بهدف خلق تغيير إيجابي في المجتمع، تمكّن النطاق المجتمعي في "الغرفة الفتية الدولية" من تحسين أوضاع المصابين بمرض "متلازمة داون" عبر تأمين فرص عمل لعدد منهم، وتغيير صفتهم في البطاقات الشخصية؛ في محاولة لتغيير نظرة المجتمع إليهم.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "روعة أبو الشامات" صاحبة الفكرة ونائبة رئيس مجلس الإدارة لنطاق تطوير المجتمع في الغرفة الفتية الدولية في "دمشق"، بتاريخ 27 تشرين الثاني 2018، لتتحدث عن انطلاقة المشروع، فقالت: «بدأت الفكرة بعد انتهاء مشروع "happy active syndrome"، الذي استطعنا من خلاله توظيف خمسة عشر شاباً وشابة من المصابين بـ "متلازمة داون"، حيث أبدى أحد المستفيدين استياءه لأن بطاقته الشخصية في حقل العلامات المميزة تحوي كلمة "منغولي"، وهو يعلم تماماً أن الاسم العلمي مريض "متلازمة داون"، خاصةً أن هذه الصفة -يا للأسف- تأخذ طابعاً سلبياً في مجتمعنا، ومن هنا انطلقت فكرة تغيير صفة "منغولي" إلى مريض "متلازمة داون" في حقل العلامات المميزة على البطاقة الشخصية، وعملت مع المحامية "دالية معتوق" على تحقيق ذلك؛ إيماناً منا كأعضاء في الغرفة الفتية الدولية ممثلة برئيس مجلس الإدارة "وسيم سعد" وفريق العمل والمتطوعين بأن خدمة الإنسان أنبل عمل في الحياة، وانطلاقاً من ضرورة تحقيق التغيير الإيجابي ضمن نطاق المجتمع.

كان للغرفة الفتية الدولية دور كبير في تغيير البطاقة الشخصية، إذ تواصلوا معنا ليحصل أخي على البطاقة الجديدة، وقمنا بتقديم الأوراق المطلوبة، ومن الجيد أن يتم توصيف مرضه بوصف علمي دقيق في البطاقة الشخصية، مع أن ذلك لم يغير الكثير بالنسبة للفكرة السائدة بين الناس عن المصابين بهذا المرض

وتعدّ هذه الخطوة من الخطوات المهمة في مجتمعنا، تحققت برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إيماناً من الوزيرة الدكتورة "ريمة القادري" بقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الأنسب لهم، فكان المشروع -بالتعاون بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والداخلية- حدثاً مهماً في حياة المصابين بـ "متلازمة داون"، ونرغب دائماً في الغرفة الفتية الدولية أن ينظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة على أنهم ذوو قدرات خاصة لهم كينونتهم، ووجودهم بيننا يستحق التقدير والاحترام».

"روعة أبو الشامات"

بدورها المحامية "دالية معتوق"، أضافت: «نشأت الفكرة عندما قمنا بمشروع تأهيل الشباب المصابين بـ "متلازمة داون سيندروم" في الغرفة الفتية الدولية للدخول إلى سوق العمل، وتحمل المسؤولية، ليكونوا قادرين على العمل، وبدأ تطبيقه بتاريخ 8 شباط 2017، ضمن نطاق المجتمع بمشروع اسمه "متلازمة السعادة 1"، وكان أهم خطوات الغرفة لتطوير المجتمع لعام 2017، حيث تعهدت بفئة من هذه الحالات لتطويرهم مهنياً ونفسياً واجتماعياً ليتم دمجهم ضمن فئات المجتمع العاملة، وتحقيق مردود مادي معين لهم، بدعم كبير من الدكتورة "ريمة القادري" لهذا المشروع، حيث خاطبت وزارة الداخلية لاستبدال الصفة، وتعميم هذا الإجراء على كل دوائر الشؤون المدنية في أنحاء "سورية"».

وتتابع قائلةً: «ما دفعنا إلى إطلاق المشروع ضرورة توفير فرصة لهذه الفئة المهمشة من الشباب، خاصةً القادرون منهم على أن يكونوا أفراداً فاعلين يمارسون دورهم الطبيعي في المجتمع، ونطمح إلى إيصال رسالة مفادها أن المصاب بهذا المرض إنسان ذو قدرات خاصة، وليس منغولياً أو معوقاً، بل يتمتع بكفاءة وقدرة معينة وسرعة بديهة، وذكاء خارق قد يفوق أي شخص طبيعي.

مع الوزيرة "ريمة القادري"

لقد حاولنا من خلال هذا المشروع أن نوظّف قدراتهم الخاصة، وقمنا بتأمين الوظائف ضمن القطاع الخاص، التي تضمن حياة كريمة لهم، ولا شك أننا واجهنا بعض الصعوبات المتعلقة بالموروثات الاجتماعية؛ إذ أطلق عليهم تسميات مختلفة في الماضي، حيث يقال: (شخص عالبركة)، معوق، منغولي، وحالياً نحاول أن يتم التعامل معهم على أنهم أشخاص ذوو قدرات خاصة، لديهم طريقة معينة في التعبير والعمل، وقد يتفوقون على أقرانهم بأسلوب عملهم المميز. وبالنسبة لي أردت أن يحصل هؤلاء الأشخاص على لقب يليق بهم اجتماعياً، وعلى الرغم من الأزمة استطعنا أن نثبت للمجتمع الدولي أن الجهود الأهلية والحكومية لم تغفل هذه الفئة، بل على العكس تبذل الجهود لتحسين أوضاعهم».

وعن آلية الحصول على بطاقة شخصية بالصفة الجديدة، أضافت: «يتم التقدم بطلب للأحوال المدنية، وتتلف البطاقة القديمة التي كتب عليها "منغولي"، لاستبدالها بأخرى مكتوب عليها مريض "متلازمة داون"، وحاولنا جاهدين بالتعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزارة الداخلية إعفاءهم من دفع رسم تجديد البطاقة الشخصية الذي يقدر بخمسة آلاف ليرة سورية، واستطعنا تحقيق ذلك بتعاون مدير عام الشؤون المدنية لوزارة الداخلية "أحمد رحال"، الذي سعى إلى إلغاء الغرامة، ويحتاج المتقدم إلى أربع صور شخصية، مع صورة البطاقة الشخصية القديمة، وطلب يتقدم به إلى وزارة الداخلية، ويحصل على البطاقة الجديدة خلال تسعة أيام بأقصى حد».

الحصول على البطاقة الجديدة

"سمر ظواهرة" شقيقة أحد المستفيدين، قالت: «كان للغرفة الفتية الدولية دور كبير في تغيير البطاقة الشخصية، إذ تواصلوا معنا ليحصل أخي على البطاقة الجديدة، وقمنا بتقديم الأوراق المطلوبة، ومن الجيد أن يتم توصيف مرضه بوصف علمي دقيق في البطاقة الشخصية، مع أن ذلك لم يغير الكثير بالنسبة للفكرة السائدة بين الناس عن المصابين بهذا المرض».

من جهتها "حنين خليفة" اختصاصية في متابعة حالات "متلازمة داون" تقول: «تغيير صفة "منغولي" خطوة أساسية ومهمة، ليس فقط للمصابين بـ "متلازمة داون"، بل لأهاليهم أيضاً، هذه الصفة تدل فقط على التشابه الشكلي، ولا علاقة لها باختلاف المرضى من الأطفال والشباب، استخدام عبارة متلازمة "داون سيندروم" قد تأخذ وقتاً لاعتياد الناس عليها، لكن في الوقت نفسه يمثّل مشروع تغيير الصفة خطوة لتوعية الناس حول هذه الحالات، ووضعها واختلافها، يا للأسف كثيرون من الأشخاص المتعلمين لا يعرفون معنى حالات "متلازمة داون"، وحتى نواكب تغيير الصفة على البطاقة الشخصية مع خطوات على أرض الواقع، يجب أن يتم افتتاح مراكز خاصة للاهتمام بهذه الحالة فقط، دون اندماجها مع حالات أخرى من ذوي الاحتياجات الخاصة، كالمصابين بالتخلف العقلي، أو التوحد؛ لأن الطفل المصاب بـ "متلازمة داون" يقلد كثيراً، وهذا التقليد للاختلافات الأخرى قد يولد لديه مشكلات نفسية واجتماعية، مع الاستعانة باختصاصيين لديهم قدر كاف من الدراسة والخبرة، قادرين على تقييم حالة الطفل تقييماً صحيحاً والتعامل معه وفقاً لقدراته، إلى جانب إقامة دورات دائمة ومستمرة لتوعية الأطفال والمدرّسين في المدارس عن هذه الحالة، وكيفية التعامل معها، خاصةً بعد قرار دمجهم في المدارس الحكومية. التوعية يجب أن تكون كبيرة جداً لتوفير الشروط المناسبة للدمج، نحن بحاجة إلى بذل جهود جادة تعنى بهذه الحالات التي يصل بعضها مع العناية إلى مستوى عالٍ من التعليم، إلى جانب توفير فرص عمل للحالات التي تواجه صعوبة في التطور الدراسي».