احتل الشعر العمودي مقدمة الأجناس الأدبية التي كتبتها، فبموهبتها الفنية ومتابعتها المستمرة للأدب، ومواكبتها للحداثة، تمكنت الشاعرة "خلود قدورة" من امتلاك لغة شعرية متميزة، من خلال إتقانها للسجالات الارتجالية التي ميزتها عن غيرها.

«الشعر هو من اختارني وألبسني عباءته، وأنا عشقته وقررت أن أدافع عنه وأتمسك به حتى الرمق الأخير، والقصيدة هي الابنة الشرعية للقلب، فلكل قصيدة قصة ومكان وتاريخ ميلاد»، هذا ما بدأت به الشاعرة "خلود قدورة" حديثها لمدونة وطن "eSyria"عندما تواصلت معها بتاريخ 22 كانون الأول 2017، لتحدثنا عن مسيرتها الأدبية، وتقول: «في الحقيقة كانت أولى محاولاتي الأدبية في سن العاشرة، حيث كتبت نصاً في إحدى المناسبات الوطنية، وكنت حريصة فيه على استخدام قافية موحدة، وقد كانت محاولتي الأولى لافتة لنظر والدي الذي أبدى إعجابه، إضافة إلى دور أمي في خلق جو من الألفة بيني وبين الكتاب، فقد جعلت منه رفيقي منذ صغري، وذلك بالاطلاع على مكتبة والدي الغنية بالكثير من الكتب السياسية والدينية والقانون والقليل من كتب الأدب التي كانت هدفي واختياري، وعلى الرغم من إيمان أهلي بموهبتي، إلا أن تشجيعهم لي اقتصر على القراءة واصطحابي إلى المكتبات باستمرار لاختيار الكتب الأدبية المناسبة. أما بالنسبة للكتابة، فكان التشجيع الأكبر من أساتذتي الذين أبدوا إعجابهم بمحاولاتي خلال مراحلي الدراسية، فتطورت كتاباتي من المحاولات الطفولية للخواطر بعمر 13 سنة، إلى كتابة النثر التي بدأت بها بعمر 17 سنة، وتابعت كتابة النثر لمدة 13 سنة، إضافة إلى أنني اتجهت إلى العمل الصحفي، وبدأت كتابة المقالات والتحقيقات الصحفية، لكن الشعر العمودي كان يشغل كل تفكيري ويأخذ الحيّز الأكبر من اهتمامي على الرغم من قراءتي للرواية والنثر وقصيدة التفعيلة، ومهما حاولت الخروج، أجد نفسي أكتب نصاً موزوناً على قواعد "أبي الخليل الفراهيدي"، لكن في البداية لم أكن على درايةٍ بعلم العروض، وخصوصاً أن دراستي الجامعية هي الترجمة الإنكليزية، فقررت أن أبدأ مشواري في هذا العلم على الرغم من أن الأمر كان صعباً للغاية، فلم أجد من يعلمني، وكان اعتمادي على شبكة الإنترنت لتعلم قواعد العروض، فقد كان بالنسبة لي تحدياً للذات لا بد منه، وبالإصرار والجهد استطعت تحقيق هدفي، ثم احتضنني ملتقى "شاعر العرب الإلكتروني" ومؤسسة الدكتور "محمد بايزيد" للأدب الذي لم يدخر جهداً في توجيهي، إضافة إلى إتقاني للسجالات الارتجالية التي ساهمت جداً بتدريبي على الإمساك بناصية الوزن والتمكن من العروض، كما أن الدكتور "محمد" وضعني دوماً بموضع المسؤولية تجاه الملتقى، وشعوري بالمسؤولية كان دافعاً مهماً للتطور، فمن خلال متابعتي المستمرة لما ينشر في الملتقى من كتابات شعراء وأدباء من مختلف أنحاء الوطن العربي، أغنى تجربتي وطورها، وخصوصاً أن الملتقى يختص بالشعر العمودي، وبرأيي التخصص جميل ويعطي صاحبه هوية وبصمة متميزة، أضف إلى أنني من محبي الأدب الصوفي والأندلسي، وتأثرت كثيراً بـ"ابن الفارض" و"الحلاج"».

الشعر هو من اختارني وألبسني عباءته، وأنا عشقته وقررت أن أدافع عنه وأتمسك به حتى الرمق الأخير، والقصيدة هي الابنة الشرعية للقلب، فلكل قصيدة قصة ومكان وتاريخ ميلاد

وأضافت: «صحيح أن القراءة هي الثروة اللغوية التي تغني رصيد الكاتب من المفردات، ويصبح أكثر قدرة على السبك، لكن برأيي هذا لا يكفي؛ فإعادة تدوير الصور القديمة لا يعدّ إبداعاً بحتاً، إنما يكمن الإبداع في الابتكار والخلق، وهذا يعتمد على مدى سعة مخيلة الشاعر، من خلال مواكبته للحداثة التي لا تتناقض مع الأصالة، فلا بد من الابتكار ضمن قوالب الشعر الأصيل من دون الخروج عنها أو محاولة إلغائها، فالإرث الأدبي القديم من المفردات التي يجدها بعضهم آيلة إلى الانقراض هو مسؤولية تقع على عاتقنا لنظهرها ونحافظ عليها ضمن حداثتنا المبتكرة، فنباهي بلغتنا ورصانتها، ولا نطمسها كما يفعل بعض "دعاة الحداثة"».

الشاعرة خلود قدورة

وتابعت: «النقد هو حالة صحية لا غنى عنها إذا اتسمت بالموضوعية المطلقة والشمولية، لكن -يا للأسف- أجد هذا نادراً في أوساطنا الأدبية، فالنقد يرتبط أغلب الأحيان بحسابات أخرى، كالعلاقات الشخصية والمصالح، وإن كان موضوعياً، فهو لا يكون شمولياً، لكون أغلب النقاد يتجهون لنقد بناء القصيدة من ناحية واحدة دون الباقي، بينما النقد الصحيح يعتمد دراسة التركيبة المتكاملة للنص (العروض، واللغة، والسبك)، فكتاب النقد لا بد أن يكونوا من المختصين أكاديمياً، فالرأي غير الأكاديمي ليس مقياساً لمدى شاعرية النص أو كاتبه، أضف إلى أن لكل قصيدة رسالة، فالشاعر يخدم زمانه، وعليه أن يكون بعيداً عن المبالغة والإفراط في الرمزية المقترنة بالإحساس، فمن حق القارئ أن يعي ويشعر بما يقرأ، ومن خلال كتاباتي تناولت في كثير من القصائد حالات حب في زمن الحرب، والشوق إلى الوطن، والغربة، ومنها:

"أنا للقدس أنسابي تعود ولي في الشام عشقٌ لا يحيدُ

أثناء تكريمها

من الأمويّ للأقصى صلاتي

في إحدى أمسياتها الشعرية

جراح الكون يا وطني حدودُ"».

وأكملت حديثها: «الملتقيات الأدبية إن كانت ملتزمة، فهي تفيد الشاعر وتخلق حالة من التآلف بين الشعراء وحراكاً ثقافياً وأدبياً كفيلاً بقيادة مسيرة الأدب، وتساهم بتعريف المجتمعات بنتاج الكاتب باعتبارها منابر إعلامية تساهم بنشر أعمال وكتابات الأدباء، وأنا رئيس مجلس إدارة ملتقى "شاعر العرب" الذي يضم عدداً كبيراً من الشعراء من كافة أنحاء الوطن العربي، فقد أقام سلسلة من المهرجانات في العديد من العواصم العربية كـ"دمشق" بمهرجان "الشآم تجمعنا"، الذي أقيم عام 2017، ومهرجان "بغداد تجمعنا"، وغيرهما».

مؤسس ملتقى "شاعر العرب" الشاعر الدكتور "محمد بايزيد" حدثنا عنها قائلاً: «الشاعرة "خلود قدورة" تمتلك كل مقومات الشاعر الحقيقي، فهي متمكنة من أدوات الشعر، وتتقن علم العروض والقافية، ومتمكنة لغوياً، والأهم من ذلك لديها موهبة شعرية مميزة وقدرة على الارتجال، وخلال مدة قصيرة نالت مركزاً مهماً في أحد أبرز منتديات الشعر؛ وهو ملتقى "شاعر العرب"، وأصبحت رئيس مجلس إدارته، إضافة إلى أنها بعيدة نوعاً ما عن التكرار؛ وهذه صفة نادرة؛ إذ قلما نجد شاعراً لا يكرر ألفاظه، فلديها مخزون لفظي جيد يدل على مطالعة وثقافة غنية، وتستخدم بأشعارها أسلوباً إيحائياً جميلاً».

يذكر أن الشاعرة "خلود قدورة" ولدت في "الكويت" عام 1987، ومقيمة في "دمشق".