حين كان وفد مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل ينتقل بين القرى للتواصل مع المكفوفين ودفعهم للالتحاق بمعهد النور مرَ بقريته البسيطة التابعة لبلدية "الصور"، حاول وهو ابن 13 عاماً إقناع والده بضرورة الالتحاق بالمعهد، وهو الكفيف الذي بدأ بفقدان نعمة البصر قبل أن يتم الثانية من عمره وكاد يحرم نعمة التعليم لولا إرادته القوية التي نقلته من راعٍ ضعيف البصر يرعى أغنامه إلى طالب ثم مدرس في معهد "النور" للمكفوفين، وأول أستاذ كفيف في مدارس المبصرين.

التقاه eSyria ليحدثنا عن نفسه بادئاً من تلك المرحلة التي عاشها في قريته: «ولدت في قرية "النملية" سنة 1954عانيت من مشكلة الرمد الذي سبب لدي حالة من فقدان البصر التدريجي نتيجة العلاج الخاطئ إلى أن حرمت منه نهائياً، عانيت من قسوة الحياة في القرية حتى زارتها حملة تابعة للشؤون الاجتماعية لإلحاق المكفوفين بمعهد النور وبعد ممانعة والدي تمكنت من الالتحاق به وهناك حصلت على الابتدائية ثم الإعدادية دراسة حرة ثم الثانوية العامة، كنت أيامها أتمنى دراسة التربية وعلم النفس ولكني لم أقبل فيها لأن الدراسة تحتوي مواد عملية فتقدمت لكلية الآداب- قسم التاريخ واستطعت الحصول على الشهادة الجامعية دون أن أتوقف في أي سنة من سنوات الدراسة فكنت بذلك أحمل ثاني شهادة جامعية في قريتي سواء بين المبصرين أم المكفوفين».

عرفت الأستاذ "علي" مدرساً في معهد "النور" ثم زميلاً لي في جمعية رعاية وتأهيل المكفوفين، وقد كان يحضنا دائماً على إدراك الواقع ومحاولة تغييره وكانت نصائحه دائماً لها أثرها في نفوسنا لكونه يعاني من ذات الإعاقة التي نعاني منها بالإضافة إلى أنه كان مثالاً وقدوةً لنا في قوة الإرادة والتصميم

ومن الجدير بالذكر أن للأستاذ "علي" ذاكرة قوية راح يختبرها من خلال تذكر أهم ما تميزت به ذكريات الجامعة والمرحلة التي تلتها فأضاف قائلاً: «عشت في الجامعة أجمل ذكريات حياتي على الإطلاق لدرجة أنني اليوم مازلت أذكر وبعد أكثر من ثلاثين سنة الوحدة الأولى في السكن الجامعي والغرفة رقم 141 التي درست فيها سنواتي الأربع، وما زالت الرحلات الجامعية ورفاق الدراسة في ذاكرتي.

السيد زيدان الخليف السليمان

أما الصعوبات فمعظمها كان يتعلق بتسجيل المحاضرات والمنهاج حيث كنت أضطر إلى الاستعانة بزملائي للقيام بهذه المهمة ومنهم الدكتورة "شكران خربطلي" والدكتورة "اكتمال إسماعيل" والدكتور "غطاس نعمة" أما الأستاذة "أماني جريدة" فقد ساعدتني من خلال تسجيل المنهاج بأكمله لمدة أربع سنوات، هذا مِن جهة ومن جهة أخرى أدى فقدان البصر إلى صعوبة الاطلاع على مناهج أخرى مما أعاق مواصلة شغفي بالمطالعة».

وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد الجامعة تابع قائلاً: «بعد انتهائي من الدراسة الجامعية وحصولي على الشهادة عانيت من مشكلتين الأولى اجتماعية وتتعلق بالزواج فبعد عودتي إلى القرية كنت أتمتع بمعنويات مرتفعة جداً ولكني صدمت الصدمة التي أعادتني للواقع وذكرتني بإعاقتي وهي مشكلة الزواج ووجود امرأة تقبل الزواج بي، ما أدى إلى تأخري في الارتباط عدة سنوات وأنا الآن متزوج ولدي خمسة أولاد.

أما المشكلة الثانية فكانت تتعلق بالتوظيف فبعد تخرجي بعام واحد تقدمت لمسابقة في التربية وتم تعييني بوظيفة إدراية أشعرتني وكأن سنوات الدراسة ذهبت هباء ثم تم ندبي للعمل في معهد المكفوفين الذي درست فيه لمدة 20 سنة حتى حصلت بعد ذلك على فرصتي الحقيقية وهي التعليم بالشهادة التي حصلت عليها لأكون أول أستاذ كفيف يدرس في مدارس المبصرين.

وهي تجربة وإن كنت قد خضتها متأخراً إلا أنها كانت من أهم ما أنجزته في حياتي ولا أرى في أهميتها شيئاً شخصياً بقدر ما أراه أمراً يفتح الطريق أمام المكفوفين الذين من حقهم أن يمارسوا المهنة التي كتب لهم أن يدرسوا ليصلوا إليها».

"زيدان الخليف السليمان" طالب آداب: «عرفت الأستاذ "علي" مدرساً في معهد "النور" ثم زميلاً لي في جمعية رعاية وتأهيل المكفوفين، وقد كان يحضنا دائماً على إدراك الواقع ومحاولة تغييره وكانت نصائحه دائماً لها أثرها في نفوسنا لكونه يعاني من ذات الإعاقة التي نعاني منها بالإضافة إلى أنه كان مثالاً وقدوةً لنا في قوة الإرادة والتصميم».