أن ينجوَ أحدهم من الموت، فكرةٌ كفيلةٌ بخلقِ دافعٍ لديه للاستمرار بالحياة من جديد بإصرارٍ كبير، إلا أنّ العودةَ من عتباتِ الموت بيدٍ مبتورةٍ أو ساقٍ مشلولةٍ توحي بأنّ الشخصَ سيستمرُ في حياته مهزوماً أمام العجز والألم، وهذا خلافُ ما حدث مع جرحى الحرب الذين رغم إعاقتهم الجديدة واجهوا الحياة بالحبّ والإرادة والعطاء.

استطاع أغلب جرحى الجيش العربي السوري، حتى الذين فاقت نسبة العجز لديهم الـ 70% بسبب إصابة حرب، أن يتأقلموا مع وضعهم الجديد، مع كراسيهم المدولبة، عكازاتهم وأدويتهم والكثير من الأدوات التي لم يعتادوا استخدامها من قبل، وأصبحت اليوم جزءاً أساسياً من يومياتهم، كما كان لديهم القدرة على تغيير نمط حياتهم في الواجبات والأعمال المنزلية والتنقل والحديث والتعامل مع الآخرين وغير ذلك، فالإرادة والإصرار اللذان نبعا من الجرح الجديد كانا كافيان لخلق قوةٍ تتفوق على كلّ الصعوبات النفسية والعملية التي تواجه جريح الحرب.

الاستمرار بالحياة الجديدة للجرحى لم يكن استمراراً على الهامش، بل أصرّ الكثير منهم أن يؤسسوا لحياتهم ما بعد الإصابة بشكل يحققوا فيه الكثير من الأهداف التي كانت في قائمة أحلامهم يوماً ما، فلم يتخلوا عن الحلم، وإن عدّلوا فيه، فعدد لا بأس به منهم تزوج سعياً لتكوين أسرة تعطيه السعادة والحبّ وتكون السند له مستقبلاً، وعدد كبير منهم عاد إلى سوق العمل واندمج فيه، ووجد عملاً أو أسس مشروعاً يعتمد فيه على ذاته وإن كان بأدوات بسيطة تتناسب مع حالته الصحية، بينما أغلب هؤلاء الجرحى كانوا قادرين على كسر الحاجز النفسي بينهم وبين الإعاقة التي تعرضوا لها، وتأقلموا معها، وخرجوا من دائرة الخجل والنقمة والاكتئاب التي قد تصيبهم في بداية الإصابة.

البيئةُ المحيطةُ تعاملت مع هذه الفئة من المجتمع بالكثير من التقدير والاحترام، إلا أنّ المساعدة الفعلية لهم يمكن القول عنها أنّها محدودةً أو لم تصل إلى الشكل المطلوب، فمن ضحى بجزءٍ من جسده من أجل وطن يعيش فيه الجميع، من واجبهم أن يقدموا له المساعدات المعنوية والمادية كلٌّ حسب مكانته ودوره، وأن يكرّم في كلّ مناسبة، وأن تفكرَ الجهات المعنية بتخصيصِ يومٍ أو عيدٍ لهم، حتى لا ننسى فضلهم أبداً.