في حديث له شجون، بين لهجة رصينة وكلمات منتقاة لصرح من صروح العلم والثقافة العميقة، امتشق صهوة المعرفة وأمضى سنوات طويلة في خدمة العلوم الإنسانية؛ إذ يُعدّ الخبير الأول في العالم بالجغرافية السورية أرضاً وسكاناً.

إنه الأكاديمي الأستاذ الدكتور "عادل عبد السلام لاش"، ينبوع المعرفة الذي لا ينضب، الحائز على دكتوراه في العلوم الجغرافية الطبيعية من كلية الرياضيات والعلوم الطبيعية في جامعة "برلين" الحرة. مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 10 كانون الثاني 2018، فحدثنا عن بدايته ورحلته العلمية، وقال: «أعود بأصولي إلى قرية "عسال الورد" في جبال "القلمون"، وأنا من أبناء قرية "مرج السلطان" الشركسية السورية، نلت ليسانس في الآداب، اختصاص جغرافية من جامعة "دمشق"، وكذلك دبلوم في التربية "أهلية التعليم الثانوي" من الجامعة نفسها، وبعدها حصلت على درجة الماجستير في علوم الخرائط، ودرجة الدكتوراه في العلوم الجغرافية الطبيعية من جامعة "برلين" الحرة. بدأت طريقي في مهنة التعليم ما قبل الجامعي في "سورية"، وأيضاً عملت مساعداً علمياً في جامعة "برلين"، ومشرفاً علمياً في بعثة جامعة "برلين" الحرة في "الصحراء الأفريقية الكبرى" وجبال "تيبستي"، ثم تم تعييني مدرّساً، فأستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً بجامعة "دمشق" في قسم الجغرافية، وتابعت عملي فيها، إضافة إلى جامعة "تشرين" بين عامي 1965-2001، وبعد إحالتي إلى التقاعد، تم إعادة تعييني مجدداً للعمل في جامعة "دمشق" كخبرة نادرة؛ إذ تم تمديد تعييني فيها، وما زالت حتى يومنا هذا».

منذ عام 1965 أعمل في جامعة "دمشق"، وعضو دائم في أكاديمية العلوم العالمية الشركسية في روسيا منذ عام 1995، وقد قمت بالتدريس والعمل الإداري والبحث العلمي في عدد من الجامعات ومعاهد البحوث العلمية العربية والألمانية واليابانية، ولثلاث مرات على التوالي كنت وكيلاً للشؤون العلمية لكلية الآداب في جامعة "دمشق"، ورئيساً لقسم الصحافة، وكذلك رئيساً لقسم الجغرافية فيها، أتقن عدة لغات أولها العربية؛ فهي عروبتي، والألمانية والإنكليزية والشركسية بلهجتيها، وألمّ إلماماً بسيطاً باللغات التركية والروسية والفرنسية واليابانية واللغة التوباوية "لهجة جبال تيبستي التشادية"

عن مهامه قال: «منذ عام 1965 أعمل في جامعة "دمشق"، وعضو دائم في أكاديمية العلوم العالمية الشركسية في روسيا منذ عام 1995، وقد قمت بالتدريس والعمل الإداري والبحث العلمي في عدد من الجامعات ومعاهد البحوث العلمية العربية والألمانية واليابانية، ولثلاث مرات على التوالي كنت وكيلاً للشؤون العلمية لكلية الآداب في جامعة "دمشق"، ورئيساً لقسم الصحافة، وكذلك رئيساً لقسم الجغرافية فيها، أتقن عدة لغات أولها العربية؛ فهي عروبتي، والألمانية والإنكليزية والشركسية بلهجتيها، وألمّ إلماماً بسيطاً باللغات التركية والروسية والفرنسية واليابانية واللغة التوباوية "لهجة جبال تيبستي التشادية"».

تكريم نادي الجيل الجديد الأردني في مفكرته السنوية لعام 2017

أما عن أهم أبحاثه، فقال: «لدي 32 كتاباً و10 "أمليات" جامعية ولغوية باللغات العربية والشركسية والألمانية والإنكليزية والروسية. أما بحوثي ودراساتي ومقالاتي، فتزيد على 288 بحثاً حتى سنة 2018، إضافة إلى عشرات المحاضرات والمقالات والتحليلات الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية الصحفية، والندوات والمقابلات في وسائل الإعلام العربية والشركسية والأجنبية؛ فهناك أكثر من 150 مقالة علمية واجتماعية ولغوية وتاريخية، ويغلب على أعمالي العلمية الموضوعات الجغرافية والجيو- سياسية واللغوية والمائية والقضايا العربية والشركسية وغيرها، كما لي صلة وثيقة بـ"الجولان"، وتعدّ بحوثي عنه وثائق ميدانية مهمة جداً؛ لأنني كنت آخر من قام بدراسة "الجولان" وقراه كلها وأنهيتها قبل احتلاله بشهرين، كذلك لي نشاط موسوعي واسع جداً؛ إذ ساهمت في وضع الموسوعة الفلسطينية محرراً لباب الأرض، والموسوعة العربية رئيساً لقسم العلوم الإنسانية في "دمشق"، وقد كان لي حضور في مؤتمرات وندوات وورشات عمل علمية سورية وعربية وعالمية حول المسائل المائية والجيوبوليتيكية، كان آخرها "المؤتمر العالمي" حول الاستقرار في الشرق الأوسط في "اسطنبول" سنة 2006، والندوة الدولية عن تاريخ "الجولان" وآثاره في "دمشق" سنة 2008، والمؤتمر الدولي الأول للغة الشركسية في "عمان" سنة 2008».

عن أعماله أضاف د."عادل": «قضيت سنوات طويلة في الترحال بين شرق الأرض ومغربها؛ إذ جُبت أنحاء "سورية" من سواحلها إلى باديتها، وأغلب مؤلفاتي عنها، كما عملت في معظم دول "الخليج العربي" والعديد من بلدان "أوروبا وآسيا وأفريقيا"، وجزيرة "أيسلندا"، و"غرينلاند"، و"الصحراء الأفريقية الكبرى"، وصحراء "الربع الخالي"، وصحراء "لوط" في "إيران"، وكذلك في جبال "الألب والقفقاس"، وجبال "الحجاز وعُمان والإمارات العربية"، وبراكين "اليابان" وريفها، ولدي اهتمام ملموس بالتاريخ القديم وما قبل التاريخ خاصة، وكنت عضواً في البعثة السورية اليابانية التي اكتشفت الهيكل العظمي لإنسان "نياندرتال" المشهورعالمياً بـ"طفل الديدرية" من العصر الحجري القديم في منطقة "عفرين" في "سورية". أما عن اهتمامي في علوم الخرائط، فقد نُشرت خرائطي المتعددة باللغات العربية والألمانية والإنكليزية، وأهمها خرائطي في "أطلس توبنغن" TAVO للشرق الأوسط، وخريطة "القفقاس" الشمالي والجمهوريات الإسلامية فيه، وآخر أعمالي الخرائطية كانت "أطلس الأنوار للوطن العربي" في "دمشق" عام 2005، و"أطلس سورية الطبيعية" الذي لم يُنشر بعد.

د."عادل" في "تل الحزيقة" في "العدنانية" في "الجولان" قبل احتلاله

من هواياتي الرسم بالألوان المائية، ولدي عدة لوحات. أما عن نشاطاتي، فهي واسعة ومتنوعة في التاريخ الشركسي، وأول عمل علمي مطبوع لي هو دراستي الميدانية لـ"المرج في حوضة دمشق وقرية مرج السلطان الشركسية" كأطروحة تخرجي سنة 1955. ومن أعمالي "قاموس إنكليزي شركسي عربي" طُبع في "طوكيو" سنة 1985، خاص للطلبة اليابانيين الذين قمت بتدريسهم اللغة الشركسية في جامعة "طوكيو" للدراسات الأجنبية، وهناك العشرات من الأبحاث والمقالات والمحاضرات عن الشركس والقفقاس وقضاياهم، بلغات مختلفة. وساهمت بتميّز في مجال الملاحم الشركسية "النارتية"، وقمت بتأليف ووضع القاموس الشركسي العربي الذي صدر في "دمشق" سنة 2001، تلاه عمل شركسي جغرافي "معجم المصطلحات الجغرافية الشركسية الروسية" الصادر في مـدينة "ميه قوابه" جمهورية "الأديغية" سنة 2003، وأحدث إنجازاتي اللغوية هو "القاموس العربي الشركسي"، الذي يضم قرابة 29000 كلمة، أصدرته الأكاديمية الدولية للثقافة الشركسية في المملكة الأردنية الهاشمية "عمان" سنة 2013، كما لي حتى مطلع 2018 قرابة 170 بحثاً ومقالة على صفحتي وصفحة المكتبة الشركسية للتواصل الاجتماعي في موضوعات متنوعة جداً».

الباحث "عدنان قبرطاي" يقول: «الدكتور "عادل" عالم من علماء هذا العصر، نذر حياته كلها لخدمة العلم والمعرفة، طاف الآفاق باحثاً عن بذور العلم، هو الرجل المتواضع صاحب الابتسامة التي تُشعرك بالشوق لمجالسته والنهل من علمه الغزير، إنه النهر المتدفق علماً، الذي يحمل بين طياته كنوز المعرفة ويقدمها للأرض العطشى كي تعطي ثمراً جنياً، قدم للبشرية أبحاثاً متعددة في جوانب مختلفة، هو سفير العلم ورحالة العصر، وكيف لا يكون كذلك وقد أمضى سنوات طويلة يجوب البلاد باحثاً عن كل جديد، مقلباً في طبقات الأرض ليخرج منها كل كنز دفين، إنه المعين الذي لا ينضب عن العطاء على الرغم من تقدمه في السن، إلا أنه باقٍ في جنبات هذه الأرض رمزاً شامخاً».

أحد أبحاثه

الجدير بالذكر، أن الدكتور "عادل عبد السلام لاش" من مواليد عام 1933، وأقدم أعضاء الجمعية الخيرية الشركسية الأحياء في "سورية" التي انتسب إليها سنة 1948، وعمل أمين سرّ لها، ثم رئيساً لها ما بين 1982-1984.