تمّ إصدار أوّل عملةٍ ورقيّة في "سورية" من قبل البنك المركزي بفئات خمسةِ قروش وخمسةٍ وعشرين قرشاً وخمسين قرشاً وليرةٍ واحدةٍ وخمسِ ليرات عام 1919، وكانت هذه الأوراق مكتوبةً باللغة الفرنسية، وتحمل في مضامينها العديد من الآثار السورية القديمة من حقب مختلفة، وقد استمرت الكتابة على هذا النحو باللغة الفرنسية حتى مطلع العام 1958، إذ تمّ بعد ذلك تغيير الكتابة إلى اللغة الإنكليزية مرافقة للغة العربية، وطبعت الأوراق النقدية الجديدة بفئات ليرةٍ واحدةٍ وخمسِ ليرات وعشرِ ليرات وخمسٍ وعشرين ليرة وخمسين ليرة ومئة ليرة وخمسمئة ليرة، وقد توشّحت هذه الإصدارات بعبق التراث السوري الجميل متعدد الجوانب.

هذا ما قاله "محمد فياض الفياض" باحث التراث الشعبي لمدوّنة وطن "esyria" عن العملات الورقية التي تعدُّ وثيقةً مهمةً لصون وحماية التراث الثقافي بشقيه المادي واللا مادي.

وفي الأعوام 1976 و1977 تغيرت تصاميم الأوراق النقدية ما عدا الورقة النقدية ذات قيمة الخمسمئة ليرة سورية، وأخذت تشكّل هذه الأوراق النقدية حالة من الذوق الفني العريق، إذ توشحت معظمها بالكثير من الأوابد الأثرية لسائر المحافظات السورية ونذكر من هذه الآثار العريقة؛ آثار "تدمر" ولا سيّما "قوس النصر" ومدرج "بصرى" وأبجدية "رأس شمرا" و"قلعة الحصن" و"قلعة حلب" ونواعير "حماة" و"قصر العظم" و"مسجد بني أمية الكبير"، إضافة إلى اللقى الأثرية نحو؛ آلهة النصر وآلهة الينبوع وأورنينا وفيليب العربي، وبعض الرقيمات المعمارية من "إيبلا"، وكذلك اللوحات الفسيفسائية التاريخية وبعض المسكوكات النقدية التاريخية النادرة مثل الدينار العربي الأول وكذلك الدرهم الإسلامي الأول. وهذا يدل على أنّ "سورية" ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا اعتمدت منهجاً توثيقياً مهماً في تضمين قطعها النقدية توشيحات لأهم الأماكن الأثرية والمشيدات المعمارية، بالإضافة إلى بعض اللقى الأثرية ذات الدلالات المهمة

ويوضح "الفياض" أنّ "سورية" حرصت على توثيق تراثها الثقافي المادي واللا مادي من خلال عملاتها ومسكوكاتها المعدنية والورقية، وقد كان التألق في توشيحات العملات الورقية منذ العام 1919، وفي العام 1958، أصدر البنك السوري قطعاً نقدية جديدة، تضمنت قيماً ثقافية جمالية إلى جانب التاريخ المعماري والآثاري العريق، ألا وهو المنتج الاقتصادي السوري ذائع الصيت: القطنُ ذو السمعة الطيبة في عالم المنافسة الاقتصادية، والذي يشكّل قيمةً ماديةً ومعنويةً في تاريخ الاقتصاد السوري، إضافة إلى كونه يدخل في عالم النسيج متعدد الجوانب، فكان هذا المنتج الزراعي يتوشح كل العملات السورية الورقية.

باحث التراث الشعبي "محمد فياض الفياض"

ويضيف "الفياض": «وفي الأعوام 1976 و1977 تغيرت تصاميم الأوراق النقدية ما عدا الورقة النقدية ذات قيمة الخمسمئة ليرة سورية، وأخذت تشكّل هذه الأوراق النقدية حالة من الذوق الفني العريق، إذ توشحت معظمها بالكثير من الأوابد الأثرية لسائر المحافظات السورية ونذكر من هذه الآثار العريقة؛ آثار "تدمر" ولا سيّما "قوس النصر" ومدرج "بصرى" وأبجدية "رأس شمرا" و"قلعة الحصن" و"قلعة حلب" ونواعير "حماة" و"قصر العظم" و"مسجد بني أمية الكبير"، إضافة إلى اللقى الأثرية نحو؛ آلهة النصر وآلهة الينبوع وأورنينا وفيليب العربي، وبعض الرقيمات المعمارية من "إيبلا"، وكذلك اللوحات الفسيفسائية التاريخية وبعض المسكوكات النقدية التاريخية النادرة مثل الدينار العربي الأول وكذلك الدرهم الإسلامي الأول.

وهذا يدل على أنّ "سورية" ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا اعتمدت منهجاً توثيقياً مهماً في تضمين قطعها النقدية توشيحات لأهم الأماكن الأثرية والمشيدات المعمارية، بالإضافة إلى بعض اللقى الأثرية ذات الدلالات المهمة».

أجمل قطعة نقدية "فئة الخمسمئة ليرة سورية"

من جهته، يقول "يعرب العبد لله" مدير متحف "دمشق" الوطني سابقاً، إنّ "سورية" أرادت أن تكون إصدارتها الجديدة أكثر عمقاً في التصميم والاختيار الدقيق للأوابد الأثرية والتنوع في الرسوم والتوثيق، إذ كانت فئة الخمسين ليرة الورقية تتضمن في مضامينها رقيمين طينيين، الخلفي رقيم مقطعي من "إيبلا" والأمامي الرقيم الأبجدي المشهور من "أوغاريت"، أما الوجه الخلفي فنجد فيه مشهد مكتبة "الأسد" والخلفية هي عبارة من "سورية" مكتوبة بخمس لغات قديمة متسلسلة وهي أوغاريتي وآرامي وتدمري وعربي جنوبي وعربي، وهذا الإصدار يرصد تطور الكتابة في "سورية" منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا.

أما فئة المئة ليرة، فقد تضمنت معلمين مهمين هما: "بصرى الشام" ومسكوكة قديمة تعود إلى الحقبة اليونانية، بالإضافة إلى خزنة "الجامع الأموي" أو بيت المال، وفي الوسط صورة لمصرف "سورية" المركزي، وهذا الإصدار يوثق تطور التعاملات المالية في سورية منذ القدم، بينما تضمنت فئة المئتي ليرة المعلم الشهير في "حماة" أي النواعير والوجه الخلفي تضمن قدس الأقداس بمعبد "بل" ويعد هذا الإصدار من الإصدارات المميزة.

"يعرب العبد الله" مدير المتحف الوطني بدمشق سابقاً

أما فئة الخمسمئة ليرة سورية، فقد احتوت على الرقيم الطيني لأقدم نوتة موسيقية وجدت في مملكة "أوغاريت" التاريخية، بالإضافة إلى لوحة "ميريامين" الفسيفسائية، والتي تعرض جوانب الحياة الاجتماعية والفنية في "سورية" بالقرن الرابع الميلادي، أما بالنسبة للوجه الأمامي من القطعة النقدية الورقية فعليها "دار الأوبرا"، وهذه القطعة تتحدث عن تطور الفن والموسيقا منذ العصور القديمة وحتى عصرنا هذا، كما حفلت القطعتان النقديتان الحديثتان من فئة الألف ليرة والألفين، الأولى على صورة الرئيس الراحل "حافظ الأسد" لفئة الألف، والثانية على صورة السيد الرئيس "بشار الأسد" لفئة الألفين، واحتوت أيضاً القطعتان على بعض الإشارات التراثية المعمارية المهمة في العصور القديمة والحديثة.

ويتابع: «وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين مهمتين في هذه الإصدارات؛ الأولى تتعلق بتضمين إحدى الوريقات النقدية من فئة الخمسمئة ليرة سورية إصدار عام 1998 قطعة أثرية مهمة من "الجولان" السوري المحتل وهي: "حسناء بانياس" والتي تعود إلى القرن الأول، وهي من مقتنيات متحف "دمشق" الوطني، وهي تمثال نصفي من البرونز بالحجم الطبيعي عثر عليها خلال أعمال التنقيب في "الجولان" السوري قبل الاحتلال عام 1965 في قرية "بانياس"، الثانية تتعلق بأجمل قطعة نقدية سورية على الإطلاق، إذ أجمع الكثير بأن أجمل قطعة نقدية ورقية على مستوى النقد العالمي هي تلك القطعة التي أصدرت لأول مرة في العام 1958، وصدر منها لاحقًا إصدارات عدة بتواريخ مختلفة كان آخرها عام 1992 لفئة الخمسمئة ليرة سورية، وهي موشحة برسم الآلهة "عشتار"، وموشحة أيضاً بوجه الأمير الكنعاني من مدينة "أوغاريت" في "رأس شمرا" وفي وسطها الربة "حتحور" تُرضع طفلين ملكيين، أما على الوجه الخلفي للقطعة النقدية فيظهر رقيم أبجدية "رأس شمرا"، وفي الوسط حشوة مستديرة مزخرفة برسوم حيوانية من آثار "أوغاريت" تعود إلى القرن 15 - 13 ق.م».

تمت اللقاءات بتاريخ 10 تشرين الثاني 2020.