تنوّع عطاء المربيّة "سهام محمود عمران" وإبداعُها بين مشاركتها بالأولمبياد العلمي للمدرسين، وتحقيقها مراكز متقدمة لأكثر من مرة، وبين تقديمها لرسالتها الإنسانية في التدريس بكلِّ صدقٍ وأمانةٍ بهدف خلق جيلٍ واعٍ يعرف ما يريد.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 16 تشرين الأول 2019، المربية "سهام محمود عمران" التي تحدثت عن طفولتها ومراحلها التعليمية والعملية بالقول: «في حي "باب سباع" بمدينة "حمص" وفي عام 1961 أبصرت عيناي النور، فعشت طفولتي وترعرعت في هذا الحي ضمن خليط اجتماعي متنوع بعاداته وتقاليديه، فدرست المرحلة الابتدائية بمدرسة مقتطعة من كنيسة بـ"باب سباع"؛ وبالرغم من أن معلمتي كانت من عائلة محافظة، فقد كانت تكافأ الطلاب المتفوقين بحضور إكليل بالكنيسة، فكانت هذه الطريقة حافزاً لنا لكي نتفوق وننجح، كما شاركت بالجمباز بالمرحلة الابتدائية، وتأهلت للمشاركة في بطولة بالجمباز في الجزائر لكن أهلي لم يوافقوا على إرسالي باعتبارنا من العائلات المحافظة في "حمص".

هي من المدرسات المتميزات اللواتي تركن بصمة مهمة بحياتي، فهي بالنسبة لنا منبع قوة وعزيمة، وشمس نستمد منها الأمل بالمستقبل والإصرار على النجاح والتميز، فهي دائماً تكون بالمخبر تحضر للتجارب التي ستعطيها لنا خلال الحصة الدرسية، وتقدم المعلومة بأكثر من طريقة مبسطة وسهلة، إضافة إلى أنها لم تبخل علينا كطلاب بمعلوماتها التي كانت عوناً لنا في دراستنا، وذلك من خلال المتابعة الدائمة لنا أثناء الحصة الدرسية وبعدها، وتشعرنا بقيمتنا وتعزز الثقة بقدراتنا وإمكانياتنا العلمية، ولا تزال حتى اللحظة تقدم العون والمساعدة العلمية لطلابها

بعد أن حصلت على الشهادة الثانوية كنت أرغب بدراسة الهندسة المدنية؛ ولكنني تزوجت بعمر الـ18 فسجلت فيزياء كون الكلية لا تحتاج إلى دوام يومي، وأنجبت أطفالي وأنا أدرس، لكن ذلك لم يثنيني عن المتابعة والاستمرار بالدراسة، وتخرجت في عام 1979، وتعينت بالتدريس كمدرسة للفيزياء.

أثناء تكريمها في الأولمبياد العلمي الخامس للمدرسين من قبل وزير التربية

بعد عدة سنوات فتحت دورات في وزارة التربية للتعلم على الكمبيوترات بهدف إدخال التعليم بالطريقة التفاعلية عبر الحاسوب داخل القاعات الدرسية، فسجلت بها وتعلمت مهارات الحاسوب، وامتلكت أساسيات البرمجة، وبعد إنجاز الدورة احتفظوا بي لإعطاء مادة المعلوماتية بالمدارس، لكنني لم أجد نفسي إلا بتدريس مادة الفيزياء التي أحببتها، فعدت بعد جهد طويل إلى تدريس مادة الفيزياء، وحاولت استثمار مهاراتي بالحاسوب لإعطاء دروس تفاعلية ضمن القاعات الصفية، وقد أعطت تفاعلاً كبيراً مع الطلاب، بالإضافة إلى امتلاكي مهارات بالخياطة والكروشيه، وكنت أصمم ملابس بناتي بالبداية والآن حفيداتي».

وعن مشاركتها بالأولمبياد العلمي للمدرسين قالت: «بدأت رحلتي مع الأولمبياد العلمي منذ عام 2015، فقد أحببت أن أخوض تجربة جديدة وفريدة بحياتي، فتقدمت إلى الأولمبياد العلمي فئة المدرسين باختصاص فيزياء؛ حيث بدأت بصقل معلوماتي بالبحث عن مصادر وكتب أجنبية بمجال الفيزياء خارج إطار المنهاج التدريسي بهدف البحث عن أصل القوانين والأفكار وتطوير مهاراتي العلمية بشكل يمكنني من اجتياز مراحل الأولمبياد بنجاح؛ وبالإصرار والاجتهاد استطعت تحقيق المركز الأول بالمرحلة الأولى على مستوى مدينة "دمشق"؛ ولكنني لم استطع المشاركة بالمرحلة النهائية بسبب سفر ابني إلى "اليابان" للدراسة.

في عام 2017 شاركت للمرة الثانية، وحققت المركز الثاني على مستوى "دمشق، وفي عام 2019 شاركت للمرة الثالثة، وحققت المرتبة الأولى على مستوى "دمشق"، والمرتبة الثانية على مستوى القطر، حيث كان عدد المشتركين حوالي ثلاثمئة مدرس، بالإضافة إلى أن هذه التجربة كانت ممتعة ومفيدة بآن واحد، فقد أغنت مهاراتي ومعلوماتي بمجال الفيزياء، وأضافت لمسيرتي العلمية الشيء الكثير؛ ومكنتني من شرح مادة الفيزياء لطلابي بطريقة مبسطة وصحيحة تحمل في طياتها مفاهيم التفكير الصحيح، وإعطائها بطريقة مبتكرة ومميزة، وخصوصاً أن طبيعة المسائل بالأولمبياد كانت صعبة جداً لا تتناسب مع الوقت المخصص لحلها، حيث كان مدة الفحص ثلاث ساعات».

وعن مهنة التدريس قالت: «هي رسالة إنسانية مقدسة تحمل في فحواها العطاء بهدف إيصال رسالة العلم والمعرفة وزرع بذور الخير والعلم في نفوس أبنائنا لإيصالهم إلى الطريق الصحيح وتحقيق مستقبلهم، فكنت شغوفة لدخول هذا المضمار، واستطعت أن أعلم طلابي مادة الفيزياء وأفيدهم بمعرفتي وثقافتي، فلم أكن مجرد مدرسة تعطي درسها فقط من دون متابعة نتائج الطلاب الملموسة، بل كنت أشعر بالمسؤولية تجاههم باعتبارهم أمانة لدي؛ ولا بدّ من مساعدتهم لبناء مستقبلهم بكل أمانة وصدق، كما تربطني بطالباتي علاقة الاحترام المتبادل وخصوصاً أنّ الاحترام والمحبة هما الطريق إلى قلوب وعقول الطلبة، وينعكسان إيجاباً عليهم، فكل ما أقدمه لهم في المجال التعليمي من علم ومعرفة، كان مترافقاً بالحب والاحترام، وهذا له انعكاسات إيجابية على حياتهم الاجتماعية، فالمحبة التي أمنحها لطلابي تشعرني بالسعادة، وخصوصاً عندما أقدم علمي ومعرفتي لهم، وأحصد النتائج بتفوقهم واجتهادهم واحترامهم لي، لذلك أندفع بتلقائية عندما أدرك أنني قادرة على منح أي شيء من فكري وعلمي لهم، فالطالب بالنسبة لي كالجوهرة الثمينة التي تصقل ليس فقط بالعلم والمعرفة وإنما أيضاً بالمحبة والاحترام الذي نحن بحاجة إليه كثيراً في أيامنا هذه».

من تصميماتها وخياطتها لحفيداتها

الدكتور "عقيل سلوم" عضو اللجنة المركزية للأولمبياد العلمي باختصاص الفيزياء، قال عن المربية "سهام عمران": «اتصفت بالإصرار والمثابرة على تحقيق النجاح، فقد صممت على الفوز بالأولمبياد العلمي منذ دخولها مضماره، وتحدت كل الظروف التي واجهتها، واستمرت بالمشاركة لعدة دورات متتالية بهدف الفوز وتحقيق طموحها، وبالفعل استطاعت أن تحقق المركز الأول على مستوى "دمشق" والمركز الثاني على مستوى القطر، بالرغم من أن مسائل الأولمبياد كانت صعبة تحتاج إلى الدقة بالمعلومة والسرعة في الحل بآنٍ واحد، ولا بدّ للمدرس لكي يحقق النجاح في هذا الاختبار، أن يكون ملمّاً بأمور الفيزياء وعلومها، وليس فقط الاعتماد على الكتب المدرسية التي يعطيها خلال الحصة الدرسية».

"رانيا سليمان" إحدى طالباتها قالت: «هي من المدرسات المتميزات اللواتي تركن بصمة مهمة بحياتي، فهي بالنسبة لنا منبع قوة وعزيمة، وشمس نستمد منها الأمل بالمستقبل والإصرار على النجاح والتميز، فهي دائماً تكون بالمخبر تحضر للتجارب التي ستعطيها لنا خلال الحصة الدرسية، وتقدم المعلومة بأكثر من طريقة مبسطة وسهلة، إضافة إلى أنها لم تبخل علينا كطلاب بمعلوماتها التي كانت عوناً لنا في دراستنا، وذلك من خلال المتابعة الدائمة لنا أثناء الحصة الدرسية وبعدها، وتشعرنا بقيمتنا وتعزز الثقة بقدراتنا وإمكانياتنا العلمية، ولا تزال حتى اللحظة تقدم العون والمساعدة العلمية لطلابها».

يذكر أن "سهام عمران" متزوجة ومقيمة في "دمشق" .