يعتمد التشكيلي "محمد غنوم" الخط العربي عنصراً أساسياً ضمن لوحته الفنية، فبه يرسم ويلون كلمات بإيقاعات وألوان، ويشكل لوحات تحمل الثقافة والتراث الشرقي، حيث جاب بها معظم بلدان العالم ليوصل رسالة أن الجمال منتصر دائماً على القبح.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 1 شباط 2019، مع الدكتور "محمد غنوم" للحديث عن بداية تجربته الفنية، فقال: «بدأت علاقتي مع الفن منذ سنوات طفولتي الأولى، فاتسمت بالعفوية والتلقائية، ولم أكن أدرك أن تلك الرسوم البسيطة التي استمتعت برسمها آنذاك ستكون منهجاً في المراحل اللاحقة، وكان دخولي مرحلة الدراسة الابتدائية منحى جديداً في تجربتي الفنية؛ حيث كان هناك تشجيع حقيقي من قبل المدرسين وإدارة المدرسة لاكتشافهم الموهبة مبكراً. وفي الصف الثالث الابتدائي كانت أولى مشاركاتي في المسابقة الدولية لرسوم الأطفال، حيث نلت عليها التكريم. وفي مرحلة الدراسة الإعدادية دخلت مركز "توفيق طارق" للفنون التشكيلية الذي سمي لاحقاً مركز "أدهم إسماعيل"؛ وهو ما فسح لي المجال بالتلمذة على يدي كبار الخطاطين، منهم: "زهير منيني"، و"محمود الهواري"، و"نجاة العلبي"، لكن الفضل يعود إلى شيخ الخطاطين الراحل "حلمي حباب" بتدريسي هذا الفن، وبما أن هذا النوع من الفن يحتاج إلى دراية ودراسة واسعة، حيث انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة رغبة مني وتشجيع أهلي على الرغم من عدم اهتمامهم بالفن، لكنهم كانوا من المشجعين والداعمين لدخولي هذا المجال؛ وهو ما كوّن لدي حافزاً وتحدياً كبيراً».

"محمد غنوم" فنان مثقف بصرياً وإنسانياً وروحياً واجتماعياً، لوحاته تخلق حواراً روحياً وبصرياً مع ذاتها، فهو من الفنانين السوريين الأوائل الذي استطاع توظيف الحرف العربي بأسلوب روحاني موسيقي لوني في أعماله. لوحاته دخلت عالم التشكيل السوري بهوية فنية راقية حافظت على حداثة المشهد البصري اللوني، ولم تهرب من الإحساس الوجداني الجميل لأصالة وجمالية الخط العربي. الفنان "محمد غنوم" أصبح أغنية وموسيقا عذبة في الحرف العربي، تطور أسلوبه مع تطور العقل والإبداع، لكن لم يغير شخصيته الإنسانية، وحافظ على الوجدان الفني الذي عاش معه في طفولته، واحترم أشياءه الإنسانية من أخلاق وأهل ومجتمع

وعن المواضيع التي يتناولها بلوحاته وأسلوبه بالفن، يضيف: «في بداية حياتي الفنية كنت أتناول مواضيع ذات علاقة بكل ما هو واقعي، مثل: الأحياء الشعبية، وحارات "دمشق" القديمة، وبعض المناظر الطبيعية، والمعارك التاريخية بتقنيات مختلفة، مثل: الألوان الزيتية، والمائية، والباستيل، لكن سرعان ما لفتني الخط العربي، فبدأت في هذا الاتجاه، اعتمدت اللوحة التي تتشكل من الخط العربي؛ فمع الخط العربي إبداع لا محدود؛ بانحناءاته وهبوطه وصعوده تجد موسيقا تطرب الناظر إليه. في أعمالي الفنية لم تعد لدي الخطوط كما هي معهودة تحمل أقوالاً مأثورة أو آية قرآنية؛ إنما أصبحت تحمل عناوين جديدة، فهناك لوحات باسم "دمشق"، و"قاسيون"، و"معلولا"، و"الفرات" فيها الحب والحنين، وهذه اللوحات الخطية والتشكيلات تفاجئ الناظر اليها لأنها لم تعد كما عهدت منذ مئات السنين، بل أخرجت من العباءات والتقاليد المعهودة. كما كنت السباق بتأكيد أن العمل الفني الأصلي مهما كان ثمنه زهيداً لا يستطيع الوصول إلى الجمهور الواسع، لذلك تعاملت مع اللوحات المطبوعة، فطبعت لوحاتي التي انتشرت بكثرة، وبإمكان أي شخص الحصول عليها لأن ثمنها زهيد، وفي الوقت نفسه بألوان جيدة وبمقياس اللوحة الأصلية، وهذا ساعد على انتشار تجربتي أكثر من باقي الفنانين».

لوحة تظهر اللعب في أشكال وألوان الخط

وعن فلسفته الخاصة وما يرتكز عليه في عمله، يتابع: «الفلسفة التي تقوم عليها تجربتي إيماني بأننا نملك إرثاً ثقافياً بصرياً مهماً؛ عموده الفقري الخط العربي الذي يعدّ بمنتهى التجريد، كما أنه أهم ملامح الإنسان العربي من الناحية البصرية، ومن دون أدنى شك هناك قناعة وإيمان بأننا كعرب لدينا فن بصري قد يكون الأكثر نقاء بين كل الفنون التي يعمل بها العرب؛ وهو الخط العربي، والسبب أنه يمثل جزءاً من هوية الإنسان العربي، لذلك أعمل مع هذا الفن بأسلوب لم يفعله أحد حول العالم. والحقيقة إن اللوحات المكتوبة بالخط العربي آيات جمالية وسمفونيات أدهشت العالم، وهذا بدا واضحاً في معارضي التي جلت بها الدول الأجنبية التي لا تعرف الخط العربي قراءة وكتابة، لكنها أحبته من خلال جماليته؛ لأنه في حركته وسكونه؛ وعناق بعض حروفه لبعضها يطرب الناظر إليه، لذلك في تجربتي اعتمدت الخط العربي، وعملت جاهداً على أن تكون هناك خطوات إلى الأمام بهذا الفن، وخاصة عندما لم تعد الحروف والكلمات بالأسود والأبيض، إنما أصبحت ملونة تمنح الفرح لكل من يشاهدها، وليس فقط لمن ينطقها».

عنه يحدثنا الفنان التشكيلي "موفق مخول" قائلاً: «"محمد غنوم" فنان مثقف بصرياً وإنسانياً وروحياً واجتماعياً، لوحاته تخلق حواراً روحياً وبصرياً مع ذاتها، فهو من الفنانين السوريين الأوائل الذي استطاع توظيف الحرف العربي بأسلوب روحاني موسيقي لوني في أعماله. لوحاته دخلت عالم التشكيل السوري بهوية فنية راقية حافظت على حداثة المشهد البصري اللوني، ولم تهرب من الإحساس الوجداني الجميل لأصالة وجمالية الخط العربي.

لوحته بعنوان "دمشق"

الفنان "محمد غنوم" أصبح أغنية وموسيقا عذبة في الحرف العربي، تطور أسلوبه مع تطور العقل والإبداع، لكن لم يغير شخصيته الإنسانية، وحافظ على الوجدان الفني الذي عاش معه في طفولته، واحترم أشياءه الإنسانية من أخلاق وأهل ومجتمع».

يذكر، أن الدكتور "محمد غنوم" من مواليد "دمشق" عام 1949، خريج كلية الفنون الجميلة، حاصل على دكتوراه فلسفة في علوم الفن، موجه أول للتربية الفنية بوزارة التربية، ورئيس جمعية "أصدقاء الفن" بـ"دمشق"، محاضر في عدد من الكليات في جامعة "دمشق"، وحاصل على عدة جوائز، منها: "الشراع الذهبي" في "الكويت" عام 1981، والجائزة الأولى في مهرجان الخط في "إيران"، والجائزة الأولى في مسابقة الخط والموسيقا في "فرنسا" عام 2000، ولديه أكثر من 70 معرضاً فردياً حول العالم. أعماله مقتناة في متاحف "أوزبكستان" و"روسيا الاتحادية" و"إيران" و"الأردن"، وعدد من المتاحف والجهات العامة في "سورية"، والسفارات. كما أطلق اسمه على صالة المعارض في المركز الثقافي بـ"جوبر" عام 2004، حائز على عدد من شهادات التقدير لنشاطه وفعاليته في الحركة التشكيلية السورية.

الفنان التشكيلي موفق مخول