اشتهرت حوران منذ القدم بالمعاصر الحجرية القديمة التي تدار بالرحى لعصر الزيتون الذي كان ينير الكنائس والأسقفيات، وانتشرت هذه المعاصر في الفترة الرومانية ومن أبرزها مطحنة العجمي الكبيرة.

وعن هذه المعاصر الحجرية يقول الباحث في التراث الحوراني "نضال شرف" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27/2/2013: «اشتهرت جميع مناطق حوران بمعاصر زيت الزيتون الحجرية الأثرية، وكانت تقسم إلى قسمين: معاصر ثابتة ومعاصر متحركة، وكانت المعاصر الكبيرة الثابتة منحوتة من الصخر، الحجر العلوي يدور حول عمود مثبت أو خشبة مثبتة ضمن محور بالقطعة السفلى الكبيرة، وانتشرت هذه المعاصر في الفترة الرومانية وكتب عنها الغساسنة والرومان أن "درعا" كانت تشتهر بزراعة الزيتون، حيث كانت أسقفياتها وكنائسها تنار بزيت الزيتون المنتج عبر الجواريش ومعاصر الزيتون القديمة الرحى.

قام الإنسان منذ آلاف السنين بالحصول على زيت الزيتون من خلال عصر الزيتون، والحصول على الزيت منه، واستخدم لذلك الأدوات البدائية التي تمكنه من ذلك، ولعل من أقدمها استخدامه لرحى الطاحونة "الجاروشة" التي يتم تشغيلها بواسطة الحيوانات، ثم تدرجت بعد ذلك أنواع معاصر الزيت وتمّ تحديثها إلى أن وصلنا للمعاصر الحديثة

وزيت الزيتون قديم ومتجذر في حوران وكان يستفاد من بقايا الشجر للتدفئة، حيث كانت لا تخلو أية قرية أو خربة في حوران من بقايا معصرة أو معاصر قديمة، وخاصة المناطق التي يغلب عليها المناطق الرعوية والجبلية، وكانت من أهم المعاصر وأكبرها معصرة العجمي التي يتجاوز وزنها 1000كغ، وهي من المعاصر الضخمة، وكل دولاب من الرحى يتجاوز وزنه500كغ، يشرف على بنائها عمال وفنيون مهرة مختصون بصناعة الرحى والجواريش».

حوانيت لصب الزيت

كانت المعاصر القديمة لا تحتاج إلى عدد كبير من العمال وهنا يقول الباحث في التراث "إبراهيم الشعابين": «المعاصر التقليدية الحجرية الجاروشة، هي عبارة عن رحى حجرية تدار بواسطة الحيوانات، وهي ذات تكلفة قليلة وتتميز بانخفاض الإنتاجية وانخفاض نسبة استخلاص الزيت.

وهناك العديد من العربات التي كانت تستخدم لنقل الزيتون والزيت داخل المعصرة، وسابقاً كانت لا تحتاج المعاصر القديمة إلى عدد كبير من العمال، وإنما تعتمد في عملها على شخص واحد أو اثنين ليستطيع تحريك الرحى بالحيوانات أو بالأيدي، حيث تدار الرحى بعد وضع الزيتون بين اقسامها وطباقتها، حيث يخرج الزيت من أسفل دواليب الرحى، ناهيك عن الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية العصر.

الباحث "محمد فتحي المقداد"

حيث كانت تنتشر المعاصر في حوران بوادي اليرموك وكانت فيه أهم المعاصر، التي كان يستجر الزيتون فيها عبر اقنية وسواقٍ تنزل في الوعاء الذي يحتفظ بالزيت، ويعمل بها صناع وعمال أصحاب خبرة يتحكمون بطرق سير الزيتون والزيت في السواقي، فقد كانت طريقة عصر الزيت تتطابق مع معاصر طحن القمح الدقيق القديمة التي كانت تدار عبر المياه أو الدوران باليد، وكان يوجد معصرة مهمة أيضاً في منطقة المسمية بمنطقة اللجاة».

وعن طريقة الحصول على زيت الزيتون "عصر الزيتون" وضح الحاج "محمد المحمد": «قام الإنسان منذ آلاف السنين بالحصول على زيت الزيتون من خلال عصر الزيتون، والحصول على الزيت منه، واستخدم لذلك الأدوات البدائية التي تمكنه من ذلك، ولعل من أقدمها استخدامه لرحى الطاحونة "الجاروشة" التي يتم تشغيلها بواسطة الحيوانات، ثم تدرجت بعد ذلك أنواع معاصر الزيت وتمّ تحديثها إلى أن وصلنا للمعاصر الحديثة».

طواحين حجرية رومانية

المعصرة تتكون من عدة أقسام وهنا يقول الباحث في التراث "محمد فتحي المقداد": «الطاحونة تتألف من حجر الرحى وتتكون من حجرين مستديرين قطر كل منهما 100سم، وسماكته 15سم، مثقوب بوسطه بثقب يوضع فيه عصا وهذه الفردة السفلى، أما العليا فالثقب يكون على الطرف يوضع فيه عصا أيضاً ليتم تدوير الحجر بواسطة اليد أو الحيوانات، ويستخدم لعصر الزيتون بعد رشها بالماء وكانت معصرة الزيتون القديمة تتألف من العديد من الأقسام، أهمها قسم تجميع الثمار قبل العصر، وقسم الجرش "الطحن" عبر حجر الرحى الكبيرة المجوفة، وقسم الضغط على المادة المجروشة، وقسم جمع الماء والزيت، وقسم الترقيد وفيه يتم فصل الزيت عن الماء بعد أن يتم طفو الزيت في الأعلى».

نكهة الزيت الذي يستخرج من المعاصر القديمة نكهة طبيعية وهنا يشير السيد "أحمد الحريري" من سكان منطقة بلدة "علما": «نكهة الزيت الذي كنا نستخرجه من معاصر الزيتون القديمة تبقى طبيعية، بخلاف المعاصر الحديثة التي تستخدم الطرد المركزي، وذات درجة الحرارة المرتفعة التي تحرق الزيت وتضيع نكهته، حيث كان الفلاحون والأسر تستمتعون بالزيت الذي يؤكل مع خبز الشراك أو التنور في فترة الصباح الباكر قبل التوجه للعمل بالحقل، وإلى الرعي واصطحاب المواشي إلى الحقول أو الأودية، بعد تخزينه في بيوت المؤونة».