يتميز القلم السوري حين يخط شعره فوق الورق بصدقه وعمق المشاعر التي تحملها كلماته، وما الشاعر "رأفت بدر الدين" إلا مثال على هذا التميز في مجال الكتابة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 26 أيار 2018، مع الشاعر "رأفت بدر الدين"، ليحدثنا عنه بالقول: «عالم الكتابة فضاءٌ شاسع ومفتوحٌ على الجميع، وطريق الكتابة طويل جداً، علينا أن نقطع نصف المسافة -على الأقل- من خلال القراءة، وبالنسبة لي أول قصيدة كتبتها كانت في عام 2006، وعرضتها على أستاذ في الشّعر؛ الدكتور "محمد عيد ابراهيم"، وهو من "مصر"، فقال وقتئذٍ عبارة مختصرة: (لم تعجبني)، وكانت هذه العبارة سبباً في إصراري على تطوير أسلوبي الأدبي والشّعري، فكانت القراءة منذ ذلك الوقت أوّل طريقي في الكتابة وتطوير أسلوب خاص بي ومختلف نوعاً ما بدأت ألمس ثمرته الحقيقية منذ عامين تقريباً؛ حين أعجب ذات الدّكتور بنصٍّ قد كتبته وكان أوّل من أسبغ عليّ صفة الكاتب السّوري "رأفت بدر الدّين"، والبيئة الّتي تحيط بالموهبة أيّاً كان نوعها (كتابة، رسم، غناء، عزف...)، تلعب دوراً مهمّاً وكبيراً في عدّة أمورٍ، أوّلها أنّها توجّه صاحب الموهبة إلى الطّريق الصحيح لاكتشاف موهبته، ثمّ حثّه على تطويرها من خلال النّقد البنّاء الذي صرنا -وأقولها بحسرة- نفتقده ونفتقد هذا النّوع من التّشجيع، الذي يحوّل البيئة المحيطة إلى آلةٍ فقط تمتهنُ كسر المجاذيف، ونستطيع القول إن المخيّلة النّقية وحدها لا تكفي ليستطيع الشّخص تحويل الصّور والأحداث إلى كلمات على الورق لتصير نصّاً أدبياً أو قصيدةً شعريةً تلامس القارئ كما يجب، ما لم يكن صاحب هذه المُخيّلة لديه القدرة أساساً في التّعبير عنها من خلال امتلاكه للغة صحيحة ومتينة وسلسة يحصل عليها من المواظبة على القراءة، يصبّ عن طريقها كل ما يكتبه في قلب القرّاء من دون تكلّف أو استعراض».

لكوني مطلعاً على تجربة "رأفت"، ومن خلال النصوص التي أرسلها لي ومتابعتي لمنشوراته الأدبية على "الفيسبوك" وجدت بعض النقاط التي ترسم نصه وتبرز أهم ما يود أن يقوله أو يحاول الاقتراب منه، تتميز نصوصه بقوة السرد، فنحن حيال نص شعري غارق بسرد مطول، وكأن نصه ذاك موزع كله في تفاصيل تشغل كل نصوصه الشعرية وتحتلها بقوة، النص الذي بالنهاية يحكي رواية ما أو يسرد سيناريو طويلاً لقصة تشغل هواجسه وتستولي عليه، ثمة عالم للطفولة مهشم في نصه الشعري، الخوف والشعور بالانسحاق والمرارة هو ثيمة واضحة وملحة في نصه، وثمة آخرون يعانون ذات الألم أو هم جزء منه في تلك النصوص، إن ذات الشاعر هنا هو طفل يسجل وقائع ما يحدث من خلال رصده لعالمه النفسي الخاص وردود أفعاله، ثمة مأساة تلوح في تفاصيله التي يسردها بجرعات ثقيلة، وتتجول كل نصوصه بحرية بالغة، حضور تلك المأساة هو غاية في القلق، وغاية في عكس ذاك الألم ووصفه بدقة بالغة وأمانة مدهشة، و"رأفت" متمكن من الإفصاح عنه، ويعرف كيف يكون نجم مكانه، ولديه القدرة على أن ينتج نصاً يقف على قدمي الثقة والتأكد على الرغم من كل الاهتزاز الداخلي بين جنباته، وهو يتقدم بقوة وثبات نحو ما يريد

ويكمل: «"الوجه السّابع للنّرد" هو مجموعة من النصوص النّثرية أتحدّث من خلالها عن أمور تتعلق معظمها بحياتي الخاصّة، لكنني أتناولها من خلال النّصوص كقضايا عامة، مثل: (الغربة، الوحدة، الخوف، الوطن والأم)، إضافة إلى نصوص تميل إلى فلسفة أمور محورية، كالولادة، والموت، والكتاب أصبح جاهزاً وموجوداً على شكل مخطوط، وفيه نحو مئة وعشرين نصّاً؛ لكل نصّ قصّة وفكرة، سأقدم على طباعته ونشره في وقت قريب، وقد نشرت فيديو على موقع "الفيسبوك" لقصيدة ألقيها بطريقة مصورة، وكانت تجربة أولى وجميلة، ولم تكن استعراضاً كما انتقدها بعض الأصدقاء من القرّاء والكتّاب، إنّما كان رسالةً شفهيّة ومرئية تحمل جرحاً مشتركاً بين أبناء بلدي "سورية"، وقد لاقت تفاعلاً لافتاً جعلني أشعر بالفخر الكبير، وأنّ المسؤوليّة صارت أثقل، ولا ننكر أن "السّوشال ميديا" باتت الآن سلاحاً قوّياً على صعيد الشّهّرة، لكنّها في ذات الوقت سلاحٌ خطر إذا أسأنا استخدامها من خلال استغلالها فقط لنكون مشهورين، وفي الحقيقة كلّ النّصوص التي أكتبها تعني ليَ الكثير وتلمسني من أعماقي؛ لأنّه -إن صحّ التّعبير- كل نصّ أنتهي من كتابته يكون بمنزلة ابني، ولا يخلو الأمر من نصوص مميّزة أكاد أردّدها على الغائبِ كلّما جلست إلى نفسي، ومن هذه النّصوص نصّ عنوانه: "تلويحةٌ أخيرة"، سأذكر مقتطفاً منها يقول:

الشاعر "وفائي ليلا"

"تسألينني دائماً

ما سرّ ارتباطِ حزنكَ بالموانئ

لم أستطع في أيّ مرّةٍ

أن أجيبكِ على سؤالكِ

لكنّني منذ افترقنا

كلّ يومٍ نفس المنام

فتاةٌ من عمركِ

تفوح من حزنها رائحةُ

الخشب الرّطب

تقف عند بابِ مقبرةٍ جماعيّة

-ومثلَ غريقةٍ-

تلوّح للموتى بكلتا يديها العاجزتينِ

لعلّ تلويحةً بالخطأ

تمرّ على قبرِ حبيبها"».

الشاعر "وفائي ليلا" عنه يقول: «لكوني مطلعاً على تجربة "رأفت"، ومن خلال النصوص التي أرسلها لي ومتابعتي لمنشوراته الأدبية على "الفيسبوك" وجدت بعض النقاط التي ترسم نصه وتبرز أهم ما يود أن يقوله أو يحاول الاقتراب منه، تتميز نصوصه بقوة السرد، فنحن حيال نص شعري غارق بسرد مطول، وكأن نصه ذاك موزع كله في تفاصيل تشغل كل نصوصه الشعرية وتحتلها بقوة، النص الذي بالنهاية يحكي رواية ما أو يسرد سيناريو طويلاً لقصة تشغل هواجسه وتستولي عليه، ثمة عالم للطفولة مهشم في نصه الشعري، الخوف والشعور بالانسحاق والمرارة هو ثيمة واضحة وملحة في نصه، وثمة آخرون يعانون ذات الألم أو هم جزء منه في تلك النصوص، إن ذات الشاعر هنا هو طفل يسجل وقائع ما يحدث من خلال رصده لعالمه النفسي الخاص وردود أفعاله، ثمة مأساة تلوح في تفاصيله التي يسردها بجرعات ثقيلة، وتتجول كل نصوصه بحرية بالغة، حضور تلك المأساة هو غاية في القلق، وغاية في عكس ذاك الألم ووصفه بدقة بالغة وأمانة مدهشة، و"رأفت" متمكن من الإفصاح عنه، ويعرف كيف يكون نجم مكانه، ولديه القدرة على أن ينتج نصاً يقف على قدمي الثقة والتأكد على الرغم من كل الاهتزاز الداخلي بين جنباته، وهو يتقدم بقوة وثبات نحو ما يريد».

يذكر أن "رأفت" من مواليد محافظة "درعا"، عام 1989.