لا يزال كثير منا، وحتى اليوم، يحفظ قصائد "سليمان العيسى" وقصص "المكتبة الخضراء"، لكن أدب الأطفال لم يبق على ما هو عليه، فقد شهد منذ ثمانينيات القرن الماضي تغييرات كثيرة، متأثراً بما يشهده العالم من تطورات تقنية وتكنولوجية.

تشكل القصة العمود الفقري لأدب الأطفال، وهي حسب الدكتور "آصف سليمان" بمنزلة"شيء من غذاء العقل والذوق عند الأطفال، وهي تتيح لهم أن يطوفوا على أجنحة الخيال في عوالم شتى، ويلتقوا بأعمال وشخصيات قد تشبههم أو قد يسعدهم التشبه بها، ويتعرفوا على قيم وحقائق جديدة، وهم شديدوا التعلق بها فهي تمسرح خيال الطفل".

أذكر في بدايات قراءاتي الطفولية سواءً مع مجلة "أسامة" أو قصص "المكتبة الخضراء" وغيرها، أن القصص الطفولية نجحت بالاستفادة من التراث بتسليط الضوء على ثنائية التضاد، أو المفارقة الفنية بين الخير والشر في سيرة "عنترة"، "الظاهر بيبرس"، "سيف بن ذي يزن"، "شهرزاد" و"السندباد البحري" حيث اجتمعت في شخصيات أبطالها إلى جانب الصفات الإنسانية جوانب سحرية خارقة ما جعل السيرة الشعبية تغدو مصدراً جيداً من مصادر ثقافة الطفل، والتي يمكن الاستفادة منها في تشكيل وجدان الطفل، أذكر منها "نمر فلسطين"، "عباس بن فرناس"، قصص "روبنسون كروزو"، و"حول العالم في ثمانين يوماً" وغيرها

وعن تجربته الشخصية يضيف في حديثه لمدوّنة وطن: «أذكر في بدايات قراءاتي الطفولية سواءً مع مجلة "أسامة" أو قصص "المكتبة الخضراء" وغيرها، أن القصص الطفولية نجحت بالاستفادة من التراث بتسليط الضوء على ثنائية التضاد، أو المفارقة الفنية بين الخير والشر في سيرة "عنترة"، "الظاهر بيبرس"، "سيف بن ذي يزن"، "شهرزاد" و"السندباد البحري" حيث اجتمعت في شخصيات أبطالها إلى جانب الصفات الإنسانية جوانب سحرية خارقة ما جعل السيرة الشعبية تغدو مصدراً جيداً من مصادر ثقافة الطفل، والتي يمكن الاستفادة منها في تشكيل وجدان الطفل، أذكر منها "نمر فلسطين"، "عباس بن فرناس"، قصص "روبنسون كروزو"، و"حول العالم في ثمانين يوماً" وغيرها».

من معرض كتاب الطفل

أدب الأطفال الحالي كما يرى "سليمان" يعاني من دور النشر التي في معظمها ذات نزعة تجارية بحتة، حيث يجري الاعتماد على شخصيات كرتونية لا تمثل قيماً معروفة، وفي جانب آخر نجد في بعضها التوافق مع الميول ومستوى التطور العقلي، اللغوي، والاجتماعي الذي يضع الطفل في عصره، وإعداد الجيل لعالم الغد والتعامل مع تكنولوجيا العصر بروح علمية، مع الحرص على تحقيق الانتماء للوطن والحضارة العربية والتراث، كما تعلّم الطفل قيمة النقد والابتعاد عن الأخذ بالمسلمات، ما يمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة.

*الأناشيد أيضاً

إلى جانب القصة في أدب الأطفال تحضر أيضاً الأناشيد، التي حسب ما تذكر "ضحى جواد"، وهي معلمة وكاتبة متخصصة بأدب الطفل، فهي في السابق كانت تتحدث عن الطفل بينما اليوم تتحدث في الغالب بلسان الطفل، مفرداتها سهلة مألوفة من محيط الطفل ومن قاموسه اللغوي، وإن للأنشودة، القصة والشعر الدور الأكبر في تربية وتعليم الطفل، فالطفل ينشأ على ما يرى ويسمع ويقرأ، وهي المكون السحري الذي من خلاله نمرر ما نريد أن نوصله أو نُكسبه للطفل من قيم متنوعة بطريقة جذابة محببة للطفل.

مجلة "حكايتي"

وتعتقد "جواد" أنّ الأدب الموجه للطفل يهذب النفس ويزيد من حسه الفني و الأدبي ويرتقي بالذائقة الجمالية لديه، ويوسع خياله، ويفتح أمامه نوافذ على عوالم ساحرة ملونة لا حصر لها، وأن الكتابة النمطية لم تعد مستساغة أو مقبولة في وقتنا الحالي لأن طفل اليوم على حد قولها ذكي جداً، لمّاح يملك رصيداً لغوياً ومعرفياً كبيراً مقارنة مع طفل الأمس، وبفضل الإنترنت أصبح منفتحاً على جميع الثقافات والحضارات ومُطلعاً على تجارب الآخرين، لذلك لم يعد يقبل النمطية والمباشرة في المواضيع بل وينفر منها، ومن خلال متابعتها لأدب الطفل سواء العالمي أو العربي ترى أن هنالك نقلة نوعية وحقيقية وهذا ما يبشر بولادة أنماط إبداعية جديدة أكثر انفتاحاً وجمالاً.

وهناك من المربين من يرى أن القصص الحالية تعلق بأذهان الطفل لاهتمامه بنهايتها بخلاف الأشعار، وأن الأناشيد تكاد تخلو من التوازن الموسيقي الذي كان موجوداً بالقديمة منها والتي ما زلنا نردد كلماتها حتى الآن، وأنه هناك صعوبة في حفظ الأناشيد الحالية، وتلمس ذلك "نجوى محمود سليمان" من خلال متابعة أولادها وتلاميذها.

الفنان "رامز حاج حسين"

من جهته الفنان "رامز حاج حسين" يبين في حديث خاص لمدوّنة وطن "eSyria" أن هناك معطيات تتعلق بكل جيل وهي تصب في أدب الأطفال، وأنه في السابق كانت مفردات أدباء الأطفال تتعلق بالطبيعة، بمعطيات تربوية وأخلاقية أكثر، أما اليوم مع ثورة التقنيات المهولة والتفاصيل التي دخلت حياة أطفالنا جعلت لزاماً على كل أديب أطفال أن يكتب من خلال هذه المعطيات، وأنه لكي ننجح في الوصول إلى الطفل يجب أن نأخذ منه، ولذلك أديب قصص الأطفال سابقاً وحالياً ومستقبلاً عليه أن يستقي معطياته من مفردات الأطفال ومن محيطهم، ويجب ألا ينفصل عن واقع الأطفال المحيط بهم، الذي يصادفهم في الشارع والمدرسة وفي كل مكان، ولا سيما أن ثورة المعلومات اليوم تشكل أكاديمية مفتوحة بالنسبة لأدباء الأطفال ليستقوا منها المفردات الطفولية المتداولة بين بعضهم البعض ليصيغوا منها حكايات ثم يقولبونها بطريقة أكاديمية، تربوية وتعليمية.

طفل انتقائي

وعن خصوصية أدب الأطفال منذ الثمانينيات وحتى اليوم ترى "سمارا حناوي" فنانة متخصصة بفن الطفل ورئيسة تحرير مجلة "حكايتي" أنه من خلال اطلاعها على المجلات القديمة والقصص العالمية مثل "سندريلا"، "سندباد"، "الشاطر حسن" سواءً أكانت مكتوبة، مصورة أو تم تحويلها لرسوم متحركة لا تزال عالقة في أذهاننا وجميعها يمتاز بخصوصية واحدة لأنها تناولت موضوعات تهم الطفل، تراعي خياله، وتعالج مشاكل مرّ بها وكان فيها الكاتب صديقاً للطفل وليس موجهاً له، بل قدم له رسائل حول قضايا محددة بشكل غير مباشر، وبطريقة محببة تناسب عقله، وأن هذا الحديث ينطبق على الأدب الموجه للطفل اليوم، على الرغم من أن القضايا أصبحت أكثر تشعباً، واختلاف الموضوعات بحكم اختلاف العصر ودخول عالم التقانات، وأصبحت هناك موضوعات أخرى تهم الطفل مختلفة عما كان سابقاً.

وتذكر "حناوي" أن طفل اليوم منفتح على العالم، أمامه خيارات عديدة، يستخدم الهاتف المحمول والحاسوب، وهو انتقائي إلى حدٍّ كبير وبالتالي لن تعجبه أي قصة، فلا بد لمن يكتب للطفل أن يكون صديقاً له، يتحدث عن قضاياه التي تهمه في هذا العصر دون توجيه مباشر، فهو يختلف عن طفل الثمانينيات في السابق الذي كان يستمع للقصة من والدته، يتصورها ويناقشها في عقله بينما اليوم تفاعل الطفل مع القصة والشعر أكبر من خلال الأغنيات والصور والفيديوهات.

وعن السمة الغالبة بين الإبداعية والنمطية تبين أنها لا يمكننا أن نحكم على أدب الطفل سواء في الماضي أو الحاضر بأحد هاتين السمتين لأنه هناك نصوص نمطية ومكررة في كل منهما، ولأن الإبداع لا يقتصر على زمان محدد، فهناك قصص قديمة لا تزال تعيش بيننا حتى اليوم وأخرى رغم عصر المعرفة لا تحقق الشرط الأدنى من الإبداع، مؤكدةً أن المسؤولية هنا تقع على كاتب الطفل أو الشخص الذي ينتقي النصوص بأن يختار منها ما يهم ويناسب طفل اليوم، وذلك بأن يضع نفسه مكانه أو يعود بخياله، عقله وروحه ويحاكي الطفل الذي بداخله لاختيار الأنسب، وإذا تحدثنا عن نصوص تربوية كما في مجلة "حكايتي" نستعين بأشخاص متخصصين في علم النفس.