شكلت نماذج الفن المعماري الكنسي جنوب "سورية" صورة مثلى للتعايش الحضاري، تجلت في طراز ذي ثلاثة أجنحة وشكل معماري مربعي ونظام تقبب فريد.

للبحث في النماذج الفريدة للفن المعماري الكنسي لأهم المواقع الأثرية المنتشرة في محافظة "درعا"؛ مدونة وطن "eSyria" التقت الآثاري "ياسر أبو نقطة" بتاريخ 22 حزيران 2014، فتحدث عن نظام التقبب، ويقول: «أصبح هذا النظام متبعاً في أغلب كنائس أوروبا وتجلى في كنيسة "مار جرجس" في مدينة "إزرع" التي تتميز بشكلها المعماري الخاص الذي جعلها واحدة من أهم الأوابد التاريخية في "سورية" والعالم بتصميمها الفريد الذي انتقل إلى الكثير من الكنائس بمختلف الأصقاع، وهي البناء الوحيد القائم حتى الآن الذي تتمثل فيه كيفية انتقال الكنائس من الطراز البازليكي المستطيل إلى الشكل المربع الذي تعلوه قبة من الحجر قائمة على قاعدة مثمنة الشكل، وسقفها يعد واحداً من أجمل السقوف المعروفة، نظراً لدقة الهندسة في رصف معظم العناصر المشكلة له، ويعتمد هذا الطراز على رصف مداميك حجرية طويلة».

للكنيسة أهمية أثرية لكونها بقيت محافظة على وضعها الذي بنيت عليه دون أي تغيير يذكر، وأهمية هندسية بعد أن أدرجت طريقة تصحيحها في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم، باعتبارها تمثل المرحلة الأولى من مراحل البناء الديني في العصر البيزنطي، ويعد بناؤها متيناً جداً، وتمارس فيها الطقوس الدينية حتى يومنا هذا

ويضيف: «للكنيسة أهمية أثرية لكونها بقيت محافظة على وضعها الذي بنيت عليه دون أي تغيير يذكر، وأهمية هندسية بعد أن أدرجت طريقة تصحيحها في مراجع وكتب الهندسة المعمارية في معظم دول العالم، باعتبارها تمثل المرحلة الأولى من مراحل البناء الديني في العصر البيزنطي، ويعد بناؤها متيناً جداً، وتمارس فيها الطقوس الدينية حتى يومنا هذا».

الفن المعماري الكنسي

أما الباحث في التراث والتاريخ "منير الذيب" فيقول: «لعبت الكنائس دوراً دفاعياً في أوقات الخطر عن المواقع ذات الطابع الديني إلى جانب وظيفتها الكنسيّة، وتجلى ذلك في التحصينات الموجودة فيها، كما اشتهرت تلك المعابد باستخدام الحجر البازلتي في الإنشاءات المعمارية المختلفة في منطقة "حوران" وجنوب "سورية" لكثرة انتشار هذا النوع من الحجارة الذي استخدم في جميع الأبنية، حيث كل جدار من جدران معظم الكنائس يتألف من مدماكين من الحجارة بعرض متر واحد مرصوفة بالحجر المتقن الأبعاد، وما يعكس الأهمية التاريخية لهذه المباني الكنسيّة لكونها تعد واحدة من نقاط التعايش في الوطن الواحد، وخاصةً الموجودة في مدن "بصرى" و"إزرع" لكونها كانت عواصم دينية ومراكز وممرات لقوافل تجارية لآلاف السنين».

ويقول الدكتور "محمد نصر الله" مدير الآثار في محافظة "درعا": «كان للأديرة دور كبير في مجالات الحياة كافة في "حوران" منذ القرن الرابع الميلادي، شأنها في ذلك شأن مدن وبلدات الشام، وانتشرت هذه الأديرة في مختلف مناطق المحافظة، وكانت المنطقة الغربية من "حوران" هي أول ما تعرضت للمبشرين بالدعوة المسيحية، بسبب انتقالهم من "فلسطين" باتجاه "حوران" و"دمشق"، وبدأت تنتشر الأديرة وأمكنة العبادة فيها منذ ذلك الحين، ويقدر عدد الأديرة في جنوب "سورية" بـ300 دير مسجلة في القاموس الفرنسي للدراسات الخاصة بذلك، منها 100 دير في مدينة "درعا"، ظهرت في القرنين الرابع والخامس الميلاديين».

الباحث منير الذيب

بينما دير "الراهب بحيرا" يختلف في تصميم بنائه عن سائر الكنائس الأخرى في المنطقة، ويشكل حالة نوعية وفريدة بالفن المعماري الكنسي، هذا ما يؤكده الآثاري "إسماعيل الزوكاني" ويقول: «تم تشييد بناءه كمعبد وثني على الطراز الملكي فوق أنقاض بناء قديم حتى يكون ذا ارتفاع ملحوظ بين الأبنية القديمة القائمة آنذاك، ويعد من الآثار البيزنطية المهمة، ويعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، لكنه يختلف في تصميمه عن سائر الكنائس الأخرى في المنطقة، فهو مستطيل الشكل يفضي إلى حنية نصف مستديرة، حيث يبدو هيكله من الجهة الشرقية أي من الخارج على شكل نصف دائرة مقببة، ينفذ النور إلى داخله من تسع عشرة نافذة، منها ثمان في الجدار الشمالي ومثلها في الجنوبي، وثلاث نوافذ بأعلى قوس الهيكل الذي يعد من أروع الأقواس المبنية في الكنائس البيزنطية».

وفي كنيسة "حيط" أرضية مرصوفة بالفسيفساء تعبّر عن الفن الرفيع للموزاييك في جنوب "سورية"، والفن المعماري الكنسي الذي كان الأول في بناء الكنائس، وعنها يقول الباحث في التراث "محمد فتحي المقداد": «يشير مخطط الكنيسة ذو الجناح الوحيد إلى مرحلة مبكرة من البناء، حيث إن هذا الطراز المعماري كان الأول في بناء الكنائس، تطور فيما بعد طراز الكنائس ذات الثلاثة أجنحة فكانت كنائس "مار الياس"، و"مارجاورجيوس" في "إزرع"، وغطت أرضية المصلى والمذبح بالفسيفساء ذي الأشكال والمواضيع الرائعة، وبنيت الكنيسة حسب المخطط "البازيليكي" المستطيل، حيث يصل طول الكنيسة الكلي إلى 14م تقريباً، وعرضها 8م تقريباً، وهي من الكنائس ذات الجناح الواحد "السوق الواحدة"، ومقسمة إلى ثلاثة أقسام: المذبح "الحنية"، والمصلى "القاعة الكبرى"، وقسم الأحواض».

نظام التقبب الفريد