سعياً لإنتاجِ جيلٍ مثقفٍ ومتوازنٍ في كلّ مناحي الحياة، وتأكيداً على فكرةِ توجيهِ الأطفالِ منذُ نعومةِ أظفارِهم نحوَ التخصص الذي يجدونَ فيه تحقيقَ ذاتهم وميولهم، وتأهيلهم بشكلٍ جيدٍ لدخول سوقِ العمل مستقبلاً، وُلِدَ مشروعُ "الجامعي الصغير" ليمهدَ الطريقَ أمامَ فئاتِ الأطفال المختلفة لتطويرِ قدراتِهم وتحقيقِ ذاتهم.

مدوّنةُ وطن" eSyria" التقت بتاريخ 15 أيلول 2019 الباحثةَ "فاتن الملا حمود" صاحبةَ الفكرة ومديرة المشروع التي قالت: «لأنّي أعمل كمدربة تنمية بشرية وبرمجة لغوية عصبية وحساب ذهني معتمدة، كان احتكاكي مع الأطفال بشكل مباشر، ومن هنا أتت فكرة البرنامج الذي بدأ منذ أربع سنوات تقريباً ويعدُّ الأوّل من نوعه على مستوى "سورية"، وحققنا نتائج رائعة نالت إعجاب أهالي الأطفال ما شجعنا على توسيع المنهج وتعميمه ليطال أكبر شريحة ممكنة، وبالنسبة لآلية البرنامج فشعاره هو (التعلم باستمتاع يحوّل الفشل إلى إبداع)، وهو برنامج تعليمي تدريبي للأطفال واليافعين يطبّق من خلال دورات نوعية هادفة علمية وعملية وبشكل مبسّط وسهل وممتع يتناسب مع المرحلة العمرية عن طريق اللعب والمرح ويمنح شهادات معتمدة وموثقة».

حلمي أن أصبح كابتن طيار، وعن طريق الصدفة سمعت بإعلان عن دورة (الكابتن الطيار) التي تعدّ إحدى دورات برنامج "الجامعي الصغير" فحضرت الندوة التعريفية وبعدها التحقت بهذه الدورة وقد تعرفنا من خلالها على أجزاء الطائرة بالتفصيل وكيفية عملها، وكيف نتعامل مع حالات الطوارئ، وكيف يتمّ التعامل مع قيادة الطائرة أثناء الإقلاع والهبوط، وكيف يتمّ التواصل بين برج المراقبة والكابتن، وكلّ التفاصيل المتعلقة بالطيران، وقد كانت دورة ممتعة اكتسبنا من خلالها معلومات قيمة تساعدنا مستقبلاً إذا قررنا أن نتابع الدراسة في هذا التخصص

وتابعت "حمود": «البرنامج يتضمن شقين: بنائي ومعرفي، الشق البنائي نعمل عليه فيما يتعلق بالبناء النفسي والاجتماعي للطفل وصعوبات التعلم والذكاء العاطفي والضبط الذاتي والأخلاقي، فعلى سبيل المثال فيما يخص البناء الاجتماعي فيتضمن بناء الشخصية وإعداد المدرب (الكوتش الصغير) بما يمكّن الطفل في مرحلة عمرية مبكرة بأن يدرب المراحل العمرية الأصغر منه على المهارات والقدرات التي يتمتع بها، وهذه الدورة بعيدة عن التلقين النظري وتخضع للتطبيق العملي، والاختبار الخاص بهذه الدورة يكون ضمن المراكز الثقافية وأمام جمهور حقيقي للتأكد من المُخرَج وبأنّ الطفل قد اكتسب المهارات المرجوة كالاتصال مع الآخرين والقدرة على الإلقاء والارتجال أمام جمهور كبير وكيفية التعامل مع المواقف الصعبة، وبالنسبة للشق المعرفي فنعمل من خلاله على محو الأمية التكنولوجية الجامعية -إن صح التعبير- من خلال تعريف الطفل على كلّ التخصصات الجامعية من الداخل كمرحلة أولى ونمنحه شهادة (جامعي عام)، والمرحلة الثانية أن يمتلك شهادة (جامعي تخصصي صغير)، نساعده على أن يختار تخصصه حسب شغفه وقدراته وأنماط الذكاء المتعددة عنده بحيث يكون متأكداً من أنّ هذا الاختصاص يناسبه بشكل كامل بما يُكسِبه الوقت الذي قد يضيع ليكتشف التخصص الجامعي الذي يناسب قدراته وإمكاناته، وكذلك يتضمن الشق المعرفي محو الأمية التكنولوجية والفكرة منه جعل الأطفال معاصرين لكل التكنولوجيا والعلوم الحديثة مثل علم (النانو والميكاترونكس ومحاكاة الطبيعة) ولو بشكل مبسط بما يساعدهم على البناء المجتمعي المستقبلي، فضلاً عن تضمن هذا الشق دورات في التفوق والريادة المستدامة ودورات الباحث العلمي والمخترع التقني والكابتن الطيار الصغير، ودورات توعوية وتدريبية للأهالي للتعامل مع الأطفال واليافعين، وإعداد الطالب الجامعي التخصصي كمدرب أطفال محترف متخصص بفرعه من قبل خبراء مختصين، أما بالنسبة للفئات العمرية التي يستهدفها هذا البرنامج فهي تشمل فئة الطفولة المبكرة من عمر 5-8 سنوات الهدف منها هو برمجة عقل الطفل لجعله على درجة معينة من التفوق والإبداع والحس الثقافي عبر احتكاكه مع الأطباء والمهندسين والباحثين ليرى نفسه من خلالهم، والفئة الثانية هي فئة الأطفال من عمر 9-12 سنة حيث يمتلك فيها الطفل شهادة الجامعي العام ويتلقى المعرفة بشكل مبسط وممتع واستقصائي حيث يبحث في هذه المرحلة العمرية عن المعلومة وكيف يصل من خلالها إلى الإبداع والابتكار، أما الفئة الثالثة فهي فئة اليافعين من عمر 13-17 سنة فهو تخصصي في الفرع الذي وجد نفسه فيه من خلال المرحلة السابقة ومستمتع به ويبحث فيه كباحث، فمثلاً لو كان كيميائياً سنستمر في تلقينه المنهج الكيميائي بالتعاون مع جامعة "دمشق" بشكل سلس وتتابعي عبر مستويات متتالية».

خلال التدريب

وفي حديثها عن ميزات البرنامج واستراتيجيته ورسالته أكملت "حمود": «ما يميز البرنامج بدايةً هو أنّ فريق العمل مكون من نخبة من التخصصيين في كلّ المجالات التي يعنى بها البرنامج، فضلاً عن اعتمادنا أحدث الأساليب العلمية المنهجية بما يحقق الغايات المرجوة، أما استراتيجية البرنامج فهي الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والمنظمات الدولية، والتعاون والتنسيق مع كلّ الجهات المعنية، وبناء علاقات قائمة على الثقة والمعرفة المتبادلة، أما رسالتنا فهي الاستثمار الإنساني والفكري في الأطفال واليافعين وتقديم المعونة لهم لاستثمار وقتهم المهدور وطاقاتهم العالية بشكل مفيد وهادف وتوجيههم لاختيار تخصصهم الجامعي باستمتاع وتميز بما يجعلهم على قدرٍ عالٍ من الكفاءة أثناء توجههم مستقبلاً إلى سوق العمل».

"غالية الحبال المجلد" مهندسة ومدرسة في كلية الهندسة المدنية قالت: «يعنيني هذا المشروع من جانبين، الجانب الأول كوني تعلمت أساسيات العمل ضمن فريق المشروع ورأيته يناسب اهتماماتي، والثاني أنّني طبقت المنهج المتبع في المشروع على أطفالي، فهو يحمل فكرة جديدة تحاكي تجارب الدول المتقدمة، حيث يستثمر الطلاب إنسانياً وفكرياً ويجنبهم هدر الوقت والطاقة، ويوجههم نحو نقاط معينة حسب رغباتهم وفي أي مجال يريدون التخصص بشكل ممتع، بما يمكننا من بناء طفل متوازن نفسياً اجتماعياً وعاطفياً، وقادر على تجاوز نقاط ضعفه فيما يخص دراسته وغير ذلك الكثير، وبرأيي أنّ هذا البرنامج هو برنامج سهل وتفاعلي ومهم جداً خاصة في مرحلة الأزمة التي نعيشها حيث نحتاج إلى إعادة بناء فئة الأطفال نفسياً واجتماعياً بشكل سوي وصحيح لتجاوز آثار الحرب التي ظهرت بشكل واضح وجلي على الفئات العمرية الصغيرة».

من مشاركة الأطفال بمعرض دمشق الدولي

"بدر الطير" أحد اليافعين الذين خضعوا لدورة يشملها المشروع وهي دورة (الكابتن الطيار) قال: «حلمي أن أصبح كابتن طيار، وعن طريق الصدفة سمعت بإعلان عن دورة (الكابتن الطيار) التي تعدّ إحدى دورات برنامج "الجامعي الصغير" فحضرت الندوة التعريفية وبعدها التحقت بهذه الدورة وقد تعرفنا من خلالها على أجزاء الطائرة بالتفصيل وكيفية عملها، وكيف نتعامل مع حالات الطوارئ، وكيف يتمّ التعامل مع قيادة الطائرة أثناء الإقلاع والهبوط، وكيف يتمّ التواصل بين برج المراقبة والكابتن، وكلّ التفاصيل المتعلقة بالطيران، وقد كانت دورة ممتعة اكتسبنا من خلالها معلومات قيمة تساعدنا مستقبلاً إذا قررنا أن نتابع الدراسة في هذا التخصص».

أثناء التدريب على اختصاص الكابتن الطيار