يتوسط مركز مدينة "حماة"، ويعدّ من أهم الأسواق التجارية الموجودة فيها، فمع بداية ساعات الصباح الأولى تبدأ حركة الزائرين لهذا السوق الذي اشتهر بالحالة الاجتماعية التي تسود في أرجائه، وتنوع البضائع التي تقدمها المحال الموجودة فيه.

مدونة وطن "eSyria" تجولت في "سوق الدباغة" بتاريخ 20 شباط 2016، والتقت التاجر "عدنان غنام" من مواليد عام 1951، وصاحب أحد محال الأقمشة الموجودة فيه، حيث تحدث عن تاريخ السوق وسبب تسميته قائلاً: «في الماضي كانت هناك بساتين صغيرة منتشرة على امتداد السوق تسقى بواسطة القنوات العلوية، حيث تجلب المياه إليها من نهر العاصي بواسطة "النواعير"، وإلى جانب هذه البساتين كانت هناك محال للدباغة؛ حيث تتم صباغة الخيوط والأقمشة والجلود بواسطة أحواض مياه ساخنة، وكانت تستخدم قشور الرمان وأعوادها في عملية الدباغة وتحدد الألوان حسب كميات القشور المستخدمة، ومن هنا جاءت تسمية السوق بـ"الدباغة"».

لم أغير مهنة والدي، وحافظت عليها وعلى العلاقات التي تربطنا مع زبائننا وجيراننا، فنحن هنا منذ سبعين عاماً نعمل في "السمانة"، وخاصة مادة "السمن العربي" التي اشتهرنا بها

ويتابع وصف السوق وما يحويه بالقول: «تحيط بالسوق أسواق وشوارع معروفة، مثل: شارعا "ابن رشد"، و"إبراهيم هنانو"، وعلى جانبيه تنتشر المحال التي تعلوها الأبنية السكنية القديمة بتناغم يبدو كأنه لوحة تم رسمها بعناية، فهناك المحال التي تبيع الملابس بأنواعها الرجالية والنسائية والخاصة بالأطفال، إضافة إلى بائعي الأقمشة والأدوات الكهربائية والمنزلية، ومحال بيع الأعشاب الطبية، واستوديوهات التصوير والمكتبات».

عدنان غنام

من أهالي سوق "الدباغة" ربة المنزل "فاطمة عدي"؛ التي تحدثت عما تحفظه من ذكريات عن السوق بالقول: «سوق "الدباغة" من الأسواق التجارية الجميلة، وما زال يحتفظ بالعديد من الأبنية القديمة التراثية، فهناك "مدرسة التربية الاجتماعية" التي يعود بناؤها إلى عام 1956، إضافة إلى "جامع السلطان"، وهو من المساجد القديمة أيضاً، وكذلك "حمام الحلق"، و"جامع الشيخ إبراهيم"، وما زلت أذكر مدرسة الملك "المنصور" و"خولة بنت الازور" للإناث؛ وتعد من أقدم المدارس التي كانت موجودة في ذلك الوقت، سكنته عائلات حموية عريقة، منها: "الأشقر"، و"عدي"، و"قنباز"، و"شعبان"، و"الجابي"».

وتتابع الحديث عن الحالة الاجتماعية التي تسود بين قاطني السوق من سكان وتجار: «تسود علاقات المحبة والتعاون بين أهالي السوق جميعاً، وتتوضح الصورة المثلى مع بداية شهر رمضان؛ حيث تبدأ الزيارات بين الجيران، ويتبادل الجميع التهنئة بقدومه، ولا أنسى فرحة عيد الفطر عندما يتم تزيينه بأشرطة المصابيح، فيتحول إلى تحفة خالصة».

رياض عرابي

شهد السوق أعمال صيانة وترميم، وخاصة للبيوت والمنازل القديمة الموجودة فيه، إضافة إلى تجديد الأرصفة، وإقامة أعمدة الكهرباء التي تزينه والكثير من الخدمات المتنوعة.

ويعدّ ممراً تجارياً مهماً ما بين سوقي "ابن رشد" و"الطويل"؛ هذا ما قاله التاجر "رياض عارف عرابي" من مواليد 1958، متحدثاً عن ذكرياته مع المهنة التي ورثها من والده بالقول: «لم أغير مهنة والدي، وحافظت عليها وعلى العلاقات التي تربطنا مع زبائننا وجيراننا، فنحن هنا منذ سبعين عاماً نعمل في "السمانة"، وخاصة مادة "السمن العربي" التي اشتهرنا بها».

جامع السلطان

وعن طبيعة العلاقات السائدة بين أصحاب المحال، أضاف: «نحن هنا أشبه بعائلة واحدة، فالجميع يعرفون بعضهم بعضاً، ونبادر بالسؤال عن جارنا في حال إغلاقه لمحله لمعرفة أحواله والاطمئنان عليه، وإلى الآن هناك عائلات موجودة توارثت مهنتها أبّاً عن جدّ، منها: "الطحان"، و"الشققي"، و"المصري"، و"العقاد"، و"الجنباز"».