضافة إلى العواطف التي لا تنفصل عن حياتي كأي شخص طبيعي. عمر الفنان مهم؛ لأنه يمثل باختصار شديد عامل الزمن، والتراكم الموجه يأتي بنتائج صادقة، أستطيع القول إن لدي مجموعة من الأعمال التي أستمر بتنفيذها في الوقت الحالي، وهي الأهم بالنسبة لي؛ لأنني لا أقيمها على الصعيد الشكلاني فحسب، بل على الصعيد المعنوي أيضاً. وقد بدأت بعد عام تقريباً من بداية الحرب على "سورية"، لا أطمح إلى لوحة محددة، وإنما لدي رغبة قوية بالعمل على قياس كبير، لكن ليست لدي القدرة في الوقت الراهن على الصعيد المادي».

ويضيف عن مشاركاته: «الفن للشعب، ولا يمكن أن يبقى أسير الورشات والمراسم، بل عليه أن يخرج إلى الناس، وأحترم كل مشاركة مهما صغرت، فمثلاً يمكن أن يزور المعرض شخص واحد غير متوقع ويحقق الهدف المرجو، ويمكن أن يتأثر الكثيرون بما يشاهدونه والأمثلة كثيرة. مشاركاتي عديدة بمعارض فردية ومشتركة، وأعدّ التكريم مهماً جداً للفنان في جميع مراحل حياته، وهو دافع للاستمرار بعطائه».

جيل جديد

ويختتم بالقول: «أكاديمياً أتابع الدكتوراه في معهد "سوريكوف" التابع للأكاديمية الروسية في "موسكو"، وأحضر لبعض النشاطات في "روسيا" وخارجها، ومنها معرض فردي عام 2018».

عنه قال التشكيلي "نزار صابور": «يمتاز بمعرفة عميقة للتجارب السورية، أضاف إلى عمله شاعرية لونية خاصة ما زالت تملك حيزاً كبيراً من الحرية بتنقلها بين التشخيص والتجريد، فيه رؤية اجتماعية وموقف من الحياة التي يعيشها، أظن أن دراسته في "روسيا" فتحت أمامه مناهل لا تنتهي من المعرفة والخبرات والتجارب، هو إضافة إلى التجربة السورية التي أفتخر بها، وأنتظر نضجها لتأخذ موقعاً مرموقاً في الفن السوري المعاصر».

وأضاف التشكيلي "عهد رجوب": «هو من طلابي الموهوبين، وأنا حالياً أشرف على متابعة دراسته العليا، فنان واعد نشيط في الفن والبحث عن كل ما هو جديد، أعماله ذات طابع تجريبي جاد وواضح، يريد من خلال إنتاجه الفني أن يصل إلى قيم جمالية خاصة به، وهي -كما أظن- ستكون بداية الخصوصية الفنية له».

يذكر أن التشكيلي "إلياس أيوب" من مواليد "دمشق" عام 1986.