مع الانتهاء من موسم الحصاد تعمد ربات المنازل إلى تحضير أنفسهن لاستقبال القمح في منازلهن، ما يعني بداية موسمٍ من العمل الشاق والممتع في الوقت ذاته، موسم ربما ليس لدى الجيل الجديد من الفتيات فكرة وافية عنه فكل مشتقات القمح تحضر اليوم من المحال التجارية بسهولة ما كانت ربات البيوت يتخيلنها وهن اللواتي يقضين أياماً وليالي طوال مع مشتقات القمح في التحضير لموسم الشتاء.

عن أهم ما كانت تصنعه ربات المنازل من القمح والذي تصر بعضهن حتى اليوم على صناعته يدوياً التقينا بالسيدة "أمل العبيد"، ربة منزل، والتي أفادتنا بالقول: «كان يصنع من القمح وهو عماد الغذاء في المنطقة عدة أنواع من المواد التي لكل واحدة منها طريقة خاصة في الصنع وطعم خاص في المذاق، ومن تلك المواد التي ما تزال تلقى رواجاً كبيراً في مدينة "دير الزور" وريفها وإن لم يعد تحضيرها يدوياً في غالب الأحيان "الفشيق" وهذا يصنع من القمح الأبيض ذا الحبة الكبيرة وقل كثيراً عدد النساء اللواتي يعددنه بأنفسهن ولعل ذلك يقتصر على الريف فقط، إذ يشترى اليوم ببساطة من المحال التجارية بعد أن كان يكلف المرأة الكثير من العناء إذ كانت تعمل على ترطيبه بالماء ثم إرساله إلى "الدنج" وهو عبارة عن حجر بركاني يشبه حجر "الرحى" من أجل إزالة القشر فقط دون أن يتم تكسير الحبوب، ثم يجف ويجرش بعد ذلك لاستخراج الحبة الكبيرة والحبة الصغيرة، وكان حضوره إلى البيت يمثل طقساً عائلياً واجتماعياً هاماً، والحبة الكبيرة منه تدخل في "الفشيق" أما الصغيرة فتستعملها ربة المنزل في صنع بعض المأكولات مثل الكبة، وعموماً من أشهر المأكولات "الديرية" التي يدخل فيها "الفشيق" كانت أكلة "الكمأة"».

من تلك المواد "الحبية" وهي مثل "الفشيق" تصنع من الحبة البيضاء الطرية وبعد إزالة القشرة من القمح لا يتم جرشه وإنما يبقى على حاله بعد تنظيفه ويدخل في عدة مأكولات منها "العاشورية " والتي كانت تطبخ في عشرة محرم وفي مناسبات أخرى، وهذه الحبية لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في "دير الزور" وتطبخ سنوياً في بعض التكايا

ولعل من أهم الأكولات التي يدخل فيها "الفشيق" ولا تستطيع أي عائلة في "دير الزور" الاستغناء عنها هي أكلة "الفورة" والتي يعتبر عمادها الأساسي "الكشك" المصنوع بشكل أساسي من "الفشيق" والذي حدثتنا عنه السيدة "يسرى العلوش" ربة منزل، من اهالي منطقة "الحويجة" بالقول: «"الكشك" ويلفظ باللهجة الديرية "الجشج" وهو يلاقي إلى اليوم رواجاً وشعبية كبيرة، ولا يكاد يخلو منه بيت من بيوت "الدير" ويصنع من "الفشيق" الذي يتم خلطة مع اللبن الحامض وتعمل المرأة على تحريك الخليط بين وقت وآخر إلى أن يختمر وتظهر فيه فقاقيع تدل على اختماره، وعند ذلك تعمد إلى تقطيعه على شكل أقراص صغيرة و"الجشج" يدخل في عدة مأكولات تؤكل ساخنة وأشهرها "الفورة" وهي وجبة لا تكاد أسرة "ديرية" تستغني عنها في أيام الشتاء الباردة وأيام الربيع ولها طقس عائلي جميل ويتم تناولها على الأغلب في إفطار يوم الجمعة».

السيدة يسرى العلوش

وعن المواد التي قل كثيراً الطلب عليها لقلة استهلاكها حدثتنا السيدة "عروبة مطر" ربة منزل، بالقول: «من تلك المواد "الحبية" وهي مثل "الفشيق" تصنع من الحبة البيضاء الطرية وبعد إزالة القشرة من القمح لا يتم جرشه وإنما يبقى على حاله بعد تنظيفه ويدخل في عدة مأكولات منها "العاشورية " والتي كانت تطبخ في عشرة محرم وفي مناسبات أخرى، وهذه الحبية لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في "دير الزور" وتطبخ سنوياً في بعض التكايا».

ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى هذه المواد التي قد يعرفها البعض ويجهلها آخرون هنالك مواد منتشرة على نطاق واسع في "الدير" وخارجه وسنحاول أن نمر عليها سريعاً لأنها لا تحتاج إلى كثير من التعريف منها ما حدثتنا عنه السيدة "كوثر عويد" ربة منزل، بالقول": «هنالك مأكولات لا غنى للناس عنها مثل "البرغل" وهو يصنع من القمح القاسي ويتم سلقه ثم قشره وجرشه، وهو على أنواع "ناعم وخشن"، وهناك أيضاً "الشعيرية" وهذه كانت ولا تزال رائجة وتصنع أيضاً من طحين القمح القاسي وسميت "شعيرية " لشكلها المشابه للشعر في دقة خيوطها وكانت سابقاً تطبخ على العشاء مع الزبيب والسمن الديري وتقدم في السهرات».

السيدة عروبة مطر