عشرات القتلى والجرحى كانوا ضحية التصادم الذي حصل وجهاً لوجه، بين سيارة شحن كبيرة وإحدى بولمانات نقل الركاب المتجهة من دير الزور إلى دمشق... حصل الحادث في الصباح الباكر، على بعد ما يقارب الـ100 كم من دمشق، وقد عزي وقوعه إلى السرعة الزائدة وسوء الأحوال الجوية..

هذه الحادثة، وحوادث غيرها دفعت edair-alzor للتوقف عند «طريق الشام» هذا الذي صار خلال فترة قصيرة طريقاً للـ«حرير» بالنسبة للمنطقة الشرقية.

المستقاة من مدير الشؤون الفنية في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية

ومن الشحن ما قتل!!...

مع مطلع الثمانينيات وضع في الخدمة طريق «دير الزور- تدمر- دمشق» وكانت نتائجه سريعة وفي غاية الأهمية، حيث تمكن - وفي وقت قصير - من ربط المنطقة الشرقية بالعاصمة، ثقافياً وسياسياً وتجارياً، وهو الأمر الذي كان ضعيفاً قبل ذلك، بسبب بعد المسافة واللجوء إلى حلب للوصول إلى دمشق، ما كان يستغرق يوماً كاملاً أحياناً لسوء وسائط النقل حينها، رغم هذا فإن هذا الطريق، ذو الاتجاه الواحد، والذي يناهز طوله الـ500 كم، لم يخل متر منه من دم أو جثة، حتى بات يسمى «طريق الموت» جراء حوادث السير شبه اليومية التي تحصل فوقه منذ ذلك التاريخ.

مدخل طريق الشام

ورغم أن أخبار هذه الحوادث قد بات شأناً عادياً لكثرتها، إلا أن بعضها يفرض نفسه بقوة لطابعه المأساوي، كهذه «المجزرة» التي بين أيدينا، وكالمجزرة المشابهة التي حصلت منذ أسبوعين، عندما «استقر» بولمان «فوق» سيارة خاصة صغيرة، ما أدى إلى انقلابه ومقتل وجرح العديد من ركابه، ولكن بعد أن حوَّل العائلة التي كانت تستقل السيارة الصغيرة إلى أشلاء منثورة.

في كل هذا الذي يحصل، يأتي التفسير الرسمي متوقعاً: السرعة الزائدة أو سوء الأحوال الجوية!!... ربما كانت هذه المبررات صحيحة، بل هي صحيحة على الدوام، سواء على هذا الطريق أوفي غيره من الطرق، ولكن ماذا فعلت الجهات المعنية منذ العام 1982 للتخفيف من الحوادث التي تقع عليه؟!...هل قامت بتوسيعه عدة أمتار، وتحويله إلى اتجاهين «أوتو ستراد»؟!... وهو أمر حيوي، خصوصاً وأن الموانع الافتراضية، كالبيوت أو المنشآت أو الأراضي الزراعية، غير موجودة بسبب مروره في البادية السورية، وهي أملاك للدولة، وهذا ما يسهل من الأمر «إدارياً» كالتفكير في أعباء الاستملاك وتكاليفه..

وهل سعت هذه الجهات إلى شق طريق خاص بسيارات الشحن التي تراها منتشرة على الطريق، قادمة من العراق وتركيا وباقي المحافظات الأخرى، متسببة بازدحامه وبالكثير من الحوادث المباشرة وغير المباشرة؟!...

سيارات الشحن هذه، هي إحدى أهم أخطار هذا الطريق، وهي تسبب رعباً حقيقياً للسائقين -خصوصاً سائقي البولمانات - الذين يعبرون هذا الطريق يومياً..

أحد السائقين يقول: أكثر الحوادث يتسبب بها الشحن، ونحن نخشى منه كثيراً، ونحسب له ألف حساب أثناء السفر، والخطورة أن بعض السائقين، وبسبب الإجهاد والسير لمسافات طويلة، يغلبه النعاس وهو وراء المقود، مما يتسبب بحوادث لنفسه أو لغيره!!..

«طريق الحرير»... أم «طريق الحديد»؟!...

الأمان... الراحة... التوفير... الرخص... نظافة البيئة... كل هذه عبارات تطالعنا دائماً في الإعلانات الخاصة بالخطوط الحديدية، والموجهة للمواطن لحثه على استخدامه لها والاستفادة من مزاياها العديدة.

ولأننا مقتنعون بأن هذه المزايا ليست كذبة، وبأنها الحل الأمثل للنقل والشحن، أماناً وراحة وكلفة، وبأن الدول المتقدمة كـ«روسيا والصين» تفخر بأطوال خطوطها الحديدية، لأننا مقتنعون بكل هذا، كنا، وما زلنا، لا نفهم كيف، ولماذا أهملت المنطقة الشرقية من هذه النعمة؟!.. رغم أنها الأكثر حاجة لها، بسبب طبيعتها الجغرافية التي تجبر المسافر على قطع مئات الكيلومترات عبر بادية الشام المترامية الأطراف!!...

«كان الله بعوننا...» قال أحد السائقين وهو يشكو رتابة الطريق وطوله وكآبته، في حين قال أبو فراس: أنا مضطر للسفر باستمرار إلى دمشق بسبب تجارتي، هذا الطريق لا يحتمل لطوله وخطورته... وأنا أسافر على مضض... ونحن نستغرب لماذا لا يتم ربط المنطقة الشرقية بدمشق عبر خط حديدي!!... وقال طالب جامعي: القطار هو الحل الأمثل لهذه المنطقة، فالمسافر قادر على النوم والحركة والقراءة والتسلية، عدا عن الإحساس بالأمان.

ما نعرفه، وكما أفادنا به أحد المطلعين، أن هذا المشروع ملحوظ منذ سنوات في الخطط الخمسية، وقد ظل طي الأدراج لأكثر من مرة، بحجة عدم وجود التمويل والموازنات الخاصة به، أو بحجة عدم جهوزية الدراسات الفنية.

بانتظار «تمويل عالمي»...

ويبدو أننا لسنا وحدنا المهتمين بالأمر، فسليمان العجيل، رئيس نقابة عمال الخطوط الحديدية، يفصح لنا عن جملة من المطالبات التي قامت بها النقابة بهذا الشأن، منها المداخلة التي جرت مؤخراً في المؤتمر العام لاتحاد العمال، ومنها الكتب الرسمية الموجهة عن طريق الاتحاد إلى وزارة النقل، لإدراج هذا المشروع الحيوي في خططها ورصد الميزانيات له.

وعن سؤالنا: أين وصل المشروع؟!.. أجاب العجيل بصدق وعفوية، أن آخر معلوماته «المستقاة من مدير الشؤون الفنية في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية» هي أن الموضوع قيد الدراسة، وأنه معروض على شركة بلاس الألمانية... وأضاف: السكة الحديدية منفذة بين دمشق وخنيفيس «قرب تدمر» وهذا يعني أنها لا تحتاج سوى إلى استكمال تنفيذها باتجاه دير الزور، وهي مسافة تقدر بحدود 240كم!!...

تقاطعاً مع هذا، كان علينا أن نستعيد بعضاً مما أجاب به رئيس هيئة تخطيط الدولة، الدكتور تيسير الرداوي، في المؤتمر الذي عقده مع الإعلاميين في دير الزور، عن سؤال وجهه أحد الإعلاميين بخصوص الخط الحديدي بين دمشق ودير الزور ومراحل إنجازه، سيما وأن المنطقة «تمتاز» بشبكة طرق متواضعة، حيث قال حرفياً: إن سكة «حلب - دير الزور – العراق» تنفذ حالياً، وستنتهي كما هو مخطط لها في 2008، أما سكة «دمشق - دير الزور» فهي ملحوظة في الخطة الخمسية العاشرة، وهي بانتظار تمويل عالمي لها لتدخل حيز التنفيذ.

أخيراً، وللتذكير فقط، هذه المنطقة هي أكثر المناطق السورية ، حيوية وفاعلية اقتصادية، في العقود الأخيرة، سواء من ناحية الاستثمار النفطي والزراعي والحيواني أوغيره، أفلا تستحق شبكة من الطرق بمواصفات دولية؟!... سيما وأنها الآن معروضة للاستثمار.