تتميز المدن السورية بنظام اقتصادي شعبي، ابتدعه الناس لمساعدة بعضهم بعضاً، يعرف بالـ "النقطة"، وهو مبلغ مالي بسيط يقدمه الأهل والأصدقاء للمقدم على الزواج، أو لمن يرزق بمولود جديد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 حزيران 2015، المعمر "عبد الحق عمران" من "سهل الغاب"، فحدثنا عن هذه العادة بالقول: «في بيئتنا الاجتماعية المتواضعة مادياً؛ يمرُّ الشاب المقبل على الزواج بكثير من الضغوطات المادية التي تثقل كاهله، فتأمين المنزل والأثاث من جهة، وحفلة الزواج ومصاريفها من جهة أخرى، لذا يبادر أهله وأصدقاؤه بمساعدته من خلال مبلغ مالي يدفعونه ليلة الزفاف؛ يسمى "النقوط"، مقبلين على هذا السلوك بدافع المحبة الصرفة، وأخص في كلامي هنا الأهل والأصدقاء المقربين، أمّا الأقرباء من الدرجة الثالثة -إن صح التعبير- والجيران وسواهم؛ ففي أغلب الأحيان يكون دفعهم لهذا المبلغ بمنزلة ردّ دينٍ سابق، يكون العريس أو أهله قد دفعوا في زفاف أولادهم ذات المبلغ أو سواه، ولا يشترط في هذه الحالة دفع مبلغ معين كالدين تماماً؛ بل يترك الموضوع كيفياً وحسب الحالة المادية للشخص».

أذكر حين كنت شاباً أن "النقطة" لم تقتصر يوماً على المبالغ المالية، فتشييد المنزل كان يتم بجهود شباب القرية، تبرعاً للعريس وأهله، ومؤونة المنزل أيضاً تأتي من منازل العمات والخالات، وفي العرس يكتمل المشهد، إذ يدفع أهل العروس والعريس ما تيسر لهم من النقود رغبةً منهم بمساعدة العائلة الجديدة، وفي تلك الأثناء كانت العائلات تتبارى فيمن يدفع أكبر مبلغٍ في العرس

وعن الفروقات -في هذا السياق- بين الماضي والحاضر، يتابع "عمران": «أذكر حين كنت شاباً أن "النقطة" لم تقتصر يوماً على المبالغ المالية، فتشييد المنزل كان يتم بجهود شباب القرية، تبرعاً للعريس وأهله، ومؤونة المنزل أيضاً تأتي من منازل العمات والخالات، وفي العرس يكتمل المشهد، إذ يدفع أهل العروس والعريس ما تيسر لهم من النقود رغبةً منهم بمساعدة العائلة الجديدة، وفي تلك الأثناء كانت العائلات تتبارى فيمن يدفع أكبر مبلغٍ في العرس».

عبد الحق عمران

ويختلف مبلغ "النقطة" حسب طبيعة العرس؛ يقول "عروة مصطفى" وهو موظف في القطاع الخاص: «إن نوع العرس المقام هو من يحدد السقف الأدنى للمشاركة، وهو تحديد افتراضي بالتأكيد، فثمة من يحضر العرس ولا يقدم هذا المبلغ نتيجة ظروفه الصعبة، ولا مشكلة أو حرج في ذلك.

لكن العرس يختلف بين منطقة وأخرى؛ ففي بعض البلدات تقام الحفلة في صالة مغلقة، لا يتكلف العريس سوى أجرة الصالة وجهاز الصوت وضيافة واحدة، وهنا تكون "النقطة" متواضعة نوعاً ما، بما يتناسب مع التكلفة، بينما في مناطق أخرى يكون العرس في مطعم مفتوح، ويكون لكل شخص كرسي ومكان على الطاولة، ويقدم له وجبة عشاء وحلويات وفواكه، وقد يحيي الحفل مطرب وفرقة موسيقية، وهنا تختلف "النقطة" حكماً، فإن كانت في النموذج الأول مثلاً 1000ل.س، ستكون في هذه الحال 2000-2500 ل.س للمقتدرين على ذلك.

عروة مصطفى

وعموماً أستطيع القول إن المقدم على حفلة كهذه يكون مطمئناً إلى أن تكاليف العرس كاملة ستكون من "النقطة"، ولن يدفع من جيبه شيئاً».

أما عن "نقطة" الولادة التي تقدم للأهل، فتحدثت عنها السيدة "فاطمة دريباتي"؛ خريجة علم اجتماع، تقول: «جرت العادة أن يقدم المهنئون هداياهم لأهل الطفل عقب ولادته، وأغلب الأحيان تكون هذه الهدايا عبارة عن قطعة ملابس للطفل أو أمه، تبقى كذكرى، وتوفر على الأهل أيضاً ثمن هذه الألبسة، أما أهل الأب والأم فيقدمون "نقطة" للمولود الجديد في ثيابه أثناء المباركة، وهي تعدّ إعانة بسيطة تسعف العائلة الصغيرة التي قد ترهق من مصاريف فترتي الحمل والولادة، عدا الألفة التي تعززها هذه الواجبات بين الأهل والأصدقاء المقربين أحياناً، فمن الجميل أن يشعر أهلك ومحبوك بمعاناتك، ويمدون لك يد العون المُحِبّة، والأجمل أن تبادر أنت بمدّ يد العون لهم في مناسباتهم.

وأنا أرى أن سلوكاً كهذا؛ يعدّ عادة اجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى فهو نموذج رائع من نماذج التكافل الاجتماعي غير المعلن عنه صراحةً، وهي تغني الناس عن الحاجة في كثير من الأحيان».