استحوذت الرّياضيات على اهتمام "سامر تكريتي" فكانت سهلة لديه وسلسة، ووضعته على طريق دراسة الهندسة، لكنه أحبّ القراءة والمطالعة في الأدب والشّعر، فسلك طريقه بكتابة الشّعر، وكان الفارس المهاجر الذي حمل لواء شعراء المهجر من جديد على الرغم من صعوبة المهمة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 تشرين الأول 2018، مع الشّاعر " سامر تكريتي"، وجالت مع طيف ذكرياته في الوطن والمغترب، فقال: «وُلِدت وترعرعت في مدينة "دمشق" بمنزل شَغِفٍ بالعلم والأدب. كان والدي أستاذاً في كلية الطبّ بجامعة "دمشق". أغلى ما أورثني حب الكتب والمطالعة، فهو يقرأ كل ما تقع عليه يده من كتب باللغة العربية أو الفرنسية، وكتب الطبّ أو التاريخ أو غير ذلك، وكانت أمي مُدرِّسة للغة الإنكليزية في الجامعة. لكن درايتها باللّغة العربية وقواعدها فاقت معرفتها بأيّ لغة أخرى، فهي مرجع لكل من يعرفها في دقائق العربية؛ إذ حفظت كثيراً من الشّعر وقرأت الكثير من أمّات الكتب. تلقيت دراستي في مدرسة "معهد الحرية". أيّام المدرسة وذكرياتها حاضرة في ذهني لا تخبو ولا تشيب، وأذكرها دوماً بكل تفاصيلها، وأجمل ما فيها صداقات تدوم مدى الحياة تتحدّى غبار الزّمن وصدأه. وما زلت على تواصل مع عدد من أصدقاء الطفولة، نشاور بعضنا بعضاً في شؤوننا، ونبوح بما في صدورنا».

بعد الحصول على شهادة الدكتوراه، التحقت بقسم الرياضيات في مركز أبحاث شركة "أي بي إم"، حيث عملت عشر سنوات. وهناك التقيت عدداً من الخبراء في مجال الرياضيات التطبيقية، وهو ما أكسبني خبرة وزادني علماً. واليوم، أعمل في شركة استثمارات؛ حيث أستخدم ما تعلمته في حسابات حركة أسعار الأسهم المالية، فالعمل ضروري لتحسين الحياة ومتطلباتها، وهو ما يجعل المجال متاحاً للاهتمام بالشعر والمطالعة، لكون الاستقرار عاملاً مهماً في تطوير ذلك

ويتابع عن ذكرياته بالقول: «استحوذت مادة الرياضيات عليَّ تماماً، وبينما كان بعضهم يجدون صعوبة في دروس الهندسة والجبر، كنت أجد سلاسة ويسراً فيها. دفعني اهتمامي هذا إلى الالتحاق بكلية الهندسة المدنية في جامعة "دمشق"، ذكرى هذه الأيام جميلة اختلط فيها عبث الشّباب بجدّه، لكنها سريعة الخطوات؛ إذ مضت سنواتها الخمس كلمح البصر، بَيْدَ أنّها مرحلة ينتقل فيها الإنسان من شابٍّ يافع إلى مصاف الرّجال. بعد التّخرج حرت في أمري ما بين العمل مهندساً أو متابعة الدّراسة. وبعد تعدد المشورات وشيء من التّخبط، نويت أن أكمل تحصيلي العالي في "الولايات المتحدة". وبدأت رحلة الدّراسات العليا الطّويلة، حيث حصلت على ماجستير في الهندسة المدنية، تبعه ماجستير آخر في الهندسة الصّناعية، ثم نلت شهادة الدكتوراه. الْيَوْمَ أنظر إلى تلك الحقبة بتعجب وفخر؛ إذ قضيت ما يقارب ثماني سنوات على مقاعد الدّراسة وفي مخابر الأبحاث لا همّ لي سوى العلم».

فادي بطبوطة

وعن حب اللغة ومطالعتها يقول: «لم يكن بيتنا كبيراً، لكنه مع ذلك اتسع لمئات الكتب، فغرفة المكتبة أكبر غرف المنزل وأجملها، وفيها التقيت كثيرين عظماء الأدب العربي. كنت مغرماً بكتب "طه حسين"، وخصوصاً كتاب "الأيام" الذي حرصت على قراءته مرة كل عام، وأحببت "توفيق الحكيم" الذي أضحكني بأدبه الساخر، و"نجيب محفوظ" وقصصه المشوقة المثيرة. كنت أهوى قراءة الشّعر على الرغم من المشقّة في فهم بعض معانيه واستيعاب صوره، ولا أزال أذكر حيرتي بعد أن قرأت:

قِفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ/ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

لقاء الأصدقاء

كان شاعري المفضل ككلِّ سوريّ "نزار قباني"؛ تجذبني رهافة أحاسيسه ورقّة كلماته وصدق مشاعره، كنت في أيام الدّراسة أنتظر يوم الجمعة بفارغ الصّبر، إذ تعوّدت أن أقضي أوقات المساء في القسم العربي بمكتبة الجامعة أقرأ شتّى أصناف الكتب. بعد التّخرج حافظت على تلك العادة، إذ كانت لي ملاذاً أستلطفه. كنت أهوى قراءة الشّعر وحِفظ بعضه، لكنني لم أحاول نظمه إلا بعد انتقالي إلى عمل جديد يتطلب قضاء أربع ساعات يومياً في القطار. كنت أملأ هذا الوقت بكتابة الخواطر. وراودتني ذات يوم فكرة كتابة قصيدة قصيرة؛ بدأت الكتابة، ومع مرور الوقت أصبح نظم الشعر هوايتي المفضلة، فما أكتبه يعبّر عن حنيني إلى الوطن، وشوقي إلى أهلي وأيام طفولتي. في أكثر الأحيان يتمثّل الموضوع باسم فتاة أخاطبها أو أناديها كما في قصيدَتَيْ "سلمى"، و"ميسون". نشرت بعض هذه القصائد على "الفيسبوك" عبر صفحتي الخاصة، ولاقت نجاحاً. أَحَبّ هذه القصائد إلى القراء "رثاء حبيب" التي تصف مشاعر أبٍ فقد ابناً في ريعان الشباب. سُئلت مرات عديدة من بعض الأصدقاء الذين لا يحسنون العربية عن إمكانية ترجمة بعض هذه القصائد، حاولت ذلك مراراً، لكن تبيّن لي -يا للأسف- أن الترجمة تفقد الشّعر الكثير من رونقه، ومع ذلك هناك قصيدتان مترجمتان إلى اللغة الإنكليزية، وتمّ نشرهما في إحدى المجلات الإلكترونية. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي يسّرت وصول الكلمة إلى جمهور واسع، كما أنها أتاحت للقارئ التّفاعل المباشر مع الكاتب وغيره من القراء. هذا التّواصل كان له دور كبير في صقل قلمي، حيث لا تتاح لي فرصة إلقاء الشّعر مباشرة».

ومن شعره نقتطف بيتين من قصيدة "سلمى":

"تمشـي مُـهجّرةً والدّمعُ ينهملُ / والقلب مُنفطرٌ يشــكو ويبتهـلُ

البؤسُ يصحبها كالظل يتبعها / والخوف ينقلها والذّعر والوجل".

وعن مسيرته في المغترب، أضاف: «بعد الحصول على شهادة الدكتوراه، التحقت بقسم الرياضيات في مركز أبحاث شركة "أي بي إم"، حيث عملت عشر سنوات. وهناك التقيت عدداً من الخبراء في مجال الرياضيات التطبيقية، وهو ما أكسبني خبرة وزادني علماً. واليوم، أعمل في شركة استثمارات؛ حيث أستخدم ما تعلمته في حسابات حركة أسعار الأسهم المالية، فالعمل ضروري لتحسين الحياة ومتطلباتها، وهو ما يجعل المجال متاحاً للاهتمام بالشعر والمطالعة، لكون الاستقرار عاملاً مهماً في تطوير ذلك».

"فادي بطبوطة" المهتم والمتابع لمسيرة الشاعر، يقول: «معرفتي به تعود إلى أيام المرحلة الإعداديّة، ينحدر من عائلة عريقة محبة للعلم والثقافة، ورث منها شغفه بالأدب والشّعر. وعلى الرغم من الاغتراب الذي امتد عقوداً، إلا أنه حافظ على عاداته وصداقاته وارتباطه بالوطن، وخاصة مدينته "دمشق". وخير دليل على ذلك أنه استطاع مع ساعات عمله الطّويلة أن يترك لنفسه مساحة ومتنفساً للشعر يعبر به عن أفكاره وعواطفه. يتميز شعره كما أراه بالحس الإنساني المرهف والنبيل، ويعكس شخصه وفكره وما تربى عليه».

من قصيدة "يا ولدي" اخترنا:

"مراراً قُلت يا ولدي بُني حذار أن تَكبر

نعيشُ اليوم من زمنٍ لعين حَالك أعبر".

يذكر أن "سامر تكريتي" من مواليد "دمشق" عام 1964، أحبَّ اللغة وأتقنها، وتجد ذلك واضحاً في حديثه وكتابته البعيدة عن الشّعر على الرغم من ابتعاده عن أهلها والنّاطقين بها.