تعدّ العادات والتقاليد التي توارثها أبناء منطقة "حوران" من أسلافهم تركة قيّمة ثمينة، ومن هذه العادات توزيع "البراكة" على الأطفال خلال نهاية موسم الحصاد أو ما يطلق عليه "تصليب الصليبة" ليتبارك محصولهم.

للتعرّف أكثر إلى "البراكة" وطقوسها، مدونة وطن "eSyria" التقت في 8 تشرين الثاني 2016، الأديب والشاعر "إسماعيل العمار"، الذي حدثنا عن هذه العادة بالقول: «لا يزال أبناء "حوران" يمارسون عادات وتقاليد توارثوها من الآباء، فكانت لهم تركة قيّمة وثمينة، ومن هذه العادات توزيع "البراكة" (كمية من القمح)على الأطفال، حيث يهتم الجيران كلّ بمن حوله يوم "تصليب الصليبة"؛ أي (يوم القمح)، فأغلب الأحيان يزور الجيران أو الأقارب وبرفقتهم الأطفال الفلاح الذي "صلَّب"، ويبدؤون الكلام بالقول: "عَالبراكة"؛ أي بارك الله في قمحك أو محصولك، فيردّ الفلاح: "حضْرت يـا بركة"؛ أي إن حضورك مبارك، ويمكن أن يردّ بالقول: "الله يزيدك بركة"، وقد يسأل الزائر: (قديش البركة؟)؛ أي كم بلغ المحصول؟ (العَبرة أو الكمية)، وحين يعرف الجواب، عليه أن يقول: (ما شاء الله، أو والله فيها بركة، أو اللهم صلّي على سيدنا محمد). وذلك كنوع من إظهار الغبطة والسرور لا الحسد. ويعطي الفلاح الصاع الأول من الصليبة الأولى للأطفال والفقراء، ويسمى هذا الصاع، "صاع أبونا إبراهيم الخليل"، ويكثر الأطفال على البيادر في موسم البيدر، يتنقلون من صليبة إلى أخرى، فيعطيهم الفلاحون ما تجود به أنفسهم من القمح كي يطرح الله البركة في "الصليبة"».

تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الحوراني لها خصوصية مهمة ومتوارثة، ومن هنا يأتي إدراك أهمية الواجبات الاجتماعية الخاصة في تعزيز أواصر الترابط الاجتماعي، حيث التلطف بالصغار ومداعبتهم وتقديم المعونة و"البراكة" لهم خلال مواسم الحصاد، لما في ذلك من إدخال السرور إلى قلوبهم وأهلهم وتقوية للترابط الاجتماعي، ففي يوم توزيع الغلال في البيادر في ذلك الحين، كان يحظى الأولاد بـ"البراكة"، ويتسابقون نحو "الدواج"؛ وهو البائع المتنقل الذي يحمل على ظهر حماره صندوقين متنقلاً من قرية إلى أخرى، وكان لكل محصول "براكته" الخاصة به التي يحصل عليها الأولاد، فيهما بضاعته من سكر وشاي ودخان عربي، ليحصلوا على كمية من الحلو، مثل: "الشك"، و"الجعج"، و"الجعجبان"؛ وهي أنواع من الحلويات

"البراكة" تأتي خلال أيام موسم البيدر الذي تنتظره كل العائلات والأطفال، وهنا يقول "محمود الدوس" أحد كبار السن في مدينة "بصرى الشام": «على الرغم من بساطة العيش وبساطة الحياة لدى الفلاحين وعائلات وعشائر "حوران"، إلا أنها ذات نظام ثابت راسخ يقوم على العادات الأصيلة، وإحدى هذه العادات "البراكة"، وهي تأتي خلال أيام موسم البيدر، وهو الموسم الذي تنتظره كل العائلات والأطفال، وأصحاب المهن من الحلاق والناطور كل عام، فيحمل الحلاق كيسه وصاعه في ساعات فراغه ويذهب إلى البيادر ليحصل على أجره مقابل عمله طوال العام في الحلاقة للكبار والأطفال من العائلة، والأهم من كل هؤلاء الأطفال الذين يتوجهون إلى البيادر ليحصلوا على البراكة، أما عن كيفية حصولهم عليها، فتكون بملء الفلاح الصاع حتى حافته وتسمى (مسحه)؛ أي يمسحه على مستوى الخشب، ثم يبدأ التفريغ منه حتى يظهر قاع الصاع، فيتوقف، وعندها يكون ما في الصاع هو نصفه "رُبْعيّة"، يقوم بمنحها للأطفال ليتبارك محصوله».

عبد الوحيد المقداد

"خالد عويضة" أحد المهتمين بالتراث الحوراني، قال عن هذه العادة: «تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الحوراني لها خصوصية مهمة ومتوارثة، ومن هنا يأتي إدراك أهمية الواجبات الاجتماعية الخاصة في تعزيز أواصر الترابط الاجتماعي، حيث التلطف بالصغار ومداعبتهم وتقديم المعونة و"البراكة" لهم خلال مواسم الحصاد، لما في ذلك من إدخال السرور إلى قلوبهم وأهلهم وتقوية للترابط الاجتماعي، ففي يوم توزيع الغلال في البيادر في ذلك الحين، كان يحظى الأولاد بـ"البراكة"، ويتسابقون نحو "الدواج"؛ وهو البائع المتنقل الذي يحمل على ظهر حماره صندوقين متنقلاً من قرية إلى أخرى، وكان لكل محصول "براكته" الخاصة به التي يحصل عليها الأولاد، فيهما بضاعته من سكر وشاي ودخان عربي، ليحصلوا على كمية من الحلو، مثل: "الشك"، و"الجعج"، و"الجعجبان"؛ وهي أنواع من الحلويات».

المدرّس المتقاعد "عبد الوحيد المقداد" من بلدة "معربا"، حدثنا عن هذه العادة المهمة والمتوارثة بالقول: «"البراكة" عادة قديمة اعتاد أهالي "حوران" القيام بها منذ القدم، ليتبارك محصولهم عندما يبدأ الفلاح عملية الكيل يوم "تصليب الصليب"، حيث يجلس على الأرض بجانب الصليبة متخذاً وضعاً خاصاً في الجلوس؛ إذ يمد إحدى رجليه على استقامتها ويثني الأخرى من عند ركبته، ويبدأ ملء الصاع فيدسّه في كومة القمح، ثم يزيح بكفيّه المزيد من القمح قبل أن يرفعه، ويظل يحفن ويزيد من القمح بيديه حتى حافة الخشب أولاً، ثم يعمد إلى وضع المزيد من الحبوب فوق مستوى الخشب حتى يصبح شكل الحبوب فيه مخروطيّاً، وفي أثناء الكيل يكون الأولاد الذين ينتظرون "البراكة"، واقفين بالدور ليأخذوا حصتهم المخصصة من الموسم؛ كلّ يقف ومعه كيس، وإلى جانبه الشخص الذي يكيل، فيفتح له الكيس ليتمكن الفلاح من تفريغ الصاع من دون أن ينهض من مكانه. وهنا يضع الأطفال ما جمعوه لمبادلته مع "الدواج" بالحلوى و"الجعجبان، والملبّس المدوّر الكبير"».

جمع المحصول للتصليبة
وضع المحصول بـ"الشوالات" لتوزيع "البراكة"