يجيد الشاعر والإعلامي "عيسى الضاهر" لعبة دغدغة المشاعر، حيث يختار كلماته بعد دراسة عميقة ليجتاز المعتاد ويصوغ قصيدة مغناة تحاكي وجدان الناس وتقترب منه.

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 20 أيار 2018 في مكتبه بمبنى الإذاعة والتلفزيون، وعن عمله في الإذاعة السورية الذي امتد ما يقارب ربع قرن، بدأ حديثه قائلاً: «أستطيع أن أقسم عملي في الإذاعة إلى أكثر من مرحلة، بداية عملت في الاستماع السياسي، ثم انتقلت إلى قسم الأخبار في إذاعة صوت الشعب، إلى جانب مهمة رئيس الفقرة الإخبارية فيها، كما توليت فيها رئيس دائرة البرامج؛ وذلك من عام 2006 حتى إغلاقها في عام 2017.

استضفت في هذا البرنامج العديد من الشخصيات السورية العريقة، الأدبية منها والفنية، كما فتحنا الباب أمام جميع المواهب وكل شخص صاحب مشروع يرتقي بالثقافة السورية

كانت مرحلة جميلة، اشتغلنا فيها البرامج السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، لكن كان العطاء الفني هو الطاغي، وتبلورت هذه التجربة أكثر خلال الحرب الكونية على "سورية"، ومن هنا بدأت مرحلة الأغنية، إضافة إلى التحليل السياسي على القنوات العربية، حيث سجلت في الإذاعة ما يقارب ثلاث وثمانين أغنية وطنية وعاطفية منوعة، فضلاً عن عرضين مسرحيين، الأول بعنوان: "بلاد الشمس" في دار "الأسد للثقافة والفنون"، يتحدث عن الحضارة السورية العريقة، والثاني عنوانه: "انترادوس"، وعرض ضمن مهرجان "طرطوس" السياحي؛ وهو حكاية "طرطوس وأرواد وأورنينا"، بمعنى يجسد هذه الحضارات التي مرت على ساحلنا السوري».

الضاهر في مكتبه

برنامج "يسعد مساكي سورية" كان من البرامج المميزة التي بثتها إذاعة "صوت الشعب" أعدّه "الضاهر"، واستمر خمسة أعوام متتالية، يحدثنا عنه قائلاً: «استضفت في هذا البرنامج العديد من الشخصيات السورية العريقة، الأدبية منها والفنية، كما فتحنا الباب أمام جميع المواهب وكل شخص صاحب مشروع يرتقي بالثقافة السورية».

كتب "الضاهر" عشرات القصائد المغنّاة، وتم أداؤها من قبل أهم الأصوات السورية، لكنه يرى أن الأغنية السوية لها معاناتها وآلامها اليوم، قائلاً: «الأغنية السورية تعيش آلاماً كبيرة، وذلك لشح الدعم المادي، وغياب شركات الإنتاج التي تدعمها، وتقدم للشارع العربي الأغنية السورية الأصيلة، ولم تبقَ هناك مهرجانات تهتم بالأغنية السورية، ولا سيما مهرجان الأغنية السورية، هذه الأشياء أدت إلى تشويه الهوية، وظهور بعض التجارب التي تشوّه التراث الغنائي، على الرغم من وجود كادر من الأصوات والكتّاب والملحنين، ينقصهم فقط ما ذكرته سابقاً».

عبد عيسى

عن أعماله الدرامية الإذاعية، قال: «كتبت لمصلحة إذاعة "صوت الشباب" أكثر من مئة حلقة دراما، كوميدي ضاحك، بعنوان: "سمع يا شباب عصوت الشباب"، شارك فيها كبار الممثلين، مثل: "نزار أبو حجر، علي كريم، تولاي هارون، وفاء موصلي، فادي صبيح، عاصم الحواط"، وكانت أولى تجاربي في كتابة الدراما الكوميدية الدرامية».

انتقل "الضاهر" بعد إغلاق إذاعة "صوت الشعب" إلى إذاعة "صوت الشباب" معاوناً لمدير البرامج، حيث قال: «أقدم في "صوت الشباب" برنامجاً من إعدادي تحت عنوان: "موزاييك"، وبرنامج سهرة الأسبوع تحت عنوان: "بلاد الشمس" مدته ساعة، نستضيف فيه المعنيين بالتاريخ السوري القديم من الفن واللحن واللون، كما نتحدث عن الآثار السورية؛ التاريخ الذي امتد حتى روما وتأثر بحضارة البشرية قاطبة».

مزاحم الكبع

وينهي حديثه قائلاً: «حتى الآن لم نضع التاريخ السوري والحضارة السورية القديمة في موقعهما الصحيح، ربما نحن مقصرون أمام هذه الحضارة، العالم كله منشغل بحضارتنا وعمق تاريخنا ونحن الوحيدون ربما الذين يجهلون قيمة هذا التراب الذي نقف عليه، والأعمدة الصامدة في البوادي السورية التي تعود إلى عشرة آلاف عام، وقبل أن تعرف البشرية معنى الحرف والكلمة، كان السوري يصوغ أول أبجديته، ويصنع أول سجادة عرفها التاريخ».

"عبد عيسى"، باحث في شؤون التراث، قال: «الأستاذ "عيسى الضاهر" إعلاميٌّ سوري مميز، أشرف على إعداد الكثير من البرامج الإذاعية، وانتشرت الكثير من كلمات أغانيه، حيث تغنّى بالشمس والأرض والهواء والجندي والجديلة والبارودة، فهو ابن منطقة كان من نصيب مياهها أن تلد الكثير من الحناجر الذهبية والأقلام المبدعة. كتب عن المطر في "دمشق" وليالي "دمشق"، والوطن وحبه له، كلماته تشبه موجات البحر الهائجة عندما يتعرض البلد للمخاطر، ورقيقة عندما يتغزّل بالحبيبة».

الشاعر "مزاحم الكبع" قال: «يقاس مدى إنسانية أي شخص بمدى حبِّه للآخرين واستعداده لمساعدتهم حين يُطلب منه ذلك، وحسب معرفتي بصديقي الأستاذ "عيسى الضاهر"، فإنه يمتاز بهذه الخاصية الأخلاقية الراقية؛ فهو من الذين يبحثون بوجه دائم عن الأشخاص الذين لديهم موهبة إبداعية، ولم تُتح لهم الفرصة لإظهارها؛ يساعده في ذلك موقعه الإعلامي وبرامجه الإذاعية التي يقوم بإعدادها والإشراف عليها.

كما أنه من الأشخاص الوطنيين بامتياز؛ حيث يضع وطنه في المرتبة الأولى التي لا يُعلى عليها، وجسّد هذا الشيء في أغلب قصائده وكلمات الأغاني التي كتبها، ولحنها وغنّاها أشهر الملحنين والمطربين السوريين، ومن جهة أخرى فهو إنسان اجتماعي يضع الجميع على مسافة واحدة؛ لا يفرّق بينهم طبقيّاً أو ماديّاً، شعاره (الإنسان والإنسانية أولاً)».

الجدير بالذكر، أن "عيسى الضاهر" من مواليد "مصياف" التابعة لمحافظة "حماة"، عام 1971.