"وإني وإن كنت الأخير زمانه/لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل...

كلما زرت بلدي الحبيب سورية توجهت إلى معرة النعمان قاصداً قبر الأديب الشاعر أبو العلاء المعري أترحم عليه وأحييه، فكم أفاض علينا بحور أدبٍ وكم أطربنا شعراً، كان ضرير البصر منار البصيرة، أنتم بإمكانكم أن تكونوا مثله تماماً"، كلمات خرجت من القلب لتبعث في نفوس المكفوفين الأمل رددها الدكتور كمال بو شامة منسق المحافظة في العاصمة الجزائرية أثناء افتتاح معرض المكفوفين الأول الفريد من نوعه للفنان السوري سعد شوقي، استرسل الحديث من بعده الدكتور أمين الزاووي مدير المكتبة الوطنية في الجزائر بقوله: كان لا يمكن تصور بتهوفن موسيقي كبير إلا أنه استطاع أن يكون اسما لا ينسى في عالم الموسيقا، أنتم كذلك (مشيراً للمكفوفين) بالإمكان أن يكون منكم الموسيقي والفنان والشاعر... بعدها تعالى صوت الفنان سعد منادياً: يا معشر الأدباء والكتاب والفنانين عندما يؤلف أحدكم كتاباً فإنه يفخر بترجمته لعدة لغات فلماذا لا يتباهى بترجمة عمله للغة (لوي براي) تلك اللغة التي يقرؤها كفيفو البصر...؟ فأنا متأكد لو كان عميد الأدب العربي الحديث طه حسين حياً لتهافت كل الأدباء لترجمة أعمالهم إلى لغة (لوي براي) ليقرأها طه حسين.

بصمت وحنين استعرض الفنان سعد شوقي ذاكرة لا شريطاً فحسب لفريق eDaraa أثناء زيارته لمنزله بعد عودته من رحلة عطاء استمرت أكثر من /27/ عاماً في الجزائر، استعرض شريط تسجيل لحفل افتتاح المعرض الذي أقيم في الجزائر تحت عنوان "أنت عيني" الذي اعتبره الفنان سعد واسطة العقد في سلسلة أعماله فكان لنا الحديث التالي مع سعد الإنسان والفنان في بلاد المغترب: إن كل عمل قدمته وسأقدمه ذو طابع إنساني بالدرجة الأولى أياً كان هدفه وأردت لسلسلة أعمالي أن تحمل هم ورغبة الشعوب في التلاقي والتلاحم لنصرة قضايا الأمة، وقد انطلقت في الكثير من أعمالي من خلال الحكمة التي تقول: وأمر الدنيا تحت شيئين سيف وقلم.. والسيف تحت القلم فكانت لغتها ابلغ من أية لغة. حمّلت كل منحوتة قدمتها هدفاً ولغة منها منحوتة الثور الذي يشير إلى خصوبة ارض الفرات في العراق يبدو في حالة غضب وقد ثار على الاحتلال، وهناك منحوتة (من زنوبيا) الإنسانة العربية التي وضعت أول أسس لدولة عربية قوية وقد وجهت رسائل لفتيات العرب لمقاومة الاحتلال تلقتها ميسون العراقية وسناء محيدلي وجميلة، وهناك منحوتات ذات طابع اجتماعي هادف منها منحوتة وشوشة تخص الفتيات وتبين حالة تجمع نسائي إحدى النساء أطالت الحديث ولم تلتفت إلى طفلها في حضنها الذي اخذ يشدها من الحايك ليثبت وجوده، أو (ما تضعه المرأة غطاء) فسحب عنها الحايك في هذه اللحظة التي صورتها بكل ما تحمله من دلالة، وهناك عمل يحمل اسم التضامن وآخر يحمل اسم حبيبتي فلسطين. قدمت معظم أعمالي في معرض أنت عيني الذي استمر التحضير له خمسة أعوام فكانت لحظة افتتاحه أجمل لحظات حياتي لحظة إنسانية ثقافية فنية. قدمت هذا العمل انطلاقاً من إيماني بقدرة المكفوف وصدق وقوة حاسة اللمس التي تحملها حرارة أيدينا، فما أجمل تلك اللحظة التي تتلامس فيها يد الشاب المكفوف مع يد المكفوفة، فتحية الشعوب تبدأ بمد اليد حيث نشعر بالدفء والترابط. وعن العلاقات الاجتماعية قالت لنا السيدة مارو زوجة الفنان سعد: أسبغت مجمل أعماله طابعاً خاص على حياته الاجتماعية حيث نجحت تلك المشاعر الصادقة التي تكتنف سعد في كسب محبة الآخرين فإن من أصعب الأمور أن تجعل الآخرين يحبونك. لم تكن إسهاماته في مجال الفن فحسب بل هناك أنشطة أخرى هدف سعد من خلالها الأخذ بيد الشباب فكثيرون هم من بكوا لمغادرة سعد الجزائر. فكم من قصيدة كتبت لسعد الإنسان منها قصيدة (ترانيم على اسمك) وكم من صحيفة ومجلة كتبت عنه وكم من طفل وكبير وشاب أحب سعد وكم أنا سعيدة وفخورة بأن أكون رفيقة دربه لأنه أحب فأخلص وأجزل العطاء.

سعد في تكريمه
منحوتة الثور
منحوتة ذات الخمار