التراث الموسيقي الشعبي في "دير الزور" تراث غني ومتنوع وأصيل ومتطور، أساسه الأريحية العربية للكلمة الحلوة، والنغم الحلو، حتى إن "دير الزور" اكتسبت في يوم من الأيام تسمية "دير الشعراء" لكثرة الشعراء والمطربين في ذلك الوقت وفي كل مناسبة كان أهالي المحافظة يتغنون بأغان تليق بتلك المناسبة.

موقع eSyria التقى بتاريخ 11/3/2011 المعمر "عبد الله الكضّيب" والذي تحدث عن الأغاني "الفراتية" بالقول:

أم الخديد الوردة البسباتي/ محزمة لأجل الغوى بسباتي سايم عليجي المصطفى بس باتي/ صدت وقالت يا مدلل ما أقدر

«يتميز التراث الموسيقي "الديري" بوضوح المقامات والإيقاعات والجمل اللحنية فيه حتى العتابا تطبعت بطابع البداوة مع لازمتها "ويلي ويلي أو أوف أو أويها"، وكانت تقوم الأغاني على مجموعة من الآلات القديمة "كالربابة والشاخولة والطبل"».

عبد الله كضيب

وللتعرف على الأغاني "الفراتية" ومقاماتها التقى الموقع رئيس فرقة "الفرات" الموسيقية "بدير الزور" "يحيى عبد الجبار" ليحدثنا قائلاً:

«تصنف الأغنية "الفراتية" من عدة أمور أولها المقام، وهل هي طويلة أو قصيرة، صعبة أو سهلة، والإيقاع فيها يكون إما على "الصبا" أو "الحجاز" أو "السيكاه" أو "البيات" وهي مقامات عربية وشجية وبهيجة، أما ما يميز اللون الغنائي "الفراتي" في العشيرة فترى "النايل" وهو من ألوان "الموال" يختلف من عشيرة إلى أخرى، كما تمتاز الأغنية بشعبيتها وبقوة كلماتها ومعناها والقصد منها، كما تتميز بالحزن نتيجة قسوة الطبيعة، وتجد في هذه المنطقة الألوان الثلاثة للغناء البدوي والريفي ولون أهل المدينة التي تطورت لهجتها اللغوية وأصبحت أقرب للفصحى حيث اشتقت لهجتها الخاصة من لهجة أهل البادية وأهل الريف».

الباحث عامر النجم

وتابع "عبد الجبار" بالقول: «تعودنا أن نغني في الأفراح أغاني الحزن، فأثناء حفل الزواج يطلب منا أغان "الأويلاه والأيابه" وهي أغان للفراق والحزن والمأساة، ولا يقتصر الأمر على الأفراح حتى الأطفال يغنى لهم أغان خاصة من أمهم "تسمى بالهدي" لكي ينام طفلها وهي أغان حزينة معبرة عن داخل الأم بالتأوه "أوه – وآه وجميع هذه الأغاني خاصة بمنطقة "الفرات"».

ولدى سؤالنا رئيس فرقة "الفرات" الموسيقية عن تأثير الآلات الحديثة على القديمة قال: «بعد دخول الآلات الموسيقية الحديثة إلى "دير الزور"، استغنى أهل المدينة عن آلتي الربابة والشاخولة بل يمكن أن نقول إنها اندثرت لأنها محدودة العزف وأقل مساحة من بقية الآلات الموسيقية وفرقتنا عملت منذ نشأتها على إحياء التراث وإعادة الآلات القديمة وهذا ما فعلناه في مهرجان الأغنية "الفراتية" الأخير».

وضرب "عبد الجبار" بعض الأمثلة على الأغاني "الفراتية" وكانت البداية بالموليا فقال:

«الله على أبو الزلف عيني يا مولاي/ عجوز تطرد هوى وتقول أنا بنيا

هل ريمة العندكم تمشي ورابوها/ مثل دويج الحجل في البيت ربوها

ألفين لعمها وألفين لابوها/ وألفين للي خطبها وجابها ليا».

وأردفه ببيت آخر من أغاني الليمر قال فيه:

«أم الخديد الوردة البسباتي/ محزمة لأجل الغوى بسباتي

سايم عليجي المصطفى بس باتي/ صدت وقالت يا مدلل ما أقدر».

كما التقينا الشاعر "عبد الناصر حمد" والذي قام بكتابة العديد من الأغاني لمطربين داخل سورية وخارجها، ومنهم المطرب "العراقي" "سعدون الجابر" بأغنيته "عشرين عام" ليحدثنا عن الأغنية "الفراتية" فقال:

«هناك خلط بين الأغنية "الفراتية والعراقية"، والأغاني الفراتية قديمة منذ أكثر من /500/ عام، ونحن لا نعرف من "الأغنية العراقية" أكثر من /200/ عام بأشعار "عبد الله الفاضل" فقط».

وأضاف "حمد" قائلاًَ: «تشتهر نساء "دير الزور" بالموليا، ولغياب التوثيق والدراسة لا نعرف عن الأغنية الفراتية إلا الشيء القليل، ولكن تتلمذ شعراؤنا ومطربونا على الأغنية العراقية، الأمر الذي جعل من الأغنية "الفراتية" تحمل مواصفات الأغنية العراقية ولعل المطرب "الفراتي" الوحيد "ذياب مشهور" من أميز المطربين الذين غنوا اللهجة "الديرية"».

وللتعرف على ألوان "الغناء الفراتي"، وما هو موثق عنه التقى الموقع الباحث "عامر النجم" ليحدثنا بالقول: «اتسم الغناء في "الفرات" بالطابع البدوي لكون "دير الزور" تقع على أطراف البادية السورية، ومجتمعها ما زال محافظاً على العادات والتقاليد البدوية وقد تعددت ألوان الغناء "الفراتي" إلى أكثر من /78/ لوناً، ومنها النايل الديري المنتشر عند النساء والرجال في الدير ويؤدونه في العمل والحصاد، والميجنا والليمر واللالا والدلعونا وعالمايه والسويحلي والهويدلي وغيرها الكثير».

وشرح "النجم" عن مسميات الأغاني "الفراتية" بالقول: «الموليا جاءت تسميتها من أن جارية غنت هذا النوع بعد نكبة "الرشيد"، أما "النايل" فيقولون إن امرأة من قبيلة بني عذرة كانت تهوى فتى اسمه نايل ومن هنا جاءت تسميته، وغناء "الهلابا" هو للتأهيل والترحيب بالحبيب، وغناء "العتابا" اسمها مشتق من معاتبة الزمن لما ينزل بالناس المصائب، وغناء "يبو اردانه" جاءت تسميته من الردن الطويل (الكم الطويل) للثوب وهناك غناء "أرواحي يمه على الحبيب أرواحي" فالديريون أصحاب ماشية فيغنونه أثناء الرعي، وغناء "لهلنا يا جويد لهلنا" قيل إنها تروي قصة فتاة ديرية زوجها أهلها من شاب أصله يهودي اسلم أبوه وكانت تحب شابا اسمه صالح».