قرر أن يعمل في ما يُحب؛ فاختار السباحة والغوص في أعماق البحار، لم تغدُر به الأمواج الهائجة يوماً ما وبقيت مخلصةً له؛ خاطر بحياته عشرات المرات من أجل ألا ينقض عهده في مساعدة الآخرين، فسجّل اسمه بين كبار الغواصين، لُقِبَ بأسماءٍ كثيرة مثل "الحوت" و"الدلفين" و"سمك القرش" ومع ذلك بقي له اسمٌ واحد يدعى "مهيدي الداخل" الغواص الذي ترك بصمةً واضحة في أعماق المياه؛ والذي التقينا به في مدينة "البوكمال" بتاريخ 12 شباط 2010م في لقاءٍ شيّق من أجل تصفّح أوراق تاريخه الطويل في عالم الغوص.

فتحدّث عن البدايات الأولى له قائلاً: «بدأت ممارسة رياضة السباحة منذ عام /1972/ وذلك أثناء تطوعي في القوة البحرية برتبة صف ضابط اختصاص الضفادع البشرية؛ وكانت مهمتنا التدرب على الغوص لمسافاتٍ عميقة تحت سطح البحر، وبفضل هذه التدريبات أصبحتُ من الغواصين المميزين في القوة البحرية، ومنذ ذلك التاريخ أصبح البحر والغوص في أعماقه هاجسي الوحيد وبتُ لا أستطيع العيش بعيداً عنه إلى أن بلغتُ سن التقاعد في عام /1995/ وأُجبرتُ على الابتعاد عن أسرار البحر، لكني حافظتُ على مهاراتي في عمليات الغوص والإنقاذ إذا لزم الأمر».

في عام /1980/ شاركتُ مع مجموعة الضفادع البشرية في إنقاذ طاقم سفينة "صينية" غرقت في البحر المتوسط بالقرب من سواحل مدينة "اللاذقية"، إثر تعرضها لعاصفة بحرية شديدة واختلّ توازنها مما دفع الأشخاص الموجودين على متنها لإلقاء أنفسهم بين أمواج البحر؛ واستطعنا إنقاذ أكثر من عشرة أشخاص بقوا على قيد الحياة أما البقية فقد تم العثور عليهم وهم غرقى

ثم أضاف: «وخلال مسيرتي الطويلة في الغوص مرّت عليّ حالات عديدة ومهمات إنقاذ مختلفة سواء كانت في الأنهار أو البحيرات أو في "المتوسط" فربما تتجاوز مئة مهمة أو أكثر؛ فالقيام بالغوص ليس بالشيء السهل كما يظنه الكثير من السّباحين، فهذه المهنة تتطلبُ مهارات كثيرة لا يستطيع القيام بها إلا من خضع لتدريبات خاصة بشكلٍ مستمر وخلال فترةٍ طويلة؛ وبالطبع فقد اكتسبتُ هذه المهارات أثناء وجودي ضمن مجموعة الضفادع البشرية حيث بإمكاني الغوص حتى مسافاتٍ بعيدة تحت سطح الماء تصل إلى نحو /68/ متراً».

الغطاس "مهيدي" تحت الأعماق

عمليات إنقاذ عديدة قام بها وظلّت محفورة في ذاكرته، يحدثنا عن إحداها: «في عام /1980/ شاركتُ مع مجموعة الضفادع البشرية في إنقاذ طاقم سفينة "صينية" غرقت في البحر المتوسط بالقرب من سواحل مدينة "اللاذقية"، إثر تعرضها لعاصفة بحرية شديدة واختلّ توازنها مما دفع الأشخاص الموجودين على متنها لإلقاء أنفسهم بين أمواج البحر؛ واستطعنا إنقاذ أكثر من عشرة أشخاص بقوا على قيد الحياة أما البقية فقد تم العثور عليهم وهم غرقى».

وأضاف عن حادثة أخرى: «وهناك مهمة غوص أخرى قمتُ بها منذ فترة طويلة؛ ففي بحيرةٍ قرب مدينة "اللاذقية" غرق شابٌ في مقتبل العمر وبقيت جثته مفقودة تحت الماء لمدة /22/ يوماً، وعجز معظم السباحين والغواصين في العثور عليه، وبعد أن علمتُ بالأمر اتجهت إلى مكان الحادث للبحث عن جثة الغريق؛ وأثناء غطسي حتى مسافة /15/ متراً شعرتُ بانخفاضٍ شديد في درجات الحرارة ومع ذلك تابعتُ الغوص إلى أن وجدتُ جثة الشاب مستقرة في القاع ومنتفخة بعض الشيء، فأدركت حينها أن برودة المياه الشديدة في الأعماق هي التي منعت الجثة من العوم فوق الماء. وبعدما أخرجتُ الجثة فرحت أم الشاب كثيراً على الرغم من أن ابنها لم يكن سوى جثة هامدة؛ فبحسب أقوال الموجودين في المنطقة فإن هذه المرأة بقيت طوال هذه الأيام تأتي يومياً إلى البحيرة علّها تعثر على جثة ابنها اليتيم الأب ووحيدها، هذه الحادثة تركت في نفسي ذكرى جميلة وأليمة في الوقت نفسه».

الثاني من اليسار

ويتحدث عن مهمةٍ صعبة أخرى كُلّف بها أثناء وجوده ضمن مجموعة الضفادع البشرية، حيث يقول: «في عام /1988/ كُلّفتُ مع ثلاثة غواصين من زملائي ونحو عشرين غواصاً من اليابان للعثور على أنقاض سفينةٍ لنقل البضائع كانت متجهة إلى إحدى المدن اليابانية، وتحمل على متنها عدداً من الأوعية الفخارية القديمة، وكانت قد غرقت قبل حوالي ألفي سنة قبل الميلاد وذلك بالقرب من مدينة "بانياس" وكما سمعنا فإن من بين تلك الأوعية كان هناك وعاءان يحتويان بداخلهما كميات كبيرة من الذهب القديم، وبالفعل استطعنا العثور على السفينة الغارقة تحت الأعماق وبالتالي إخراج تلك الأوعية الفخارية الأثرية وهي سليمة من الكسر لأنها كانت مطمورة تحت الأرض وبين الصخور وهذه الأشياء التي أخرجناها هي الآن موجودة في متحف "طرطوس" وحتى لا أنسى فإن الرائد الركن المرحوم "باسل الأسد" كان موجوداً معنا في تلك المهمة الصعبة ويُشرف عليها بنفسه».

بقي أن نذكر بأن الغواص "مهيدي الداخل" من مواليد /1954م/ ومع ذلك يتمتع بلياقة بدنية جيدة تمكنه من متابعة ما بدأ به أيام الشباب ولا يزال يقوم بمهمات الغوص إن احتاج الأمر وهو الآن يعمل مدرباً للسباحة ومنقذاً في مسبحٍ بمدينة "البوكمال".

في إحدى مهماته في المتوسط