بجديتها ورغبتها الحقيقية بأن تترك بصمة مؤثرة في مجتمعها، استطاعت الباحثة "هلا قصقص" أن تعبّر عن عشقها العميق لـ"دمشق" من خلال العديد من الأبحاث العلمية والكتب التوثيقية والمقالات البحثية، لتؤرخ عن مدينتها، وتكون قدوة في حب المعرفة والعمل الجادّ.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 12 تشرين الثاني 2018، مع الباحثة "هلا قصقص" في مكان إقامتها بـ "كندا" لتتحدث عن دوافعها لدراسة الفنون، فقالت: «أحببت الفنون بكافة أنواعها منذ صغري، وخاصة الرسم، لذلك كنت أحلم بالدخول إلى كلية الفنون الجميلة، مع العلم أن مجموعي في الشهادة الثانوية كان يؤهلني لدخول الكليات الهندسية، وفي السنة الثانية اخترت اختصاص العمارة الداخلية باعتباره يفتح آفاقاً كثيرة، خصوصاً أن المستقبل المهني له مبشر بالخير من الناحية التجارية، وذلك في ظل حاجة الناس الدائمة إلى التغيير والتبديل وابتكار تصاميم داخلية جديدة في بيوتهم ومكاتبهم، ومن الضروري جداً قبل اختيار هذا التخصص للدراسة أن يجمع الشخص ما بين الإبداع والموهبة الفنية والرغبة، ومع الوقت اكتسبت خبرة طويلة في هذا المجال، بتصميم نحو خمسين مشروعاً في "سورية" و"لبنان" و"الإمارات العربية المتحدة" و"السعودية" و"الأردن" خلال عشر سنوات».

لديها العديد من المحاضرات والأبحاث سواء من خلال موقعها في كلية الفنون الجميلة، أو من خلال ما تنشره في المجلات المحكمة، وأظن أن إبداعاتها تحولت إلى ومضات شعرية في إصدار بعنوان: "ربما ذات مساء نلتقي"، وفيه الشعر المحكي والفصيح، وتظهر فيه شفافيتها وتعلقها الكبير بـ"دمشق"، وهي إنسانة وطنية وصادقة، دمشقية حتى النخاع، تهوى كل مكونات وجماليات المدينة، وتحاول دوماً تحقيق رغباتها الثقافية والإبداعية من خلال تعلّم الموسيقا والاهتمام بعائلتها

وعن توجهها إلى البحث وإصدار الكتب، تضيف: «هندسة الحدائق أمر مختلف تماماً، وبدأت قصته معي حين اخترت موضوع "هندسة الحدائق الإسلامية" كرسالة ماجستير، وكانت بعنوان: "توظيف الموروث العربي الإسلامي في تصميم الحدائق العامة في مدينة دمشق"، ومن هنا بدأ اهتمامي بتصميم الحدائق وخاصة الطراز الإسلامي، وبعد حصولي على الماجستير بدرجة امتياز، وجدت نفسي في مجال البحث العلمي، وبدأت نشر الأبحاث في المجلات العلمية المحكمة، واتجهت إلى إصدار الكتب لأنه بالنسبة لي عملية تفريغ لدراسات عديدة قمت بها، حول تاريخ وعمارة الحدائق الإسلامية، وثم دراسة الأوابد المعمارية للمدينة في العصور (الأيوبي، والمملوكي، والعثماني). صدر أول كتاب لي في عام 2015، بعنوان: "الحدائق الإسلامية: دراسة في مفهوم الحديقة الإسلامية والعناصر المكونة لها"، والثاني عام 2017 بعنوان: "هندسة الحدائق: دراسة في أسس تصميم الحدائق وطرزها"، ومؤخراً عام 2018 كتاب آخر، بعنوان: "مساجد دمشق في العصر العثماني"، واستطعت تعزيز ميولي الأكاديمية عن طريق التواصل مع أساتذة وباحثين كانوا بالنسبة لي كالمنارة، حيث نهلت من بحر علمهم الكثير».

كتابها

وعن دوافعها للتأريخ عن مدينة "دمشق"، تقول: «هي بالنسبة لي مدينة الحياة بكلّ وجوهها، وسيّدة المدن، فهي أكثر من مدينة في مدينة، وعاصمة لأكثر من دولة على مرّ العصور، فمنذ أن وُجدت الحضارات وأنشئت الدول، كانت لهم فيها محطات، ومنذ أن دوّن التاريخ، كان لها فيه صفحات. ربما كان أحد أهم أسباب دخولي إلى طريق البحث العلمي عشقي لهذه المدينة الساحرة بكل تفاصيلها، وأظن أن لقب مؤرخة كبير جداً على باحثة مثلي، ومازلت في بداية الطريق، فالمؤرخ يجب أن يكون ذا رؤية أو بصيرة نافذة، قادرة على النفاذ إلى الماضي، ولا بد له من قدرات فائقة لا تتوفر لدى غيره من الناس، حتى يتجاوز حدود زمانه إلى زمان مضى ليتصوره ويتخيله.

شاركت مؤخراً بمسابقة أطلقتها مؤسسة "دمشق"، وهي جائزة "فخري البارودي للمؤرخين الشباب" لعام 2018، وتهدف إلى تشجيع الشباب على القيام بأبحاث تخص تاريخ "دمشق"، من خلال بحث بعنوان: "المقهى الشعبي الدمشقي من خلال رحلات العرب والمستشرقين"، ولم تصدر النتائج بعد».

إصدارها الأخير

وعن الرسالة التي أرادت إيصالها في معرضها الأول "عشق"، قالت: «أقيم معرضي الفردي الأول في صالة المركز الثقافي العربي في "أبو رمانة" سنة 2015 بعنوان: "عشق"، وتضمن نحو أربعين لوحة عن المولوية، كنت أراقب حركاتهم بشغف؛ فكل حركة لها رمزية خاصة، ومن خلال قراءاتي عن التصوف استطعت الدمج بين هذه المشاهدات والحكم الصوفي لأترجم الحركات إلى خط ولون وحركة وسكون، وحاولت أن أنقل حالة الوجد التي يصل إليها المولوي إلى المتلقي، وأردت إظهار حالة الحركة والسكون من خلال دراسة علاقته بما حوله، وعلاقته مع جسده وروحه والكون الفسيح، و"الله" المعشوق الأزلي، وتحويل كل هذه العلاقات إلى خط ولون. لوحاتي تعبيرية واقعية، ولو تمعن المرء في عمقها لوجد أعمق من الصورة المشهدية، وأركز على أن "المولوية" ليست حزينة، بل ملأى بالفرح والتأمل، وسبب ذلك يعود إلى الغوص الداخلي في عمق الكون وعظمة الخالق».‏‏

وعن موهبتها في التصوير الفوتوغرافي، أضافت: «التصوير بالنسبة لي وسيلة لغاية أهم، وهي البحث العلمي، فالصورة بالنسبة لأبحاثي عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه؛ لذا حاولت جاهدة أن أطور نفسي في هذا المجال، وأعتمد عدستي بدل عدسات الآخرين، وأغلب الأحيان تكون المواضيع التي أصورها علمية بحتة، وبعد انتقالي للعيش في "كندا" عام 2017، بدأت دراسة مجال آخر مختلف تماماً عما درسته، وهو "الرسوم المتحركة" ثلاثية الأبعاد، ومنذ ستة أشهر أسست مشروعي الخاص، وهو مركز لتعليم الرسم بكل مراحله لكافة الأعمار».

صورة المسجد الأموي بعدستها

من جهته الباحث والأديب "غسان كلاس"، قال عنها: «تعرّفت إلى الباحثة "هلا قصقص" خلال معرضها الفردي، وكان معرضاً لافتاً فيه كثير من الإبداع والروحانية والتألق بوقفات مع المجد الدمشقي الجميل، وهي مهتمة بالمجالات الروحانية والصوفية، ولوحاتها كانت جميلة وموحية، وتنم عن إحساس رفيع المستوى، وكنا معاً في لجنة المحافظة على التراث، وقدمنا الكثير من المقترحات والأفكار المتعلقة بهذا الموضوع، وهي قدمت في ذلك الوقت محاضرة نوعية جداً مشبعة بالإسقاطات والمقاطع الفلمية المتعلقة بالأعياد، بأسلوب مؤثر يمتع المتلقي، وسعدت كثيراً عند صدور كتابها الأول الذي كان معبراً ومدعماً بالصور والوثائق والمرجعيات، وتفتقر المكتبة العربية إلى هذا النوع من الكتب الأكاديمية الموثقة المدروسة جيداً، والمعتمدة على مصادر عربية وأجنبية، وخاصةً عندما تكون هناك مواءمة للحدائق الإسلامية على مساحة العالم، وخاصةً في "دمشق" و"الأندلس"، وفي كتابها الثاني اتكأت على قواعد وأسس منهجية وأكاديمية، ويجب أن يستفيد منه من يعمل في مجال الديكور وهندسة الحدائق، للمواءمة بين العمارة والجانب الأخضر الطبيعي للمنشأة. وفي كتابها الثالث اعتمدت منهج الدراسة التاريخية والعمرانية من خلال دراسات موثقة ومعتمدة على مراجع عديدة، وخاصة القديمة منها والصور التي تدعم البحث، ويشعر المرء بأنه تواقّ لقراءة كتابها، الذي يغني عن كثير من المؤلفات والكتب، إذ استطاعت أن تختصر عشرات الآلاف من الصفحات من خلال رؤية علمية».

ويتابع: «لديها العديد من المحاضرات والأبحاث سواء من خلال موقعها في كلية الفنون الجميلة، أو من خلال ما تنشره في المجلات المحكمة، وأظن أن إبداعاتها تحولت إلى ومضات شعرية في إصدار بعنوان: "ربما ذات مساء نلتقي"، وفيه الشعر المحكي والفصيح، وتظهر فيه شفافيتها وتعلقها الكبير بـ"دمشق"، وهي إنسانة وطنية وصادقة، دمشقية حتى النخاع، تهوى كل مكونات وجماليات المدينة، وتحاول دوماً تحقيق رغباتها الثقافية والإبداعية من خلال تعلّم الموسيقا والاهتمام بعائلتها».

يذكر أن الباحثة "هلا قصقص" من مواليد "دمشق" عام 1983، حاصلة على إجازة وماجستير من قسم العمارة الداخلية في كلية "الفنون الجميلة" في جامعة "دمشق" عام 2007، وتدرس حالياً دكتوراه في ذات القسم، حاصلة على شهادة تكريم من رئيس جامعة "دمشق" لتنظيم معرض عن الشهادات القديمة الصادرة عن الجامعة منذ عام 1930-1950، وشهادات مشاركة في إدارة ورشات عمل تطوعية للرسم اليدوي الحر في كلية "الهندسة المعمارية".