تعتبر نفسها الأم الثانية لأغلب ابناء "الدير"، والتي سمعت صراخهم عند قدومهم للحياة، وإن لم تكن تعرفهم فهي تعرف آباءهم لأنها قضت 43 عاماً في مهنة القابلة، فعلى الرغم من وجود الكادر الطبي المختص بالتوليد، لا يزال أهالي المدينة إلى اليوم يرسلون في طلبها، ليلاً ونهاراً.

إنها القابلة "سعاد كضيّب"، التي تقوم بمتابعة المرأة الحامل في فترة ما قبل الولادة بأسابيع وحتى بعد الولادة بأسبوع.

في السابق كان عدد القابلات المجازات قليلاً جداً لا يتجاوز الخمس، وهن السيدة "قدرية طعمة" و"سامية السياد" و"سعاد كضيّب" و"نوار سوادي" و"مديحة سوادي"، أما اليوم فتجاوز عددهن 500 قابلة

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 9/12/2012 السيدة "سعاد كضيّب"، والتي تحدثت عن مهنتها بالقول: «درست معهد التمريض في عام 1965، بعد ذلك تخصصت بقسم "القبالة" في مشفى المجتهد لأبدأ العمل في مدينتي منذ عام 1969، ولأكون ثاني قابلة قانونية في المدينة بعد السيدة "قدرية طعمة"، فكان العمل سابقاً يعتمد على "الداية" التي لا تحمل أي شهادة ولكن تتوارثها من أمها أو جدتها بالممارسة، وتقوم بتعليم ابنتها وجارتها تلك المهنة».

تضيف: «كانت المرأة الحامل سابقاً تذهب إلى "الداية" لتوضح لها الحمل وتؤكده، وإذا تأكد الحمل تطلب منها أن تزورها كل شهر لتطمئن على سير الحمل، وعند اقتراب الولادة تقوم "الداية" بإعطاء المرأة الماء والسكر لاعتقادها بأن السكر يرفع الحريرات، والماء معروف باحتوائه على 73% منه بالدم، فتقول لها بأن هذا يعطيها القوة ويجعلها صلبة.

ولا ينتهي دور "الداية" إلا في اليوم السابع من عمر المولود حيث تقوم بتغسيله وتطييبه، وعند ذلك يقوم أهل المولود بإعطائها ما تجود به أنفسهم من مال جزاءاً لما قدمته لهم من خدمات».

أما عن فرحة الذكر والأنثى في نظر الأهل فتضيف بالقول: «كانت العادة أن تقوم "الداية" بتبشير والد المولود وتتلقى البشارة النقدية منه حسب مركزه المالي والاجتماعي، فعند قدوم الجنين ذكراً تعم الفرحة وتحضر الولائم، وإذا جاء الجنين أنثى هبط البيت على صاحبه، أما الآن فأصبح المجتمع أوعى ولم يعد يفرق بين الذكر والأنثى بسبب ثورة التقنيات الحديثة التي تحدد جنس المولود قبل قدومه، وهذا ما خفف من صدمة الرجل في حال قدم الجنين أنثى».

أما عن العادات التي كانت تُتّبع خلال عملية الولادة وبعدها في تلك الفترة فتشير: «كانت المشيمة تلقى في مياه جارية أو تُدفن عميقاً في التراب كي لا تأكلها الحيوانات، أما سرّة الولد فكانت تلقى في منزل أحد الأشخاص المشهورين أو صاحب مهنة كي يكتسب صفاته ومهاراته، وعلى صدره كانت تُعلّق خرزات زرقاء أو عودان متصالبان لحمايته من مرض الإصابة بالعين الذي كان منتشراً بكثرة، وعند قص أظافر المولود يجب أن يضعونها في جيب أحد الكرماء اعتقاداً منهم بأنه سيكون كريماً، وكان الطفل يمضي طفولته في سرير خشبي يسمى "العبارة" قابل للتأرجح وكان يُنقش على سرير البنات اسم طفل صغير كابن عمها مثلاً أملاً في زواجهما مستقبلاً».

وتختم حديثها بالقول: «في السابق كان عدد القابلات المجازات قليلاً جداً لا يتجاوز الخمس، وهن السيدة "قدرية طعمة" و"سامية السياد" و"سعاد كضيّب" و"نوار سوادي" و"مديحة سوادي"، أما اليوم فتجاوز عددهن 500 قابلة».

اللجوء إلى "القابلة" مازال منتشراً بكثرة في "دير الزور"، وسبب لجوئهم إليها، كما يقول د."قتيبة الابراهيم" طبيب نسائية يعود إلى «العامل الاجتماعي الذي يتبناه البعض، ومضمونه عدم الرغبة في "كشف" النساء على عناصر المستشفى من الرجال، حتى وإن كان السبب صحياً، إضافة إلى الاعتقاد السائد بأن القابلة أكثر صبراً من الطبيب».