تنقّل "عصام نمر" في عمله، وتنوعت الحرف التي اشتغل بها ليستقر به المطاف كحرفي صياغة، ليتوج عمله بلف "محابس" الذّهب ونقشها؛ لتغدو بين أنامله تحفة فنية تبهر كل ناظر إليها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 تشرين الأول 2018، الحرفي "عصام نمر" لتترصد موهبته في العمل عندما تتحول قطع الذّهب الخام إلى خواتم تفرح قلوب الشّباب وتعنون ارتباطهم، حيث يقول: «بعد جولة طويلة في أسواق العمل؛ تنقّلت فيها بين عدة حرف ومهن، أوصى والدي صديقه "إيلي باشا" وزميله بالصّنعة فيما سبق ليعطيني أصول العمل في "محابس" الذّهب، فهو شيخ كار هذه الحرفة، فكنت المجتهد المثابر بالتعلّم والعمل، وكانت البداية بنقش (المحبس السّادة)، فأتقنت هذا النقش وأبدعت، وأخذت أفكاري تتلمس طريقها على حواف "المحابس" فتحولها إلى قطع فنية تخطف بريق عين كل من يشاهدها، لتكون محفّزي على استحضار المكنون من أفكاري وتعزز حبي لصنعتي، وتدفعني إلى بذل كل طاقتي في العمل، حتى إنه كان لي من الحماسة والجلد ما يدفعني لإصلاح ماكينات الورشة المعطلة مستفيداً مما لدي من خبرة كسبتها في الميكانيك على مدار سبع سنوات سابقة على يدي المعلم "جبران لويس"، وهو شيخ كار الميكانيك الذي أعطاني أصول هذه الحرفة بأسلوبه المميز، وزرع حبها بداخلي بما كان يردده على مسامعي دائماً (العمل مزاج)، فأصبح العمل عندي متعة».

عرفت الكثيرين من الصّياغ بمختلف حرفهم من (المركباتي) الذي يركب الحجر على القطع الذهبيّة، والصّائغ التّقليدي، وكذلك عرفت الصّائغ (السّادجي) المجاري للرسام والمصور والنّحات، فهو الذي يصمم القطع الذهبية ويصنعها وينتجها بيده، وفيما بعد يصنع قالب هذه القطع بمختلف القياسات والحجوم، وأرى السّادجي حرفة فنية بامتياز، وهي من أرقى أنواع الصّياغة، ومع كل هؤلاء عرفت "عصام" كحرفي صائغ أبدع في "المحابس" وحجز لنفسه المكانة بما قدمه من قطع فنية جميلة له فيها حتى اللمسة الأخيرة المميزة، وكنت من المعجبين بعمله، ولم أتردد بالعمل معه، فقد استطاع مجاراة تطور الحرفة والإضافة إليها من ذوقه وفنه

يتابع قصته مع الحرفة الفنية، ويقول: «بعد سفر معلمي "إيلي"، تنقلت بين ورشات الصّياغة، حيث عُرفت بحرفيّ الصّياغة المتميز لكوني تلميذ شيخ الكار، والمحافظ على الأصول التي أخذتها منه ولم أتنازل عنها، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الجودة، فنحن نعمل بالمعدن الثّمين، إلى أن صارت لي ورشتي الخاصة، وانتقلت من النّقش إلى التّصنيع، وصارت لدي طبعتي المميزة على "محبسي" الذي أنجزه، ولم تكن خبرتي بتعلم وممارسة العمل وحده، إنما عزّزتها بالسعي إلى معرفتي بتاريخ هذه الحرفة أيام الورشات الصغيرة فوق سقوف المحال بسوق الصّاغة القديم في "الحميدية"، حيث كانت تصهر فيه قطعة الذّهب بالنار، وتمدد وتدق بالمطرقة الصغيرة على الحديد لتأخذ شكلها وتُلف، ثم يرسم الحرفيون فنهم عليها لتظهر الحرفيّة جلية، فهناك نوع من العمل عرف بما يسمى (كسر شفت)؛ وهو عبارة عن شبكة فيها ما يشبه الخط العربي أو الرّسم العربي النباتي، أو الموزاييك الذي يُرسم ويُنقش على مساحة السّنتمتر الواحد لكل خاتم، ولا تظهر إلا بالمنظار، وهي من نمط مجتمعنا، لكن -يا للأسف- هذه الأيام قلما تجد هذه القطع، خاصة بعد أن تطورت هذه الحرفة في أذواقها وتصاميمها وتجهيزاتها وأدواتها، وانتشر ذهب أسواق أخرى، مثل الإيطالي، واستطعنا نحن كحرفين سوريين مجاراة هذا التّطور وأذواق الأسواق المجاورة كأسواق "الخليج" و"العراق" و"الأردن"، حيث يستهويهم الذّهب ذا العيار العالي، وكان السوق السّوري مبتغاهم بفضل احتوائه القطع الذهبية الجميلة والنظيفة، المدموغة بدمغة نقابتنا».

جمال ترسمه أنامل عصام نمر

وعن تطور مراحل عمل الحرفة، يقول: «في بداية تسعينات القرن الماضي، تعرض السّوق الاقتصادي إلى تراجع كان له أثره في مجمل أسواق الحرف، ولم يسعفني الظرف بالاستمرار في طموحي، فما كان لي إلا أن أغلقت ورشتي واستجبت لطلب معلم الصّياغة "أندري كويتر" الذي كان يبحث عن حرفي صياغة محافظ على أصول الحرفة وملتزم بها ومتمسك بجودتها، وهو المعروف بشغفه بعمله، فوجدت بالعمل معه الركن الآمن لأفق طموحي وإن كان خارج ورشتي، وتمكّنت معه من صناعة "محبس" إحدى الماركات العالمية المعروفة لدينا بـ"محبس" الأربع ألوان أو الخط الأسود، ليكون له مبيع أكثر مما باعت منه ماركته الرئيسة، وترى زبائننا ينتظرونه وغيره من القطع بالأشهر، ومهما طالت مدة التصنيع».

بما عرفه عن "عصام" تحدث "جورج خوري"، وهو واحد من العاملين بمجال الصاغة، وقال: «عرفت الكثيرين من الصّياغ بمختلف حرفهم من (المركباتي) الذي يركب الحجر على القطع الذهبيّة، والصّائغ التّقليدي، وكذلك عرفت الصّائغ (السّادجي) المجاري للرسام والمصور والنّحات، فهو الذي يصمم القطع الذهبية ويصنعها وينتجها بيده، وفيما بعد يصنع قالب هذه القطع بمختلف القياسات والحجوم، وأرى السّادجي حرفة فنية بامتياز، وهي من أرقى أنواع الصّياغة، ومع كل هؤلاء عرفت "عصام" كحرفي صائغ أبدع في "المحابس" وحجز لنفسه المكانة بما قدمه من قطع فنية جميلة له فيها حتى اللمسة الأخيرة المميزة، وكنت من المعجبين بعمله، ولم أتردد بالعمل معه، فقد استطاع مجاراة تطور الحرفة والإضافة إليها من ذوقه وفنه».

في الورشة حيث متعة العمل

يذكر أن "عصام نمر" من مواليد "دمشق" عام 1972، يمضي في عمله بجهد، ويسعى لتحقيق حلمه في عودته إلى ورشته الصغيرة على الرغم من كل ما هو بحاجة إليه من متطلبات، ويصمم على ذلك مهما طالت به الأيام.