ضمنَ أجواءٍ ثقافيّة ونفسيّة تمنح الهدوء للزائر، تمكّن "برنار جمعة" من إيجاد رؤيا جديدة فيها نوعٌ من الخصوصية وتعبر عن جزء مهم من رحلة حياته الزاخرة بالعلم والإبداع، تكمُن في ربط المكان بالكتب والأفكار القيّمة، لنشر مفاتيح الحضارة والوعي المجتمعي.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت "برنار جمعة" بتاريخ 25 تشرين الأول 2019 ليتحدث عن حياته وشغفه بالثقافة وحبّ الاطلاع قبيل التفكير بافتتاح مقهى "زرياب" في "دمشق" القديمة بالقول: «أعتقد أنّ حديث البدايات له الكثير من الشجون، حيث إنّ الظروف لم تتح لي أن أتعلَّم بشكل طبيعي مثل بقية أقراني، لكنها كانت رغبة كبيرة لي أن أحصل على المعرفة، بغض النظر عن الشهادات الأكاديمية والعلمية، مع إيماني طبعاً أنّ الثقافة ليس لها علاقة بالدرجة العلمية ولا حتى بالتحصيل الأكاديمي، والمعرفة تأتي عبر ما يكتسبه المرء من تجارب شخصية، بمعنى أنّني دائم الأسئلة ومثابرٌ في الحصول على إجابات وتشكيل قناعات، وهذا ما دفعني للبحث والقراءة ومتابعة كل ما له علاقة بشؤون الثقافة من موسيقا وأفلام ومسرحيات وغير ذلك من نشاطات ساهمت في بناء وعيي الشخصي، وجعلتني ما أنا عليه الآن، سفري إلى عدد من الدول الأوروبية جعلني أطّلعُ على طريقة عيش الأوروبيين وأسلوب تفكيرهم وكيف يملؤون وقتهم بما هو مفيد وممتع معاً، ولفتني وجود أماكن تندرج تحت مسمى (المقاهي الثقافية)، وعندما أتاحت لي ظروفي سعيت لتأسيس ما يشبه تلك المقاهي، وجاءت تسمية "زرياب" لقدرة هذا الموسيقي على التأثير بالغير، وفرض رؤاه على الآخرين، وجعلهم يملؤون فراغهم بما هو ثمين، ومن هنا بدأت فكرة مشروعي، بأن أحتضن الآخرين وأعطيهم شيئاً يفيدهم، عبر موسيقا من نمطٍ معين، وعرض أفلام تحرض على التفكير، وهدفي مساعدة الشباب من خلال ورشات تهمهم، سواء ما له علاقة بالتصوير الضوئي، أو مسابقات لألعاب شعبية كالبرجيس والطاولة والشطرنج وغيرها، بحيث لا يكون الموضوع مجرد قهوة وشاي ونرجيلة، بل هناك إمكانية لقراءة كتاب من مكتبة المقهى، وإنشاء حوارات ثقافية مع مرتاديه، وغير ذلك الكثير، وحرصت أن تكون العلاقة مع زوّار المقهى تتجاوز مجرد زبون مع صاحب محل، وإنما صداقة قابلة للتطور والتعمق باستمرار».

أعرف "برنار جمعة" منذ حوالي ثماني سنوات، هو يجسد حالة مجتمعية مؤثرة في الثقافة الشعبية، فهو يقدم نفسه على أنه جزء من الشارع والناس والأصدقاء، وبالوقت ذاته يطرح في مشروعه حالةً تجمع بين المتعة والمهنة، من خلال مكانه وعمله الذي يجني منه خبز يومه، من ناحية أخرى يعكس المقهى أجواء الاستمتاع في هذا العمل اليومي، عبر مشاركة الموجودين في المقهى الذي تحوّل بطريقة أو بأخرى إلى شيء آخر، توجد فيه خصائص المقهى ولكن بصبغة ثقافية، لا يتردد "أبو بحر" في فتح باب مساحته لأيّ نشاطٍ شبابي يهدف لنشر الثقافة ولا تفارق البسمة وجهه حين يتنقل من طاولة إلى أخرى ليشعر الموجودين بأنهم مقربون وأصدقاء، هو شخصية ملهمة، مثقفة، واستطاعت أن تتجاوز الكثير من التحديات المختلفة وصعوبات الحرب خصوصاً، ولا يمكن أن ننسى دور زوجته "رغد الجرمقاني" والتي حققت مقولة وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة

وحول نشاطاته الثقافية بشكل عام والأسلوب الأمثل للتشجيع على القراءة والبحث وما هي أهم ما يسعى إليه في الوقت الحالي في حياته الثقافية تابع "برنار" حديثه قائلاً: «طالما استطعت إيجاد المناخ الصحيّ الملائم، فإنّ كلّ شيء بعده يأتي تلقائياً، من خلال "زرياب" فتحتُ باباً لتشكيل العديد من الفرق الموسيقية التي انطلقت حفلاتها من المقهى وباتت معروفة وأسماء أعضائها لهم بصمتهم في الساحة الفنية السورية والعربية، ومن أصدقاء المقهى مثقفون يساهمون بتكريس ثقافة القراءة وحب المعرفة، وهناك ملتقيات شعرية أنتجت أكثر من كتاب في "زرياب" كان آخرها بعنوان "متحف الأنقاض" لمجموعة شعراء شباب كتبوا عن الحرب، وبالمقابل مستمر في جميع نشاطاتي المعتادة، مع السعي الدائم لتطوير عمل المقهى، والتفكير بصوت عالٍ لجذب شباب لديهم كل الإمكانات والمواهب ولا يجدون من يسمعهم ويحتضنهم، لذلك نكون نحن ضالتهم المنشودة، سواء أكانوا موسيقيين، شعراء، رسامين أو غير ذلك، إضافة إلى مجموعة من النشاطات المجانية للأطفال مما تتيحه المساحة الصغيرة للمقهى، وقدرتي على مواصلة العمل، ولا سيما أنّ هدفنا هو الإنسان السوري وبناؤه فكراً ومعرفةً، وبما أنني لا أقدم سوى النشاطات الثقافية، فعليَّ أن أعيش وأن أدافع عن مشروعي بمشروعي، بمعنى أن ما أجنيه من عمل ينشر الثقافة دائماً ما يكون داعماً أساسياً لبقية النشاطات فيما بعد».

فعالية البطولة العربية لطاولة الزهر برعاية الإتحاد الرياضي

الإعلامي "بديع صنيج" صديقه تحدث عن مكانة ما صنعه "برنار" منذ بدء مشروعه الثقافي في المقهى إلى الآن بالقول: «الجميل في برنار عصامِيَّتُهُ الثقافية إذ بنى نفسه بنفسه على المستوى المعرفي، ويميّزه على الدَّوام تنامي وعيه وصوابية الشمال المغناطيسي لبوصلته، فهو من المثقفين المنتمين قلباً وقالباً لقضايا شعبه، فعلى الرغم من أنه أتيح له كثيراً السفر خارجاً، إلا أنه آثر البقاء في ظل الأوقات الصعبة للبلد، فجُلّ اهتمامه كان منصباً في مشروع "زرياب" الذي يتجاوز فكرة المقهى التقليدي بمراحل، إلى احتضانه قدر الإمكان الشباب في زحمة الحرب ومنغصاتها، كحاضنة ثقافية قادرة على بثّ الجَمال والوعي وتوفير كمّ كبير من الفائدة وتعديل المَسار، إذ آمن "برنار" منذ البداية بأنه لا بُدَّ من أن يُساهم اجتماعياً في التقليل من آثار الحرب ولفت النَّظر إلى مكامن الجَمال، والتركيز على تحصين جيل بأكبر قدر ممكن من الحُبّ، ليس على الصعيد النَّظري وإنما بالتزام كامل وتبنٍ حقيقي لفكرة بأن يكون مُغايراً وليس تقليدياً البتّة، صحيح أنه يُقدِّم النرجيلة في المقهى، لكنه يرفِقُها بموسيقا راقية تتغلغل إلى لا وعي روَّاد "زرياب"، وإلى جانب القهوة والشاي وبقية المشروبات فإنه يُبادل أصدقاء مقهاه الأفكار، وفق هذه الرؤية بنى "برنار" مشروعه الثقافي القائم على العطاء المُتبادل من دون أن يبخل بشيء، وأكبر دليل أنه لم يركز على الجانب التجاري هو تبنيه لإصدارات أدبية، وفسح المجال أمام العديد من الفرق الموسيقية لتتخذ من المقهى مكاناً للتدريبات. ببساطة "برنار" مثال لصاحب مشروع واءَمَ بين فكرة المقهى والثقافة لدرجة أنه بات مرجعية في هذاالموضوع».

"ماهر المونس" الإعلامي من رواد المقهى تحدث عن فرادة "برنار" في عمله الثقافي والمميز اجتماعياً بالقول: «أعرف "برنار جمعة" منذ حوالي ثماني سنوات، هو يجسد حالة مجتمعية مؤثرة في الثقافة الشعبية، فهو يقدم نفسه على أنه جزء من الشارع والناس والأصدقاء، وبالوقت ذاته يطرح في مشروعه حالةً تجمع بين المتعة والمهنة، من خلال مكانه وعمله الذي يجني منه خبز يومه، من ناحية أخرى يعكس المقهى أجواء الاستمتاع في هذا العمل اليومي، عبر مشاركة الموجودين في المقهى الذي تحوّل بطريقة أو بأخرى إلى شيء آخر، توجد فيه خصائص المقهى ولكن بصبغة ثقافية، لا يتردد "أبو بحر" في فتح باب مساحته لأيّ نشاطٍ شبابي يهدف لنشر الثقافة ولا تفارق البسمة وجهه حين يتنقل من طاولة إلى أخرى ليشعر الموجودين بأنهم مقربون وأصدقاء، هو شخصية ملهمة، مثقفة، واستطاعت أن تتجاوز الكثير من التحديات المختلفة وصعوبات الحرب خصوصاً، ولا يمكن أن ننسى دور زوجته "رغد الجرمقاني" والتي حققت مقولة وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة».

مع الروائي خليل صويلح أثناء إصدار المجموعة الشعرية متحف الأنقاض

يذكر أنّ "برنار جمعة" من مواليد 1978 مقيم في "دمشق".

مع صديقه وافي العباس من فرقة سفر الفنية