تناول الأدب الشعبي في "حوران" جوانب الحياة كافة، وعبر عنها بأشكال أدبية مختلفة، في الوقت الذي اتسم فيه بغنى مفرداته وتنوع أدواته.

يقول السيد "أنور الدبيس" مهتم بقضايا التراث، ومن سكان مدينة "جاسم" لموقع "eDaraa": «للأدب الشعبي نفوذ طبيعي على كافة الفئات والشرائح في المجتمع "الحوراني"، من خلال تأثيره في حياة الناس، ودوره في التوجيه وتعزيز القيم والأفكار المتوارثة عبر الأجيال».

للأدب الشعبي نفوذ طبيعي على كافة الفئات والشرائح في المجتمع "الحوراني"، من خلال تأثيره في حياة الناس، ودوره في التوجيه وتعزيز القيم والأفكار المتوارثة عبر الأجيال

وحول الأدب الشعبي في "حوران" تحدث السيد "عبد الرحمن الحوراني" باحث في قضايا التراث الحوراني، بتاريخ 14/3/2011 لموقع "eDaraa" قائلاً: «تأثرالأدب الشعبي بالعديد من العوامل، فقد كانت "حوران" قبل آلاف السنين ممراً للهجرات من وإلى الجزيرة العربية وبلاد الشام، كما شكلت مواقع استقرار لحضارات وشعوب كثيرة، ما جعلها تتأثر وتؤثر في الثقافات المختلفة.

السيد أنو الدبيس

إضافة إلى أن هناك عاملاً آخر يتعلق بعلاقات النسب والمصاهرة بين أهلها وباقي المناطق المجاورة، فظهرت العديد من الأمثال والحكايات الشعبية التي تعود إلى مناطق أخرى، حفظتها النساء من أمهاتهن ونقلنها إلى أبنائهن في "حوران"، وبذلك لم يعد هناك أصل للحكايات ولا موطن للمثل، ولم يعد يعرف صاحبه لأن عملية التناقل الشفهي من قيل إلى قال أفقدته موطنه الحقيقي.

كما أن هناك قصصاً وفدت من "تركيا و أرمينيا والصين"، وهناك أمثالاً عربية لها مقابل باللغات اللاتينية، وروايات أجنبية استندت إلى قصص عربية أو بالعكس».

الباحث عبد الرحمن الحوراني

وعن الشعر الشعبي في "حوران" يقول السيد "الحوراني": «مر الشعر الشعبي في مرحلة الكلاسيكية، واستقر في المرحلة الواقعية، لكنه عندما تزامن مع عهود الظلم والقهر والاستعمار والجوع والجهل، نزع عند ذلك إلى مرحلة الرومانسية، فاستيقظت العاطفة والعقلانية معاً، ويرواح الشعر الشعبي مع ضروريات الحياة، كالفرح والحزن والحب والفلاحة والأرض والمطر.

في الوقت الذي يعد من صنع الجماهير المغمورة التي تعيش لصق الواقع، غير أن أسلوبه قد اتبع أسلوب الشعر الجاهلي في الكثير من أغراضه، وأهم صفاته هجومه على الغرض، مع مقدمة للقصيدة حول حالة الشاعر وهمومه وغيرها من حالات».

الباحث تيسير الفقيه

وفيما يخص أغراض الشعر الشعبي تابع "الحوراني" حديثه بالقول: «إن أغراض الشعر الشعبي هي نفسها أغراض شعر الفصحى، لأن شعراء الشعب قد طرقوا المدح والفخر والشعر الحماسي والرثاء والموعظة والمثل والحكمة، كما طرقوا "الهجيني والحداء والجوفية والشروقي"، فأبدعوا وأطربوا وأحزنوا وحاربوا وأججوا العواطف وأثاروا الحقد والكراهية وأشاعوا الود والمحبة، وفي العشق يقول أحد شعراء "حوران":

من كلمتك يا بنتُ ما نمت واعي ... وأنتِ الصديقْ الما تمنى أفراقهْ

ما أنساكْ لو الروحْ تعلنْ أوداعي ... ولو السما الزرقا تفارقْ زراقهْ».

وفيما يتعلق بالقصيدة الشعبية "الحورانية" قال "الحوراني": «القصيدة ضرب من الشعر ذي اللغة العالية، ويتلاقى مع الشعر النبطي في قواسم مشتركة أهمها:

الشيوع والتعميم والمحلية، وديوان الشعر الشعبي "الحوراني" كبير جداً وفيه نماذج قوية، وجيدة المبنى والمعنى والقافية، في الغزل والمدح والهجاء والرثاء والنقائض والفخر والحماسة، فإذا ما أنشدنا الشاعر الشعبي قطعة شعرية على لحن الربابة، غرقنا في أجواء التراث الشعبي وطربنا وانتشت أعطافنا، وها هو الشاعر "سليمان الخالد الحوراني" يفتخر بالفروسية فيقول من قصيدة طويلة:

الياثار عجّهْ واعتلق به اطرادي ... تلقى النشامة ساكره وسط ميدان

لعيون غرُّ مدهنهْ بالزبادي ... اذبحْ عقيد القوم بمطرق الزان

وأن التقى جمعي وجمعك وكادي ... نصيح بأعلى الصوت وننده سليمانْ».

وفيما يخص الحزورة ذكر"الحوراني": «الحزورة شكل من الأشكال الأدبية الشعبية ذات القوافي الثابتة والمسموعة في الغالب، وقد تناقلها سكان "حوران" بنفس نصها الأصلي تقريباً، لأنها قوالب محفوظة ومحافظة على شكلها، وتهدف الحزورة للتفكير والتسلية وتنشيط الذهن، ويتبادلها الناس في السهرات وأوقات الفراغ، والحزورة نموذج فيه بلاغة وتوريه، ومتقطفة من أقوال البلغاء والأذكياء الذين يمتحنون عقول مستمعيهم بهذه الألفاظ الموجزة، وتوهم السامع بأن جوابها شيء غريب يصعب معرفته.

ولكن المفأجاة في الحل الذي يتبين أنه شيء معروف، ومن الحزازير المتدوالة في المحافظة: "اشي بقرط ما بزرط" والجواب المقص، و"اشي بله ما بنبل" والجواب الظل، و"قده قد الكبه لابس مية جبه" والجواب رأس البصل، و"فرسنا حمرا وذيلها اخضر "والجواب الفجلة"».

وحول العتابا يقول "الحوراني": «إن العتابا ليست من التراث "الحوراني" وإنما قادمة من وادي "الفرات"، لذا لابد من ضرورة الاعتماد على مصادر موثوقة لإعادة هيكلة عملية جمع التراث الشفهي لتدوينه وإعادة صياغة المؤلفات السابقة في التراث، بما يتناسب مع الكم الجديد من المعلومات التي حصل عليها الباحثون وتدقيقها بشكل كاف».

وعن القصة الشعبية قال السيد "تيسير الفقيه" باحث في قضايا التراث الحوراني: «إن أقدم قصة شعبية تعود إلى ألفي عام قبل الميلاد، وهي قصة تتناول العلاقة بين الإنسان والحيوانات القوية كالأسود، وتشير هذه القصة إلى أن الإنسان ضعيف جسدياً، مقارنة بالحيوانات المفترسة لكن فطنته وحيلته وذكاءه تبقى أقوى بكثير من القوة الجسدية، وهناك قصة مشابهة ذكرت في رسائل تل "العمارنة" تروي القصة نفسها على لسان التمساح والذئب».

وفيما يتعلق بالسير الشعبية ذكر "الفقيه": «كانت السير الشعبية دعامة من دعائم الحياة الفكرية في "حوران"، إذ يتلقف الناس أخبارها بشغف ونهم وينفعلون ويتعاطفون مع أبطالها، وهي عبارة عن نثر فني متدوال بين الرواة والأصل، تحفظ الحوادث التاريخية، وأنساب العشائر والأسر ووقائع العدواة والغزو، وكانت تنتقل شفاهاً أهمها السيرة الهلالية».

وفيما يخص الحكم والأمثال الشعبية تقول السيدة "فاديا هلال" مدرسة لغة عربية: «الأمثال الشعبية تعلم الحياة تعليماً مباشراً، كونها تختصر فصولاً من الفلسفة في كلمة واحدة، ألهمتها تجربة، أو ترجمتها كلمة عن صوت الحياة وأصدائها، فهي من صنع أفرادا في كل جيل، أطلقوها من أسرار الحياة في عبارة دالة، فأحسن الناس تلقيها، لانتزاعها من صميمه لأن حسن تلقي الأفكار لا يقل أهمية عن صناعتها.

لذا فإن سكان "حوران" تلقوا الأمثال الشعبية بفطرة سليمة نقية، فكانت أساساً جيداً للتوجيه الرشيد، والتعليم المجدي الذي ينير الأفكار ويعلم الحياة، وقد سرى المثل على كل سلوكيات الإنسان من عادات وأفكار وفلسفة، فتدخل في فلسفة الحياة وفي الإشاعة وفي الحقيقة وفي التجربة والحس الاجتماعي والعامل الزمني والمال والرجال والمرأة والعادات والأخلاق وغيرها، ومن الأمثال المتدوالة في "درعا":

"اللي طبع طبع واللي ربع ربع، ومن الزوية لتل شهاب والعبي يا مياحة، وكبر البيادر ولا شماتة العدا، والثلم الأعوج من الثورالكبير"».