الأدب وحده قادر على استنزاف روح الإبداع لدى الإنسان الذي هو محور الرؤيا الفنية للأدب، ولا يمكن للأديب أن يؤدي رسالته إلا إذا كان النقد بوصلته المضيئة، والأجناس الأدبية بمختلف أنواعها تشرع أفقاً إنسانياً ينقل الواقع إلى لحظة سحرية تنطلق بحثاً عن إكسير الأدب، والكلمات التي يخطها الأدباء هي فضاءات تتألق وترسم دائرة من الحب والوهم، وتترك في نفس الشاعر وزمات من الشوق تبحث عن البعد الحقيقي لمعنى الحياة والحب بمختلف أنواعه.

موقع eDaraa في 1/1/2010 التقى مع الأديب "حسين علي الهنداوي" في حوار يحمل في طياته بعداً إنسانياً يربط بين المجتمع والوعي والتجربة الأدبية الغنية فرد على أسئلتنا بالقول:

*ما هو مكان الخيال الذي يفرضه الأدب في عملية التعلم؟

الهنداوي مع بعض الادباء

** لا شك أن الخيال الإنساني هو المحفز الوحيد في بناء أدب يحمل في عبير أنسامه روح الحياة وعقيدة الإنسان ومنطلقاته الحياتية، فرسالة الإنسان في مفردات الكون جعلت من الأدب طائراً بجناحين من خيال يمران على واقع مر تفرزه معطيات إنسانية، ولكن الأدب يدفعه إلى التمترس في بناء منظومة الحياة التعليمية عند الإنسان، وهو نبع ثر لانطلاق القيم على أجنحة الخيال من أجل بناء منظومة تعليمية تسمو بالإنسان إلى فعل الخير مع الناس جميعاً، لأن العرف الذي يعد فطرة نقية لا يمكن أن يغادر علاقة الإنسان بخالقه.

*ما العلاقة بين المجتمع والأدب برأيك؟

يعد نصوصا جديدة

**إذا تحول الأدب إلى جثة تشرح على منصة القصابين فإن هذا الأدب لن يفلح في صنع مجتمع يتطور بتقنيات الحياة. المجتمع والأدب وجهان لعملة واحدة لا يمكن لأي أديب مهما علت مكانته أن يتجاوز تأثير المجتمع على الأدب وتأثير الأدب على المجتمع، ذلك أن علاقة كليهما بالآخر علاقة ديالكتيكية، وأنا لا أتصور أن أدباً يكتب من أجل أن تتخاطره النجوم أو السماء والأرض، فالأدب هو المجتمع ولا مجتمع بدون أدب، والشواهد على ذلك كثيرة فعنوان الحياة الجاهلية الاجتماعية هو الأدب، ولولا الشعر الجاهلي ما عرفنا عادات وتقاليد المجتمع الجاهلي.

*متى يندمج الوعي بالمهارة الأدبية؟

**لا يمكن للوعي الذي هو بالأصل ومضات يكتنزها العقل الباطن ثم يصهرها في بوتقة العقل والروح والنفس أن يندمج مع المهارة الأدبية التي هي بالأصل استجابة لموهبة فطرية حتى يعيش الأديب الواعي لواقع والتجربة الإنسانية في تلافيف العقل الباطن، فالإنسان بشكل عام والأديب بشكل خاص الذي يعد أنموذجاً لثنائية التغيير و التحويل، هو أبن عقله الباطن فإذا ما تلاقحت الموهبة الفعالة المتمترسة بالصنعة اللغوية مع الوعي المنتج لواقع فعال، كان النص الأدبي الذي يتميز بانتمائه وقيمه التعبيرية والتصويرية.

*ما الطريقة التي تنتقل بها من عالم الخيال إلى عالم الحدث؟

** الحقيقة أن النقلة الموضوعية التي يقفز بها الأديب إلى نصه الذي يستحق أن يسمى نصاً هو انتقال من عالم الحدث إلى عالم الخيال، أليست صورة الاستجابة النفسية للرؤى الشعرية هي خيال يبحث عن واقع يتحدث عنه، أن تكون أديباً، أن تحول عوالم الأحداث إلى خيال يتماهى مع الواقع ويعيد صياغة الحدث بشكل بهلواني.

*هل الأدب ينشأ من الإنموذج الممكن للتجربة؟

**لا أعتقد أن الأدب تصدره التجارب الواقعية وحدها فكثير من الأدباء يمزج بألوانه بين حروف الواقع وحروف الخيال، ونحن جميعاً نعرف أن الأدباء، ومنهم الشعراء "في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون"، إنهم أبناء الخيال وربما يكون الخيال المريض هو الباعث على النصوص المتميزة، "فالدونكوشوتية" هي نتاج خيال مريض ولكنه عكس واقعاً أيضاً مريضاً وإلا ما كان لبطل متميز يرى قطيعاً من الأغنام فيعتبرهم أعداءه المفضلين.

  • ما الشيء المشترك بين العقل الإبداعي والعقل الذي هو كتلة من الخلايا العصبية؟
  • **واهمون هم الأدباء والشعراء والنقاد وعلماء النفس إذا كان اعتقادهم أن العقل الإبداعي هو إفراز من عمل الخلايا العصبية، ذلك أن العقل الإبداعي وخاصة الأدبي منه إنما هو صعقة من تلاقح الروح مع النفس، ولا يمكن لأي إبداع أدبي أن يكون إفرازاً لحركة الأعصاب أو الخلايا العصبية، ما يصنع النص الأدبي هو أعصاب الكون بمفرداته المتآلفة والمتنافرة وحركة هذا الكون لا تكون إلا من خلال جوقة المحبة أو التنافر التي تصنعها عناصر هذا الكون، وتتحول إلى طائر من الخيال يحط على قناة الروح والنفس.

    *ما رأيك كناقد أدبي للمسابقات الشعرية الحالية؟

    ** أنا أتوجه لكل الضمائر المخلصة التي تحاول أن تلعب على سرك الشعر وتجعل من هذا الفن المدلل بهلواناً ساخراً، كفاكم لعباً بالأدب الذي كان وما زال بعد القرآن الكريم والحديث الشريف الحصن المدافع عن الأمة، نحن بحاجة إلى أدباء يضحون من أجل أمتهم لا أدباء يتربعون على جثة أمتهم في زمن صعب أصبحت الأمة فيه بفعل تواطؤ المتواطئين كومة من رماد.