مدينة عميقة الجذور في التاريخ، تتميَّز بجمال طبيعتها وخصوبة تربتها، ففي حقولها تتمايل سنابل القمح مع سواعد الفلاح مشكلة لوحةً طبيعيةً قلَّ مثيلها، كما أن أراضيها الغنية بالكنوز السوداء جعلتها ملتقى لشركات النفط العاملة في البادية السورية.

إنها مدينة "الميادين" التي تقع على بعد /45/ كيلو متراً عن مدينة "دير الزور" في موقع استراتيجي هام على نهر "الفرات" باتجاه الشرق.

تشتهر "الميادين" بصناعة الراحة والطحينية المصنوعة من السمسم، كما تشتهر بصناعة المنظمات الكهربائية والمكيفات المائية، تمتاز بسوقها المقبيِّ ومقاصفها المنتشرة على ضفاف "الفرات" إضافة إلى أنها منبع الأدباء والمفكرين والشعراء عبر مراحل تاريخها المختلفة

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 17/11/2012 المحامي "حميد السوادي" أحد أبنائها الذي تحدث عنها بالقول: «تعتبر مركزاً تجارياً هاماً لإحاطتها بـــ /ثلاث عشرة/ قرية، بالإضافة إلى أنها نقطة ارتكاز لشركات النفط العاملة في المنطقة.

كورنيش الميادين

وقد روى القدماء روايتين لتسميتها، الأولى: أطلق عليها اسم "المياذين" لكثرة المآذن فيها، ومن ثم سميت "بالميادين" خلال الانتداب "الفرنسي" لكون "الفرنسيين" لا يمكنهم لفظ حرف الذال فقلب الحرف إلى دال لتصبح "الميادين" كما هو معروف حالياً، وترجع تسميتها "بالميادين" إلى كونها كانت ميداناً لساحات القتال».

يضيف: «يعمل أبناؤها في التجارة وتربية الأغنام، ويعتبر مزادها الغنمي من أكبر الأسواق في المنطقة الشرقية على وجه العموم، حيث يبيع أهلها يومياً وفي مواسم الخير ما يقارب من /2000/ رأس من الغنم.

حرث الارض بأيدي فلاحها

تشتهر بزراعتها للحبوب والقطن، والشوندر السكري والسمسم والخضار، أمَّا الشيء الذي ميز "الميادين" لسنوات طوال فهو معمل الكونسروة، هذا المعمل الذي قدم منتجات وصلت شهرتها إلى كل المحافظات السورية، وما لبث أن توقف عن العمل نتيجة منافسة القطاع الخاص في السعر.

تقوم البلدية بداية كل عام بتوزيع معونات غذائية على بعض الفقراء والمحتاجين من المدينة بحسب الإمكانيات المتاحة، حيث يقوم مجلس المدينة بتخصيص المصادرات المخالفة من الباعة الجوالين وتوزيعها على الجمعيات الخيرية بدلاً من إتلافها».

الميادين في البادية السورية من غوغل إرث

الباحث" مازن الشاهين" في كتابه تاريخ محافظة "دير الزور" (*) عن "الميادين" يذكر: «تعود نشأتها إلى أواخر القرن الثامن عشر إثر انحسار مياه نهر الفرات عن قلعة الرحبة وسهولها، فباشر السكان بالنزوح إلى أماكن أخرى ليسكنوا التل المجاور لها، ولا يزال بعض الأهالي يكنون أنفسهم "بالرحبيين" أو "القلعيين"، ويوجد في المدينة عدد من الدواوين العامة والخاصة يقصدها الغرباء من أجل المبيت وتناول الطعام، كما يجري فيها فضُّ الكثير من المشكلات والخلافات بين العامة».

الباحث التاريخي "عامر النجم" أشار بالقول: «تشتهر "الميادين" بعادات طيبة وتقاليد كريمة موروثة عن آبائهم وأجدادهم، وهم دائبون على غرسها وتكريسها في أبنائهم، ومنها إفشاء السلام بين أبنائها سواء ممن يعرفونه أم لا، والتفاف أبناء الحي بعضهم على بعض عند وقوع مصيبة ما خاصة في حالات العزاء، فيتكفلون بغسل الميت وتكفينه وحفر القبر ومن ثم تشييعه، وبعد انتهاء "الدفن" يقوم أحد الجوار بدعوة جميع المشيعين إلى وجبة طعام، أمَّا كلامهم فهو موزون ودون تكلف مزخرف بضرب الأمثال "الفراتية" والتشبيهات المحلية التي تصدر عن سجية ودراية ومعرفة».

يضيف: «تشتهر "الميادين" بصناعة الراحة والطحينية المصنوعة من السمسم، كما تشتهر بصناعة المنظمات الكهربائية والمكيفات المائية، تمتاز بسوقها المقبيِّ ومقاصفها المنتشرة على ضفاف "الفرات" إضافة إلى أنها منبع الأدباء والمفكرين والشعراء عبر مراحل تاريخها المختلفة».

أما عما تحويه المنطقة من مواقع آثرية فذكر بالقول: «تحوي المنطقة على عدة مواقع أثرية منها قلعة "رحبة بن مالك"، و"عين علي" وتل "العشارة"، وتضم /خمسة وثلاثين/ مسجداً أشهرها "تكية الراوي" الذي بني /1875/م، وجامع "مشوح" الذي بني /1870/ م وجامع "العلوة" الذي بني في أوائل القرن التاسع عشر، كما تشتهر بمزاراتها وأهمها مقام الشيخ "أنس" ومقام الشيخ "شبلي"، كما كانت في العصر العثماني أحد الموانئ النهرية للسفن المتجهة من "تركيا" إلى ميناء "الفلوجة" في "العراق".

ويعتبر مسجد "العلوة" واحداً من الشواهد التاريخية الكثيرة على قِدَمِ البناء العمراني لمدينة "الميادين"، ونظراً لما يحمله هذا المكان المُقدس من ذكريات للماضي البعيد؛ فجدرانه المبنية من أحجارٍ متراصة تُذكرنا بقلاعٍ وحصونٍ شهدت معارك وغزوات تاريخية للأمم السابقة التي سكنت المنطقة قبل عشرات السنين، أما مئذنته فقد أصابها الميل وأصبحت فيما بعد نقطة علام للأغراب الذين مرّوا بها، فلا تزال شامخة تحرس وتُنبئ من بجوارها بتلبية ندائها للصلاة منذ بزوغ الفجر وحتى وداع الشمس، ليست هذه أحجية بحاجةٍ لمن يفك عقدتها، بل حكاية دارٍ للعبادة عمرها قرابة قرنٍ ونيّفٍ من الزمن».

(*) تاريخ محافظة دير الزور صفحة 379-391.