تعدّ الأدوات التراثية القديمة في "حوران" إرثاً لتواصل الأجيال مع الأجداد، ومن هذا المخزون أدوات الاستحمام القديمة التي لها حكايات لا تنسى وتتجدد في الذاكرة الحورانية.

"مالك نصيرات" المدرّس في تربية "درعا"، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 شباط 2017، عن أدوات الاستحمام القديمة وطقوسها التي كانت منتشرة في المجتمع الحوراني منذ زمن بعيد، والتي كانت تبرز في حياة سكان الريف والمناطق الريفية، حيث قال: «في عالم يتجدد يومياً ويسجل تغيرات في كافة الميادين والمجالات، تبقى هناك زاوية داخل كل منا يلجأ إليها بحثاً عن ذكريات جميلة مازالت تدغدغ قلبه وتعيد الابتسامة إلى شفتيه، وعادة ما تكون هذه الذكريات مرتبطة بالمخزون التراثي والشعبي لمجتمعنا الذي يتميز بالشفافية والتلقائية والوضوح، ومن هذا المخزون أدوات الاستحمام القديمة؛ فأبناء "حوران" اعتادوا الاغتسال قرب مصادر الدفء في الشتاء، فقبل انتشار الشكل الحضاري للحمامات وكل أنواع مرشّات الماء وأحواض الاستحمام، كان الأهالي يستحمون في العتبة؛ وهي مساحة صغيرة عند باب الغرفة تنخفض عن مستوى الأرضية قليلاً، ويكون لها مخرج للماء من تحت الباب يسمى المصرف أو "السكِر"، والغرفة عادة هي المكان الذي فيه موقد التدفئة وعليه يسخن الماء، حيث تقوم ربة المنزل بإخراج الماء الساخن، وتبرّده في دلو من التوتياء، وتسكبه من أعلى نقطة في رأس الطفل مثلاً حتى أسفل قدميه».

لأدوات الاستحمام في "حوران" حكايات لا تنسى تتجدد في الذاكرة، وأهمها حمام الأطفال، فكانت النساء كبار السن تقمن بعملية "حمام الأطفال" بوضع الطفل في وعاء معدني واسع كنا نسميه "اللقن"، تتسع حوافه عن قاعدته، ويبلغ طول حوافه 35سم، ويسمى في بعض البلدات "لكن" بلفظ الكاف بدل الجيم، ولم يكن هنالك سائل استحمام، بل كان السائد ألواح الصابون المدعبل بوزن نصف كيلوغرام للوح الواحد، وكان الأطفال لا يفضلون الاستحمام، فكانت النساء يغضبن منهم ويجبرنهم على الجلوس في "اللقنِ"، وما أن تضع لوح الصابون على رأس أحد الأطفال بغضب لـ"تلوبه"، حتى يشعر وكأن قطعة حديد كبيرة قد سقطت على رأسه، فيكمل مسيرة الاستحمام مغشياً عليه من هول سقوط الصابونة على رأسه

"عبد الوحيد المقداد" أحد كبار السن في مدينة "غصم"، قال عن الحكايات المرافقة لعملية الاستحمام: «لأدوات الاستحمام في "حوران" حكايات لا تنسى تتجدد في الذاكرة، وأهمها حمام الأطفال، فكانت النساء كبار السن تقمن بعملية "حمام الأطفال" بوضع الطفل في وعاء معدني واسع كنا نسميه "اللقن"، تتسع حوافه عن قاعدته، ويبلغ طول حوافه 35سم، ويسمى في بعض البلدات "لكن" بلفظ الكاف بدل الجيم، ولم يكن هنالك سائل استحمام، بل كان السائد ألواح الصابون المدعبل بوزن نصف كيلوغرام للوح الواحد، وكان الأطفال لا يفضلون الاستحمام، فكانت النساء يغضبن منهم ويجبرنهم على الجلوس في "اللقنِ"، وما أن تضع لوح الصابون على رأس أحد الأطفال بغضب لـ"تلوبه"، حتى يشعر وكأن قطعة حديد كبيرة قد سقطت على رأسه، فيكمل مسيرة الاستحمام مغشياً عليه من هول سقوط الصابونة على رأسه».

أدوات الاستحمام القديمة

الأديب الشاعر "إسماعيل العمار" تحدث لنا عن أدوات الاستحمام المنتشرة في الريف الحوراني، ويقول: «في أيام الدفء، يبقى الكبار في مناطق وأرياف "حوران" يستحمون في عتبات غرفهم. أما الصغار، فكانت الأمهات تحممهم تحت أشعة الشمسِ إلى جانب حائطٍ ما من الدار؛ وتبدأ رحلة الاستحمام بصراع بين الأم وابنها لإقناعه بأن الاستحمام لا يؤثر في العينين، وهو شيء مفيد للصحة، يتخلل عملية الإقناع بعض المغريات مثل قطع "الراحة والجعجبان، والرز بحليب"، وفي النهاية تتم العملية تحت وقع الضرب بمكنسة القش، وبقيت النظافة ولا تزال أحد أبرز مظاهر حياة الأسرة الحورانية، لكن ثمة اختلافاً كبيراً بين أدوات النظافة والمواد المستخدمة فيها قديماً وحديثاً، الحديث عن الصابون يقود بالضرورة إلى الحديث عن نظافة الثوب والبدن؛ فالصابون كان في أيام زمان مادة الاستحمام الرئيسة، كان الناس سابقاً يستخدمون حلّة؛ أي وعاء كبير، وكانت تستخدم لتسخين الماء، وكان هناك أيضاً "الكيلة" أو "المغراف"، حيث يغرف بهما الماء لسكبه فوق الجسد في نهاية عملية الاستحمام».

بينما قال "فراس القاسم"؛ وهو من سكان مدينة "درعا": «من الأدوات المستخدمة في الاستحمام القديمة وعاء صغير توضع فيه الليفة وقطعة الصابون في نهاية عملية الاستحمام. ومن أدوات الاستحمام أيضاً قطعة من الخيش التي كانت تستخدم بذات الغرض الذي تستخدم فيه الليفة حالياً، وهناك ذكريات لا تنسى لعادات وأدوات الاستحمام؛ فالأطفال الصغار في العادة يكرهون الاستحمام؛ لأن الأمهات كنّ يعذبنهم عند الاستحمام، تبدأ رحلة العذاب لأنهم يبقون طوال وقت الحمام جالسين بوضعية القرفصاء، يتذكرون الكلمات التي كانت توجهها لهم بالحوراني "يا يما لحمي ذاب انهلط"، وعندما تفرك الرأس بالصابون كأنها تتقاتل معهم، وعندما ينزل الصابون إلى الوجه، وتريد إزالته تتغير ملامح الوجه غير حرقة العينين. مرحلة التلييف، تمسك الليفة وتفركها بالصابون، والحمام يأتي عادة بالدور، والكبير قبل الصغير، فبعد الحمام ينظر الطفل إلى المرايا والبخار يتصاعد من الجسم وكأنه طنجرة ضغط مفتوحة، ولون الجسم أبيض وأحمر من الفرك وكأن معه بهاق».

الحلة التي يغلى بها الماء