قارعت المبصرين ببصيرتها الفذة، وقهرت الظلمة التي غطت مقلتيها بعقلها النّير، وسارت في دروب العلم لتحصل على أعلى الشهادات، فكان لها ما أرادت، وشقت طريقها بالعلم والتصميم، وسعت إلى بناء ذاتها، واختارت مواجهة جميع الظروف المحبطة بقوة الإرادة.

إنها "خديجة طباشة" الموظفة في مديرية تربية "درعا"، التي زارت منزلها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 شباط 2018، فحدثتنا عن بداية إعاقتها وتحديها لها بدراستها وتفوقها، قائلة: «كان إصراري على متابعة العلم ممزوجاً بالأمل الذي تحديت به الفقر والعوز، وتجاوزت الأقدار بأن أكون كفيفة البصر منذ ولادتي، فواجهت الواقع، وشقيت طريقي ببصيرة مضاءة بالعلم والتصميم، وسعيت إلى بناء ذاتي، واخترت مواجهة جميع الظروف المحيطة بي بقوة الإرادة؛ فحزت حب واحترام الجميع، وعلقت شهاداتي في اللغة العربية وساماً أفتخر به، ولم يمنعني فقداني للبصر عن إكمال دراستي ومتابعة حياتي كشخص منتج في هذا المجتمع».

أصبحت فرداً لا يختلف عن المبصرين بشيء، وهذا لم يشعرني بالنقص، ولم يكن لدي شعور مختلف عن الآخرين، وبرأيي اختلاط المكفوف مع المبصر يزيد من شجاعته وثقته بنفسه، ويرفع من معنوياته لمواجهة أمور الحياة بعزيمة وإصرار. فتمكنت من اكتشاف مهارات، بدءاً من سرعة حساب الأرقام، والفطنة وسرعة إعراب الكلمات بعد سماعها

انسجمت مع مدارس المبصرين، وتفوقت عليهم، وبهذا المجال تقول: «أصبحت فرداً لا يختلف عن المبصرين بشيء، وهذا لم يشعرني بالنقص، ولم يكن لدي شعور مختلف عن الآخرين، وبرأيي اختلاط المكفوف مع المبصر يزيد من شجاعته وثقته بنفسه، ويرفع من معنوياته لمواجهة أمور الحياة بعزيمة وإصرار. فتمكنت من اكتشاف مهارات، بدءاً من سرعة حساب الأرقام، والفطنة وسرعة إعراب الكلمات بعد سماعها».

تقرأ القرآن بلغة البرايل

حصلت "خديجة" على أعلى الشهادات، حيث تحدثت عنها بالقول: «درست في مدارس المكفوفين بـ"دمشق"، وتحديداً في مدرسة داخلية تعلم لغة "البرايل" عبر منهاج نظامي بطريقة اللمس، وحصلت على الشهادة الثانوية الفرع الأدبي، والتحقت بعدها بجامعة "دمشق"، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، وحصلت فيها على شهادة اللغة العربية، ثم عدت وتقدمت لامتحان الشهادة الثانوية الفرع الأدبي، والتحقت بكلية الشريعة، وحالياً أنا على أبواب التخرج. بعدها عملت موظفة مؤقتة في مديرية صحة "درعا" كعاملة مقسم، وانتقلت بعدها إلى مديرية التربية لأشغل منصب معاونة رئيس قسم النسخ».

لم تكتفِ "خديجة" بالحصول على الشهادات الجامعية، ومارست مواهب متعددة، وهنا تقول: «لدي العديد من المواهب في الموسيقا، والرياضة، والغناء، وشاركت مع عدة فرق موسيقية، آخرها فرقة "التسامح والعطاء" في نادي "كبار السن" التابع لدائرة "العلاقات المسكونية والتنمية". وحرصت على إحياء الحفلات في المناسبات الوطنية في المحافظة، وشاركت في حفل أقيم في "اللاذقية"، وأحيته جمعية "رعاية المكفوفين".

تستخدم الحاسوب والهاتف المحمول

وأمارس الرياضة في مسابقات ألعاب القوى والشطرنج على المستوى الوطني، وحالياً لدي مشاركة في بطولة الجمهورية التي ستقام في محافظة "طرطوس"، وأقوم بالتدرب على العزف على آلة العود من قبل مدربين متخصصين».

تمارس هوايتها في تعليم أقرانها المكفوفين لغة "البرايل"، وتقول: «إضافة إلى عملي في مديرية تربية "درعا"، أقوم بتعليم المكفوفين الكتابة بطريقة "البرايل" في جمعية "البر"، وأمارس حياتي العادية عبر استخدام الهاتف المحمول، وجهاز الحاسوب الشخصي من دون مساعدة أحد، حيث قمت بتحميل برنامجاً خاصاً بالمكفوفين على أجهزتي يسمح لي باستخدام التقنيات بكل بساطة، بالمقابل قمت بتوزيع هذا البرنامج على المحال التي تبيع أجهزة الهاتف المحمول ليتم استخدامه من قبل الآخرين، وأتعامل مع أي جهاز عن طريق البرامج الناطقة».

مع أسرتها

مديرة فرقة نادي "العطاء والتسامح" التابع للكنيسة "عبير الأسعد"، وصفت "خديجة" بالقول: «هي جوهرة مضيئة، تشع إرادة، ولم تتأثر جراء واقعها وفقدانها للبصر، وهي تحتاج إلى رعاية واهتمام بصورة أكبر تتوافق مع ما تمتلكه من مهارات، تمتلك ملكات في كثير من المجالات، ولديها بصيرة لا يملكها المبصرون، إضافة إلى أنها تمتلك رهافة حس قوية، نشعر بها من خلال كتابتها للقصة والشعر، صاحبة الروح المرحة تتعامل مع الجميع بلطف، ولديها صوت دافئ وحنون، يأخذنا إلى عالم آخر من الرومانسية والطرب والمحبة».

بقي أن نذكر، أن "خديجة طباشة" من مواليد مدينة "درعا"، عام 1978.